يتجه رمضان الجزائر 2011 إلى التهاب أقل حدة مقارنة بسابقيه بفعل توفر المواد الأساسية واستقرار أسعار اللحوم والفواكه، بيد أنّ عاملي الوفرة والاستقرار لا يعنيان شيئا بنظر خبراء الشأن الاقتصادي المحلي، حيث لا يستبعد هؤلاء نجومية المضاربة كالعادة.


الجزائر: تعطي معطيات ميدانية انطباعا قويا أنّ رمضان العام الحالي في الجزائر، لن يكون quot;ساخناquot; كما كان حال رمضانات الأعوام المنقضية، حتى وإن كان فريق من المتابعين يتكهنّ بانقلاب الأوضاع في قادم الأيام.

وفي جولة عبر أسواق الجزائر العاصمة، بومرداس، البليدة وتيبازة، بدت أسعار الخضر والفواكه مستقرة إلى حد ما، حيث تراوح سعر البطاطا بأسواق quot;المدنيةquot; وquot;بوقرّةquot; وquot;بوفاريكquot; ما بين 25 و40 دينارا للكيلوغرام الواحد (الدولار يعادل 70 دينارا)، فيما تراوح سعر البصل ما بين 20 و25 دينارا، بينما كانت أسعار الطماطم والجزر والفلفل الأخضر تتراوح بين 50 و70 دينارا، بالتزامن مع ارتفاع سعر الخس فجأة من 90 إلى 140 دينارا للكيلوغرام بمتاجر quot;علي ملاحquot;، quot;فرحات بوسعدquot; وquot;لعقيبةquot;.

وخشية حدوث مفاجآت غير سارة، انخرط الجميع من شباب وكهول وشيوخ ونساء وعواجيز في حركة شراء لم تهدأ، للظفر بكميات من الخضر والفواكه الطازجة بأسعار في متناولهم، وهو معنى أكده أحمد رب أسرة ، وكذا ليلى العاملة بمشفى ورياض الموظف في مصرف خاص وغيرهم الذين أبدوا ارتياحا للوفرة والنوعية السائدة، في وقت يرى متخصصون مثل quot;زهير حميسيquot;، quot;محند رضاويquot; وquot;آمال بركانquot; أنّ أوضاع السوق ستتغير حتما حالما يقرّر من سماهم quot;المتحكمونquot; في أسواق الجملة ذلك.

الفواكه حاضرة بقوة

تبعا لنضوجها في عز الصيف، اكتسحت الثمار الموسمية الأسواق وبأسعار غير معهودة، قياسا بجنون بورصتها على مدار الأعوام القليلة الماضية، وأعرب كثير ممن استجوبناهم عن quot;انبهارهمquot; بالظاهرة.

ويلفت موسى العامل بورشة للميكانيك، إلى أنّ مواطنيه لم يألفوا توافر الفواكه بأسعار منخفضة، إلى حد جعل البطيخ الأحمر والأصفر والفرولة، إلى جانب الخوخ والمشمش والبرقوق والموز والتفاح وثمار موسمية أخرى سهلة المنال بواقع وصل إلى عشرين دينار للكيلوغرام بالنسبة للبطيخ الأحمر، و35 إلى 50 دينارا للمشمش و70 دينارا للخوخ، فضلا عن 120 إلى 140 دينارا بالنسبة للعنب.

من جهته، هبط سعر الموز من 140 دينار إلى 80 دينار، تماما مثل التفاح الذي تدحرج إلى 80 دينارا بعدما ظلّ ملازما لسقف 180 دينارا، وهذا الواقع تكرّر في أسواق باب الوادي، الكاليتوس، الحطاطبة وغيرها.

ويلاحظ فارس وشوقي وخديجة الذين التقيناهم بسوق quot;مارشي 12quot;، أنّ وفرة الفواكه ستجعل من رمضان العام الجاري استثنائيا، وسيخلق ديناميكية للأسواق ككل، خلافا للركود الذي طبعها في زمن ليس بالقصير، بفعل المستويات القياسية التي بلغتها الأسعار في عامي 2009 و2010.

نظام حكومي لحماية القدرة الشرائية

في بلد ظلّ في منأى عن انعكاسات الثورات العربية، اعتمدت السلطات نظاما لحماية القدرة الشرائية المستهلكين، وضبط المنتجات الواسعة الاستهلاك.

