أفاد استطلاع نشرت نتائجه الاثنين أن غالبية كبيرة من الألمان تعتبر، على عكس الفرنسيين، أن أوضاعهم المعيشية كانت ستكون أفضل بدون العملة الأوروبية الموحدة (اليورو).


أجري الاستطلاع على عينة من 1001 ألماني، و1004 فرنسيين، وألف بولندي

برلين: اعتبر 65% من الألمان أن معيشتهم كانت ستكون أفضل لو حافظت ألمانيا على عملتها quot;الماركquot; بدلاً من اعتماد اليورو.
بينما اعتبر 36% من الفرنسيين أن أوضاعهم المعيشية كانت ستكون أفضل لو بقي quot;الفرنكquot; عملتهم، بحسب دراسة نشرتها مؤسسة برتلسمان الألمانية.

كما اعتبر 49% من الألمان أن أحوالهم الشخصية كانت لتكون أفضل لو لم يتم إنشاء الاتحاد الأوروبي. ويشاركهم الرأي 34% من الفرنسيين. أما بالنسبة إلى البولنديين فإن 28% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن أوضاعهم كانت ستكون أفضل بدون الاتحاد الأوروبي.

واعتبر 37% من الألمان أن فرص العمل كانت ستصبح أكثر وفرة بدون الاتحاد الأوروبي، مقابل 35% من الفرنسيين، الذين يوافقونهم الرأي، و24% من البولنديين.

في المقابل يرى 69% من الألمان أن الاتحاد الأوروبي يشكل مثالاً يحتذى لبقية العالم، مقابل 56% من الفرنسيين، و59% من البولنديين.

وأجرت مؤسسة برتلسمان الدراسة عبر الهاتف على عينة من 1001 ألماني، و1004 فرنسيين، وألف بولندي بين 3 و8 تموز/يوليو 2012.

ألمانيا تعوِّم اليورو.. أو تقوِّضه خياران أحلاهما.. مُرّ!
رغم اعتراض الألمان على قرار البنك المركزي الأوروبي الأخير بشراء السندات الأوروبية، يبقى حل أزمة أوروبا إلى حد كبير بيد ألمانيا. لكن بقدر ما تستطيع ألمانيا أن تقود هذا الحل، بقدر ما يمكن أن تكون عقبة في وجهه. وقد يكون هذا ما يحصل بالفعل اليوم... على ألمانيا أن تقرر: إما قيادة الحل، أو الخروج من منطقة اليورو.

لا شك في أن للوحدة الأوروبية أبعادًا تتخطى الاقتصاد، بل هي نموذج لما يعرف بالمجتمعات المفتوحة. وهو اختبار حقيقي لقدرة هذه المجتمعات على تخطي اختلافاتها ومصالحها الفردية نحو الاندماج لرفع مستوى معيشتها. وبالتالي، فإن تفكك أوروبا قد ينسف هذه الفكرة.

الأهم من ذلك، أن اليورو الذي شكل الرباط الأول للوحدة الأوروبية، بات اليوم الخطر الرئيس لتفككها. لكن بذور هذا التفكك قد وجدت حقيقة حين لم تنجح الوحدة الأوروبية في تخطي إطارها النقدي، والتحول إلى وحدة مالية وسياسية. وفي الواقع، إن ما فعلته الأزمة هو أنها أظهرت هذا الانشقاق الهيكلي في أوروبا.

على الرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على الوحدة الأوروبية، فإن أوروبا تنقسم اليوم إلى معسكرين laquo;متناحرينraquo;: الأول يتشكل مما يعرف بدول المركز، وهي الدول الدائنة، وعلى رأسها ألمانيا، والثاني يتألف من دول الأطراف، أي الدول المستدينة. وما يزيد هذا الانقسام حدة هو الموقف الألماني، إذا بدلاً من أن تقود ألمانيا الحل، نراها اليوم طرفًا يريد فرض شروط لا تخدم الوحدة الأوروبية.

في الواقع، لم تغير هذه الأزمة من خطة الألمان وسياساتهم النقدية والمالية. فألمانيا تطالب دول الأطراف بإصلاحات مالية واقتصادية، وتفرض عليها خطط تقشف. وبالنظر إلى التاريخ القريب، نجد أن هاجس التضخم لطالما سيطر على سياسات البنك المركزي الألماني، ولم تستطع هذه الأزمة تغيير موقفه إطلاقا. ألمانيا تظن أن الإصلاحات التي استبقت بها الأزمة حين كانت الاقتصادات الأوروبية الأخرى تشهد نموا مطردا، والتي وضعتها في موقع أكثر تنفاسية مقارنة مع هذه الاقتصادات، من شأنها أن تنجح اليوم مع هذه الدول.

