حزمة مساعدات لمصر وتونسبقيمة 40 مليار يورو

أثارت الحزمة المالية التي قدمها العديد من الدول إلى مصر حفيظة بعض رجال الإقتصاد والخبراء، حيث نبهوا إلى أهمية عدم ذهاب تلك الأموال إلى تمويل مرتبات وحوافز وأجور للموظفين والمعتصمين، وأن لا تذهب إلى إستيراد سلع غذائية، تباع بسعر مدعوم في الأسواق من دون أن يكون لها أي مردود إستثماري على الدولة.


الرياض: الأرقام المعلنة حتى الآن تشير إلى أن هناك مليارات عدة سيتم من خلالها دعم الإقتصاد المصري، بدايتها مع المساعدات السعودية، التي وصلت إلى قرابة 4 مليارات دولار، والمساعدات الأميركية التي حولت مليار دولار من ديون مصر إلى مساعدات، ومنحتها ملياراً أخرى، ثم تلاها إعلان البنك الدولي أنه سيمنح مصر قروضاً بـ4.5 مليار ريال، فيما سيكون بمقدور مصر الحصول على مبلغ يتراوح ما بين 10 إلى 12 مليار دولار من صندوق النقد.

مجموعة الثماني أعلنت على لسان الرئيس الفرنسي عن حزمة مساعدات لمصر وتونس تصل إلى 40 مليار يورو، من بينها 20 مليار مقدمة من بنوك التنمية (باستثناء صندوق النقد الدولي)، وأكثر من 10 مليارات دولار من التعهدات الثنائية، و10 مليارات من دول الخليج، وستبلغ حصة فرنسا المقدمة إلى مصر وتونس مليار يورو، من خلال برنامج التعهدات الثنائية، إضافة إلى 300 مليار يورو من ألمانيا، ومساعدات منتظرة من الكويت وقطر وبعض الدول الخليجية.

صندوق التبرعات ما زال يحوي الكثير والكثير، وخبراء مصريون يرون أنه ليس quot;سبيلاًquot; أو quot;وقفًاquot; ماليًا أو هدية، بل هي كارثة تم تغليفها بأوراق فضفاضة وشرائط هدايا جميلة، ولكنها تحمل في داخلها الكثير من المتاعب المستقبلية، خاصة وأنه لا يوجد في مصر كشف حقيقي عن أرقام الدين الخارجي، والذي تراوح وفق أقوال وتصاريح حكومية ما بين 39 إلى 45 مليار دولار.

يزداد الأمر صعوبة بوصول العجز المالي في الميزانية إلى رقم فلكي وفقًا لبعض التقديرات، التي قدرته بنحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو تقريبًا أربعة أضعاف الحدود الآمنة لنسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة، فما الذي يدفع تلك الدول إلى إقراض مصر.

توقعات خبراء صندوق النقد الدولي، التي نشرت أمس، بينت أن مصر ربما قد تكون فقدت نحو 15 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي على مدى أربعة أشهر حتى نهاية أبريل/نيسان الماضي، وذهبوا الى تقدير العجز التمويلي، الذي قد تشهده مصر من 9 مليارات دولار الى 12 مليارًا في السنة المالية 2011-2012.

في حين أن البنك المركزي المصري يرفض هذا الكلام، ويؤكد أن 8 مليارات فقط هي حصيلة الإنخفاض في احتياطي النقدي، وأن هناك إيرادات من القناة وتحويلات المصريين في الخارج بدأت تمنح السوق النقدية المصرية نوعاً من الإستقرار.

وعلى الرغم من نجاح البنك في السيطرة على سعر الصرف وجعله في الحدود المقبولة، إلا أن توجيه دفة المعونات إلى تلبية المطالب الفئوية ورفع الأجور وصرف إعانات للعاطلين ربما يؤدي إلى نتائج عكسية على الإقتصاد، خاصة وأن الإقتصاد يعاني ركودًا وضعفًَا فيالحركة السياحية، إضافة إلى ضعف الصادرات المصرية، وهذا الذي يخيف الإقتصاديين.

ويؤكدون أنه سيحمّل الأجيال المقبلة أعباء كبيرة، لن يقدروا على التعامل معها، وأنها ستكون بمثابة الفخ، الذي وقعت في شباكه حكومة الثورة، في محاولة منها لإطعام المصريين من دون أن تمنحهم فرص عمل حقيقية، تمنحهم معيشة أفضل لهم ولأبنائهم.

منذ قيام الثورة في 25 يناير، تحملت حكومتا أحمد شفيق وعصام شرف الكثير من الأعباء، التيبدأت برفع الأجور 15% لكل الموظفين الحكوميين وأصحاب المعاشات من دون وجود موارد مالية حقيقية لتلبية هذا المطلب.

