رمضان في الجزائر ... إقتراض ونفقات بلا حدود

أضحت تغطية نفقات شهر رمضان في الجزائر تحدياً حقيقياً بالنسبة إلى العديد من العائلات في البلاد بسبب الفاتورة الثقيلة لمائدة رمضانية مقبولة، وباتت المهمة الأكثر صعوبة خلال الشهر الكريم الذي يمتاز بالإنفاق المتزايد واللامحدود.


الجزائر: في بلداعتاد إرتفاعات قياسية مع حلول كل رمضان في أسعار المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، صار المستهلكون البسطاء مُرغمين على الاقتراض لسد رمقهم، بعدما عجزوا عن سد حاجياتهم بإمكاناتهم الخاصة، كما هو حال كثير ممن صادفناهم في مختلف الأسواق الجزائرية في أول أيام رمضان 2011.

في هذا الصدد، تعرف ظاهرة اللجوء إلى القرض انتشارًا واسعًا في أوساط آلاف العائلات ذات الدخل الضعيف وحتى المتوسط، ويقرّ حميد أنّه اضطر إلى الاستدانة من أحد معارفه كي يوفر لأسرته المؤلفة من أربعة أفراد، أساسيات الحياة.

ويشير حميد، الذي يعمل حارسًا في محطة نقل، ويتقاضى راتبًا لا يتجاوز العشرة آلاف دينار (ما يعادل 120 دولارًا)، إلى أنّه بات عاجزًا عن تحمّل وطأة المصاريف خاصة مع نهاية الشهر الماضي التي كانت صعبة عليه، حتى إنّ راتبه الجديد سرعان ما يتبخرّ خلال ظرف قياسي.

ويسجل كل من فيصل، وجمال ونبيل، أنهم يتألمون ضعفين في رمضان، إزاء قلة حلتهم أمام ما تفرضه الأعباء، وهو ما يضطرهم إلى الاقتراض ويصطدم بأنفة الجزائري الذي يحتمي برجولة مجروحة عندما تطحنه الظروف، فيرفض الاعتراف بالسقوط، على الرغم من سطوة الانهزامات اليومية والخيبات المتصلة.

على أحد أرصفة حي بن طلحة الفقير، كان يجلس الكهل محمد أب لثمانية أطفال، وهو عاطل لا يعمل بسبب ظروفه الصحية الصعبة، لذا لا يجد بديلاً سوى اللجوء إلى اقتراض من نوع خاص، حيث يزوده الباعة بما يحتاجه، ويدوّنون ذلك في دفتر خاص على أن يقوم محمد بتسديد الفاتورة في وقت لاحق، مثله في ذلك العشرات من أبناء حيه.

ويقول سليمان العامل في ورشة خاصة: quot;أجرتي لا تسمح بتغطية كل متطلباتي الشهرية، وعليه يلجأ إلى فتح دفتر مخصص للقروض على مستوى متجر قريب، وهي طريقة يصفها بـquot;المهينةquot;، وحتى يتجنب سماع بعض الكلمات غير اللائقة من طرف التاجر المعني، يقوم أبناء سليمان بشراء المواد اللازمة في شكل قرض.

وأكد فريد الحارس الليلي: quot;إني استهلك بتسديد الدين نصف راتبي الشهري في يوم واحد. أما الباقي فأستغله لسد متطلباتي الآنية قبل الدخول مجددًا في حلقة مفرغة جراء القرضquot;.

إلى ذلك، يعد قبول التجار بفتح دفاتر إقراض لزبائنهم، بمثابة quot;امتيازquot; لا يُحظى به إلاّ الزبائن الذين يمتلكون مواصفات المصداقية والوفاء والامكانيات لتسديد ديونهم، في حين يرفض تجار آخرون بشكل قطعي صيغة الاستدانة، ويرفع هؤلاء لافتات كُتب عليها جملة quot;القرض ماتquot;، وquot;لا تحرجني بطلب قرض. لا أريد إحراجك بالرفضquot;، بينما يرى مراقبون أنّ التجار في كل الأحوال هم الرابحون، حتى وإن تأخرت مداخليهم بعض الشيء.

ورغم بعض التردد فإن العديد من التجار يفضلون في نهاية الأمر اعتماد القرض، حيث يعتبرون هذه الطريقة نوعًا من التكافل والتضامن مع محدودي الدخل، علمًا أنّ الإنفاق الغذائي يهيمن على 58% من موازنات العوائل.

واستنادًا إلى تقرير للديوان الجزائري للإحصاء، فإنّ مظاهر الفقر تشمل ثلث مكونات المجتمع الجزائري، وتسيطر الظاهرة على كثير من المناطق الريفية وفي الولايات الداخلية كـquot;تيارتquot;، quot;المديةquot;، quot;تيبازةquot;، quot;تسمسيلتquot;، وأدرار وغيرها من المدن التي تستوعب أحياء منتجة للبؤس.

وخلافًا لتأكيد السلطات الرسمية بأنّه ليس هناك فقراء في الجزائر، يشكو قطاع من الكادحينأنواعًا من الحرمان جرّاء عيشهم بأقل من دولارين يوميًا، وهو ما يفسّر توزيع 1.5 مليون قفة لإطعام الفقراء في رمضان هذا العام.