وما نجح مع ألمانيا في السابق ليس من الضرورة أن ينجح مع الدول المأزومة اليوم، وذلك لسبب بسيط، وهو أن هذه السياسات، في وقت الأزمات، من شأنها أن تفاقم من حالة الركود المخيمة على الاقتصادات الأوروبية. إذ عندما تنعكس الدورة الاقتصادية، تعكس معها أثر السياسات الاقتصادية ومدى فاعليتها. ومن شأن المطالب الألمانية أن تقوّض مساعي الدول المأزومة لتحفيز نمو اقتصاداتها.

على الرغم من ذلك، لا يمكن الشك بنية ألمانيا الحفاظ على الوحدة الأوروبية، لأن في هذه الوحدة، قبل أي شي آخر، مصلحتها. لكن التخوف في ظل هذا الانقسام هو أن تكون المصلحة الفردية (على المستويين الاقتصادي والسياسي) هي ما يحكم قرارات بعض صناع السياسة الألمان المتمسكين بهذه المطالب والشروط. لكن مع انقضاء الوقت، فإن أصابع اللوم على تفكك أوروبا ستلاحق المسؤولين الألمان يومًا بعد يوم. ولن تسلم ألمانيا بطبيعة الحال من تداعيات انهيار اليورو، لأنه سيتبعه انهيار للسوق المشتركة وللاتحاد الأوروبي برمته. وفي النهاية، ستكون أوروبا أسوأ حالا مما كانت عليه قبل الوحدة، لأن الثقة ستتبدد بين دولها.

ولذلك، فإن ألمانيا أمام خيارين: إما قيادة الحل واما ان تخرج هي من الاتحاد الأوروبي. الأول يأتي عبر تفعيل البرامج الرامية إلى تحفيز الاقتصادات المأزومة وعودتها إلى النمو، مثل تفعيل صندوق خفض المديونية، والأهم، التوقف عن فرض خطط تقشف على هذه الدول. ورغم ما قد يحمله ذلك من كلفة على ألمانيا.

قبل غيرها، فان هذه الكلفة ستنحصر في الأجل القصير، وستكون أشبه باستثمار في مستقبل الوحدة الأوروبية التي تخدم ألمانيا قبل غيرها.

وإن رأت ألمانيا أن لا تقود الحل الأوروبي، فعليها في المقابل أن تسهل مساعي الآخرين إلى إيجاد الحل، وذلك عبر خروجها هي من الوحدة الأوروبية. فالحديث يرتكز حاليا على تقليص الاتحاد عبر خروج الدول المأزومة منه. لكن الحل حقيقة قد يكون ببقاء هذه الدول في منظومة اليورو وخروج ألمانيا والدول الدائنة منه، لأن ذلك من شأنه أن يعزز من تنافسية الاقتصادات الضعيفة، أقله عبر انخفاض قيمة اليورو الذي سينعكس انخفاضا في قيمة مديونية هذه الدول المقومة بالعملة الأوروبية.

لا شك أن هذا الخيار سيكون مكلفا لألمانيا والدول المدينة الأخرى، وستعتمد هذه الكلفة على مدى تراجع قيمة اليورو. لكن بعد انتفاء أثر الصدمة التي من شأن هكذا خيار أن يحدثها في الأسواق، فقد تتحقق الرغبة أخيرًا في نظام صرف يتشارك الدائنون والمستدينون في استقراره، لأن من مصلحة الأطراف كافة ألا ينخفض اليورو كثيرًا. والأهم، أن الدول المأزومة ستخرج من أزمتها وستجد الدول الدائنة حينها شريكا أقوى للتعامل معه، ولو من دون سوق مشتركة.

الحل إذا يتوقف على ألمانيا: إما أن تقود الحل بالتخفيف من حدة شروطها لتحفيز النمو الاقتصادي لدول الأطراف، واما أن تخرج هي من اليورو لتتيح لهذه الدول أن تدبر شؤونها. لكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فإن ألمانيا والدول المأزومة ستغرق مجتمعة بوحول الأزمة المستمرة. ومهما اتخذ البنك المركزي الأوروبي من إجراءات، في ظل هذا الانقسام، فإنها لن تتعدى كونها أشبه بمسكنات تخفي الألم، ولا تقضي عليه.