كما أجّلت تحصيل الضرائب على القطاع الخاص والمنشأت السياحية التي تضررت كثيراً من جراء توقف السياحة، إضافة إلى إعتمادها صرف 5 مليارات جنيه تعويضات على الأحداث التي وقعت وتخريب المنشآت أيام الثورة، كل ذلك زاد من الأعباء الحكومية بأكثر من 20 مليار جنيه، في وقت انخفضت إيرادات الدولة بأكثر من 10 مليارات دولار.

يرى الخبراء أهمية إرتباط القروض ببرنامج إستثماري ضخم، وعدم إستنزافها في الإنفاق الاستهلاكي، وربط المساعدات بتحسين الكفاءة المالية للموازنة، وذلك عن طريق توجيه الشريحة الأكبر من المساعدات إلى مشروعات استثمارية، ومن هذا المنطلق أعلن مجلس الوزراء أمس الخميس أنه سيتبنى تأسيس صندوق خاص تصب فيهكل المساعدات والمنح لضمان حسن إستثمارها.

هذا ولجأت الحكومة المصرية منذ إندلاع الأزمة إلى الإقتراض الداخلي بفائدة وصلت الآن إلى أعلى معدل عالمي للإقتراض، وهو 13%، وصرفت كل تلك السندات في دعم السلع الأساسية والمواد التموينية والمواد البترولية المدعمة والأجور، ولم تستطع التفكير في رفع سعر أي سلعة أو تخفيض الدعم عليها، خوفاً من ضغط الشارع، الذي أصبح المحرك الرئيس لإتخاذ أي قرار.

فيكفي المصريون الآن إعلان على quot;فايسبوكquot; للتظاهر، فتجد الشوارع مليئة بالمتظاهرين، ومع أن الضغط المالي على الحكومة يمكن الوقوف في وجهه بنوع من الحزم، إلا أن الدولة أختارت الطريق الأسهل، حتى إن الدين الداخلي وصل إلى 950 مليار جنيه، تم تمويل قرابة 50% منه من قبل البنوك المصرية، وبالتالي تم تلجيم السيولة البنكية السيولة برابط الدين الداخلي.

فيما كان النصف الآخر على شكل قروض، نظراً إلى كون القانون المصري لا يتيح لسقف الإقتراض أن يقترب من حاجز 55% من حجم الودائع، وهو ما يشير إلى أن وضع سيولة المصارف في خطر إذا استمر ازدياد حجم الدين الداخلي، واستمر إقتراض الدول.

المشكلة التي تواجه مصر حالياً هي فوضى الإدارة وسوء حالها، ففي بلد يبلغ عددسكانها 85 مليون نسمة لا يوجد نظام واضح لإدارة أي جهة حكومية فيها أو مؤسسة عامة، بلد ما زالت تقوم بصرف شيكات البنوك، وفق الفرع الذي ينتمي إليه المصدر، ولا يمكن صرفه من أي فرع آخر للبنك نفسه،فكيف يمكن لهذه العقلية إدارة إقتصاد إستثماري، يتيح فرصة الإستفادة القصوى من برنامج القروض؟.

فوضى الإدارة ووجود نظام إداري أكثر الأشياء التي يعانيها المستثمرون، سواء المصريين أو الأجانب، ولم تستطع أي حكومة سابقة القضاء عليه، بل عمدت كل الحكومات على ترسيخه ودعمه، لكونه يزيد من فرص التحايل وتلقي الرشاوي ونمو الفساد، وبالتالي ضمان البقاء بحجة الإصلاح.

يقرّ المصريون بأن وزارة عصام شرف هي وزارة لتسير الأعمال، وتفتقد القدرة على التخطيط نظراً إلى ضعف الرؤية الإستثمارية الحديثة لدى أعضائها، ولكونهم أكاديميين، وليسوا بخبراء مشهود لهم ـ بإستثناء وزير المالية ـ لذا فهم يرون أهمية لجوء تلك الحكومة إلى إشراك الخبراء والمصرفيين المشهود لهم بالكفاءة، والذين كانوا على الهامش في النظام السابق، في إدارة تلك المساعدات والتخطيط المستقبلي لها.

كذلكفالكثير منهم لديه رؤية وقدرات على إدارة الأزمة بصورة أفضل من التي تدار بها حالياً، كما إن التوقف عن الإعتصامات والمطالب الفئوية والعمل بجدية سيزيل من كل تلك المشاكل، وإن على الوزراء الكفّ عن البحث عن أموال معونات ومساعدات وإستجداء الحكومات، التي لن تدفع مجاناً لمصر، وإن عليهم سرعة طمأنة المستثمرين الأجانب إلى قدرتها على تجاوز تلك الأزمة مع إطلاق حزمة سريعة وقوية من الإصلاحات المصرفية والإستثمارية والقوانين، وإدخال إصلاحات، تعزز آفاق مستقبلها الائتماني والاستثماري، يمكنها أن تزيل الغموض في المستقبل القريب لمصر.