حذر خبراء إقتصاديون من تجدد موجة الركود المزدوج، في أعقاب الأخبار الإقتصادية السلبية التي تتوالى بلا هوادة والتي ترسم صورة الإقتصاد الأميركي وهو يواصل تراجعه.

مخاوف من تعرض الإقتصاد الأميركي لموجة ركود جديدة

القاهرة: منذ ثلاثة عقود، عانت الولايات المتحدة من موجة ركود، جاءت في أعقاب موجة الركود السابقة لها. لكن هذا السيناريو قد يحدث مرة أخرى، حيث رسمت الأخبار الاقتصادية السلبية التي تتوالى بلا هوادة صورة للاقتصاد الأميركي وهو يواصل التراجع ويتعافى بشكل أقل مما كنا يُعتقد. فحين أضيرت البلاد بتلك الأزمة التي ربما عرفت في نهاية المطاف بأزمة الكساد العظيم الأولى، كان هناك اتفاقاً سياسياً عاماً على ضرورة تصدي الحكومة للأمر عبر تحفيز الاقتصاد، وهو ما حدث، وانتهت حالة الكساد.

لكن الكساد العظيم الثاني، إن كان ذلك الذي نشهده، قد أثار رد فعل مختلف تماماً، حيث يتشاجر الساسة الآن بشأن قدر الإنفاق الذين ينبغي تخفيضه. وبعد أشهر من الجدل، وافقوا على تمرير مشروع قانون يهدف إلى إقرار مزيد من التخفيضات على مدار الأعوام العشرة المقبلة. وإن كانت تلك هي بداية تراجع مزدوج جديد، فهناك أمران هامان يجمعان بينها وبين موجتي الركود اللتين حدثتا عام 1980 و1981-1982.

وفي هذا الصدد، قالت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إن موجة الركود الثانية بدأت في كل حالة في وقت كانت تعتبر فيه السياسات الحكومية التقليدية المعنية بمكافحة الضعف الاقتصادي غير متاحة. ومن ثم استبعدت الحاجة لمكافحة التضخم سياسة نقدية أسهل. والآن، تستبعد الحاجة لخفض الإنفاق الحكومي سياسة مالية أكثر ملاءمة.

ثم تابعت الصحيفة بقولها إن الاقتصاد الأميركي تراجع إلى ما كان يعتبر في البداية ركود معتدل نسبياً في نهاية العام 2007. لكن التباطؤ تحول إلى انخفاض في جميع أنحاء العالم بعد أن أدى فشل بنك ليمان براذرز في أيلول / سبتمبر عام 2008 إلى تلاشي الائتمان لكافة المقترضين تقريباً الذين لا يعتبروا آمنين تماماً. وقد أضحت البنوك في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان بحاجة لعمليات إنقاذ ضرورية لبقائها.

ولفتت النيويورك تايمز في سياق حديثها إلى أن عدم توافر القروض تسبب في حدوث انخفاض بحجم التجارة العالمية بمستوى لم يسبق له مثيل منذ الكساد العظيم، كما أصاب الركود جميع الاقتصاديات تقريباً. لكن تبين أن الشركات كانت مبالغة في ردود أفعالها. فبينما انخفضت المبيعات للعملاء، فإنها لم تتراجع بنفس معدلات تراجع الإنتاج.

وهي الحقيقة التي مهدت الطريق لحدوث انتعاش اقتصادي بدأ في منتصف العام 2009، في الوقت الذي حدد فيه المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو الجهة المُحَكِّمة في مثل هذه الأمور، أن الركود انتهى في حزيران/ يونيو من ذلك العام. وتحدثت الشركات حول العالم عن حدوث زيادة سريعة في معدل الطلبيات التي تتلقاها بشأن منتجاتها.

وحتى وقت قريب، كان يُعبِّر معظم المراقبين عن اعتقادهم بأن الاقتصاد الأميركي يمر بحالة من التعافي البطيء، وإن يكن ذلك الذي يعاني من نمو وظائف مخيب للآمال تماماً. وأظهرت الأرقام الرسمية الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي أن اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية نمى إلى حجم قياسي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2010، بعد أن محا خسارة قدرها 4.1 % من الناتج المحلي الإجمالي من أعلى إلى أسفل.

ثم أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن مراجعتها السنوية للأعداد على مدار السنوات الماضية. وأشارت دراسات حكومية جديدة إلى أن الأميركيين أنفقوا قدراً أقل مما قدر في السابق خلال عامي 2009 و 2010 على نطاق عريض من الأشياء، بما في ذلك الطعام والملابس والحواسيب. وأظهرت عوائد الضرائب أن بمقدور الأميركيين أن يخفضوا من الإنفاق على القمار. ويبدو أن الركود قد أصبح الآن أكثر عمقاً، والانتعاش يبدو أقل إثارةً للإعجاب. ولا يزال الاقتصاد أصغر مما كان عليه في 2007.

وبالعودة إلى عام 1980، فقد بدأ الركود حين استحضرت الحكومة ndash; اليائسة من فشلها في خفض معدلات التضخم المرتفعة - الضوابط التي تهدف إلى الحد من التوسع في الائتمان وجعله أكثر كلفة بالنسبة للبنوك لكي تقدم قروض. وثبت أن تلك الضوابط أكثر فعالية بكثير عما كان يتوقع أي أحد، وهبط الاقتصاد على وجه السرعة. وفي تموز / يوليو، انتهت ضوابط الائتمان، وقرر مكتب البحوث الاقتصادية في وقت لاحق أن الركود انتهى هذا الشهر. وبحلول الربع الأول من عام 1981، كان الاقتصاد أكبر مما كان عليه في الذروة السابقة. لكن لم يُفعَل شيئاً يذكر بشأن التضخم، وصمم المجلس الاحتياطي الفيدرالي على ذبح ذلك التنين.

ومضت الصحيفة تؤكد عدم وجود ضمانات على أن موجة ركود جديدة قد بدأت أو ستبدأ عما قريب، وقالت إن تقرير الوظائف الإيجابي الصادر صباح اليوم الجمعة قد يتسبب في إحياء بعض التفاؤل. لكن بواعث قلق نمت مجدداً نتيجة لعدم حل المشكلات الأساسية التي أدت لنشوب موجة الركود التي اندلعت في الفترة بين عامي 2007 و2009، مثلما ظلت مستويات التضخم مرتفعة طوال فترة الانكماش التي حدثت عام 1980. وفي أي دورة أخرى، أدت الموجة الأخيرة من الأخبار الاقتصادية السيئة إلى دخول الساسة في منافسة مع بعضهم البعض لاقتراح برامج لإنعاش النمو.