بهذا الشأن, يؤكد quot;يوسف رجام خوجةquot; مدير ضبط وتطوير الانتاج بوزارة الزراعة الجزائرية على أنّ مصالحه اتخذت جميع التدابير لجعل رمضان 2011 في منأى عن أي اضطرابات، بهذا الصدد، يكشف خوجة عن توفير جميع المواد الواسعة الاستهلاك بكميات كبيرة خلال شهر رمضان المرتقب افتتاحه مطلع شهر أغسطس المقبل.

ويوضح المسؤول الحكومي إلى أنّ أسواق بلاده ستستفيد من إدخال وشيك لـ130 ألف طن من الطماطم، 48 ألف طن من الكوسة، 11 ألف طن من الفاصولياء، و26 ألف طن من السلطة، إضافة إلى أطنان أخرى من البطاطس والبصل والبازلاء والجزر والباذنجان والفلفل الأخضر والثوم والحبوب ذات الانتاج المحلي، ما جعل خوجة يجزم بأنّ مشكل وفرة المنتجات لن يطرح في رمضان هذه السنة.

وبشأن اللحوم بنوعيها التي كثيرا ما تصعد أسعارها إلى القمة في رمضان، يقلل خوجة من احتمالات تكرار الظاهرة، مستدلا بكون السوق مموّنة بشكل جيد بالنظر إلى الكميات المستوردة والمخزّنة التي سيتم إدخالها إلى السوق لضمان استقرار الأسعار والاستجابة للطلب خلال شهر رمضان.

وأعلن quot;رشيد بن عيسىquot; وزير الزراعة الجزائري عن بداية عملية شراء وذبح المواشي من أجل تشكيل مخزونات لحوم الأغنام المحلية إضافة إلى 22 ألف طن من لحم الأبقار المستوردة لتلبية الطلب الكبير الذي سيسجل خلال شهر الصيام، وهذه أول مرة تلجأ فيها الجزائر إلى تخزين اللحوم.

وتندرج هذه المخزونات في إطار الإجراءات الخاصة بضبط المنتجات الزراعية ذات الاستهلاك الواسع، إذ سيتم إدخال أربعة آلاف طن من لحم الغنم المجمد المحلي إلى السوق ليُباع الكيلوغرام الواحد بحدود ستمائة دينار (ما يعادل 11 دولارا)، ويعلّق رجّام: quot;الأمر لا يتعلق بكسر الأسعار، إنما بضبط السوق quot;.

ولقطع الطريق على التلاعبات، تم تشكيل مخزون قدّر بعشرة آلاف طن من اللحوم البيضاء أي ضعف الكمية المسجلة السنة الماضية، أما سعر الدجاج المجمد الخاص بالإنتاج المحلي فسيباع بسعر 250 دينار للكيلوغرام (3 دولارات) عبر 286 نقطة بيع في الولايات الـ48.

كما سيجري بيع لحم الغنم المحلي عبر شبكة توزيع تضم أكثر من ثلاثمائة نقطة بيع عبر 40 ولاية، وأفيد أنّ متعاملين قاموا باستيراد أكثر من 14 ألف عجل موجهة للجزّارين، ما سيوفر ثلاثة آلاف طن من اللحم الطازج.

وفي سياق الإجراءات التي توختها الجهات المعنية لمنع استنساخ أزمات الغذاء، رفعت الحكومة الجزائرية حصص مسحوق الحليب الخاصة بالمحولين خلال شهر رمضان بـ15 بالمئة، ما سيقفز بإنتاج هذه المادة الحيوية إلى 5.2 مليون لتر/ يوميا بزيادة سبعمائة ألف لتر مقارنة بالفترة السابقة، في حين أقرّ الجهاز التنفيذي زيادة كم الحبوب بـ10 بالمئة أيضا، ما سيرفع إنتاج الدقيق بصنفيه الصلب والليّن عبر 152 مصنعا منتشرة في البلاد.

ورغم ما تقدّم، إلاّ أنّ معاناة قطاع من الكادحين ستستمر، وهو ما تؤكده أرقام وزارة التضامن الجزائرية التي أعلن مسؤولها عن توزيع ما لا يقلّ عن 1.5 مليون قفة على العوائل المعوزة، في فصل تتباهى به السلطات وتدرجه ضمن منجزاتها، رغم أنّ الكشف يعريها ويبرز عجزها على طول الخط.