تغصّ الساحات العامة في موسكو والقاهرة بالمحتجّين المطالبين بحكومات تمثيلية. ولكن شوارع مدريد ونيويورك وأثينا، التي أعطت العالم مفردة الديمقراطية نفسها أيضًا تمر بمشاعر سخط واستياء.


المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري

لندن: يبدو أن الرسالة الوحيدة، التي ما فتئت تتكرر... رسالة تقول إن قادة العالم يتخلفون عن الاستجابة لتطلعات مواطنيهم، وإن فايسبوك وتويتر وغيرهما من أدوات التواصل الاجتماعي تتيح للحشود أن تتراص وتتوحد متى ما شاءت لإحاطتهم علمًا بذلك.

وما هذه بالصورة الزاهية لرؤساء الدول أو الحكومات الأربعين، الذين يشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، بمن فيهم قادة لا يجمع بينهم شيء عمليًا، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي.

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أيان بريمر رئيس شركة يوريشيا غروب للاستشارات الخاصة بالمخاطر السياسية في نيويورك quot;إن ما تعلمناه في السنوات القليلة الماضية منذ حدوث الأزمة المالية، ومنذ مجيء الربيع العربي، أن الدول الهشّة ذات الرصيد السياسي والاقتصادي المحدود معرّضة بصفة خاصة لتضافر الركود الاقتصادي الشديد مع ثورة الاتصالاتquot;.

وأضاف بريمر، الذي ترأس في دافوس يوم الأربعاء ندوة حول الديمقراطية، quot;إن هذه الدول الهشّة ذات أشكال مختلفة، منها السلطوي ومنها الديمقراطيquot;.

وبحسب الجردة السنوية، التي أجرتها منظمة quot;بيت الحريةquot; في واشنطن فإن الديمقراطية أنهت العام الماضي بخسارة، وفق الأرقام الإحصائية المجردة.

وعددت المنظمة في تقريرها الجديد 12 دولة، حققت فيها الديمقراطية مكاسب، و26 دولة تراجع فيها مستوى الحرية. وفي الوقت نفسه سجلت ثورات الربيع العربي في مصر وتونس ودول أخرى في الشرق الأوسط تقدمًا على جبهة بناء الديمقراطية.

وقال نائب رئيس منظمة بيت الحرية للأبحاث آرتش بادنغتون quot;إن أحداث 2011 إيجابية أكثر منها سلبية بنظرنا، ونحن نرى أن الانتفاضة العربية تشكل ذلك النوع من الحدث التحويلي، الذي لا يختلف عن 1989 و1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي. فهذه منطقة من العالم كانت في منأى عن انتشار الحرية، وهي الآن في حراكquot;.

لا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل المجتمعات، التي ستنبثق من الغليان العربي. ولكن تفوق الديمقراطية الأميركية والأوروبية لا يبدو محسومًا، كما كان قبل عقد مضى. فالساحة السياسية في الولايات المتحدة مستقطبة، وثقة الأميركيين بالكونغرس متدنية، وأزمة المديونية في منطقة اليورو مستمرة، فيما يختصم الزعماء الأوروبيون بلا نهاية حول سبل حلها.

ويبدو أن أعدادًا كبيرة في بلدان عديدة ملت وضاقت ذرعًا بهذا الوضع. وحتى أركان النظام الرأسمالي نفسه باتت مهزوزة. وبدا أن كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يلتئم في دافوس سنويًا بتمويل من الشركات أساسًا، مستعد لإقامة خيمة في ساحة زاكوتي في نيويورك، التي انطلقت منها حركة quot;احتلوا وول ستريتquot;.

وقال شواب أخيرًا quot;إن الرأسمالية بشكلها الراهن لم تعد مناسبة للعالم من حولنا، ولم نتعظ من دروس الأزمة المالية في عام 2009quot;.

وفي مناطق عديدة من العالم، لم تعد العلاقة بين الديمقراطية والنمو الاقتصادي علاقة متينة، بل إن البعض من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم هي اقتصادات دول مثل الصين أو فيتنام، لا تنتخب قادتها، وتعتقل محتجيها.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لمراقبة حقوق الإنسان كينث روث إن مثال الصين يطعن في الفكرة القائلة إن الحكم الديمقراطي والنمو الاقتصادي يمضيان يدًا بيد. ولكن القادة الصينيين أيضًا لا يشعرون بالارتياح، بل يواجهون معارضة داخل حدودهم، وهم يراقبون التطورات الجارية في الشرق الأوسط بأعصاب متوترة، وكذلك القادة الروس.

وقال توماس كاروثرز نائب رئيس قسم الدراسات في مؤسسة كارنغي للسلام العالمي في واشنطن إن كراسي الزعماء المستبدين اهتزّت عندما سقط حكام في ثورات الربيع العربي، وبدأوا يفكرون أنه إذا رحل حكام أنظمة كانت تبدو عصية على التغيير فإن أي حاكم آخر يمكن أن يرحل بعد الآن.

وكان كاروثرز يتحدث لصحيفة نيويورك بالهاتف من بودابست، حيث يمارس التدريس في إحدى جامعاتها. والواقع أن المجر أصبحت مثالاً على هشاشة الديمقراطية حتى في وسط أوروبا.

ويواجه رئيس حكومتها فكتور أوربان الآن اتهامات باستخدام غالبيته البرلمانية لتكميم وسائل الإعلام، التي تنتقد حكومته، وإضعاف مؤسسات، مثل المحاكم والبنك المركزي، وتكريس هيمنة حزبه بإعادة كتابة الدستور.

وبدأ الاتحاد الأوروبي في مقاضاة المجر. وتعهد أوربان بتقديم تنازلات، لا سيما وأن بلده يحتاج مساعدة الاتحاد وصندوق النقد الدولي، لتفادي التخلف عن سداد ديونه.

لكن أوربان يبدو متشجعًا أيضًا من ضعف الاتحاد الأوروبي، الذي كشفت عنه أزمة الديون. كما حاولت أحزاب قومية في بلدان، مثل فرنسا وفنلندا وهولندا، استغلال أزمة الديون لمآرب سياسية. وقال روث من منظمة هيون رايتس ووتش، إن أوروبا تواجه خطر الإصابة بإعاقة إذا لم تتعامل بحسم مع التحدي الذي يواجه الديمقراطية.