القاهرة: قدم معهد بروكنغز الأمريكي مجموعة اقتراحات وتوصيات لصناع القرار في مصر وتونس لوضع البلدين على المسار الصحيح للتعافي الاقتصادي والتحول نحو الديمقراطية في أعقاب أحداث الربيع العربي التي طالت البلدين.وذكر المعهد، الذى يتخذ من واشنطن مقرا له، فى تقرير حديث له أن التجارب حول العالم تثبت أن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في شكلٍ ناجح يتطلب مشاورات وطنية واسعة ودرجة معينة من التوافق السياسي، حيث تسعى الحكومات لتقديم برامجها الاقتصادية في شكلٍ علني والوصول إلى الجماعات المعارضة في محاولة لبناء فهم مشترك للتحديات الاقتصادية وللتوصل إلى الحلول الممكنة. وقال بروكنغز إنه يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم هذا الجهد من خلال توفير المساعدة التقنية وبناء القدرات وتقديم أمثلة تجسد أفضل الممارسات الدولية.

ويعتمد شركاء التنمية عادةً على المنظمات غير الحكومية بوصفها وسيلة لتقديم أجزاء من هذه المساعدات، ويحتاج الدعم في هذا المجال إلى إطار قانوني مناسب لعمليات المنظمات غير الحكومية ndash; كتلك التي لا تزال غائبة في مصر.ويؤكد المعهد في تقريره الذى حصلت وكالة الأناضول على نسخة منه أن الأمن والاستقرار السياسي شرطان أساسيان مهمان لاستئناف النمو الاقتصادي، ولذلك ينبغي إيلاء إصلاحات القطاع الأمني وكذلك الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية (من خلال لجان الحقيقة والمصالحة على سبيل المثال) أولوية عالية.ويذكر التقرير الصادر مؤخرا أن هناك ثمة حاجة لبرامج الاستقرار الاقتصادي للحدّ من العجز في الحساب المالي والجاري، ووقف خسارة الاحتياطيات الدولية، كما أن تنفيذ هذه البرامج يُعد خطوة أساسية أولى لاستعادة ثقة المستثمرين وتمهيد الطريق لاستئناف النمو، ولذا لابدّ من تجنب العودة إلى أنماط نمو ماضية تستبعد شريحة واسعة من الناس.
ويعد النمو الشامل والعدالة الاجتماعية من المطالب الأساسية التي نادت بها الثورات في مصر وتونس، لذلك لابدّ أن يترافق الاستقرار الكلي مع تعزيز برامج شبكة الأمان الاجتماعي، ومحاولة تحسين مكافحة الفساد، وبرامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لاستحداث المزيد من الفرص الاقتصادية لا سيما للشباب حسب التقرير.
ويشير التقرير إلى أن الاستقرار الذي لا ترافقه تدابير للتخفيف من حدة التوتر الاجتماعي، وإجراءات تمهد الطريق لتحقيق النمو الشامل، لا يمكن أن يكون مقبولاً سياسياً.
ويرى التقرير أن الاستقرار الناجح يتطلب مستويات كافية من التمويل الأجنبي، ففي عام 2011، التزم المجتمع الدولي بتوفير التمويل للدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية من خلال شراكة دوفيل، ويبدو أن التنسيق بين الجهات المانحة أمر ضروري لضمان استمرار التمويل لدعم البرامج الاقتصادية الوطنية.وشراكة دوفيل هي جهد دولي أطلقته مجموعة دول الثمانية في اجتماع قادتها في دوفيل بفرنسا عام 2011 من أجل مساندة دول العالم العربي التي تمر بمرحلة تحول نحو إقامة lsquo;مجتمعات حرة وديمقراطية ومتسامحةrsquo;.
وفي قمة كامب ديفيد أقر زعماء مجموعة دول الثمان بالتقدم المهم الذي تحقق في عدد من الدول التي تمر بمرحلة تحول، وتعهدوا بمواصلة دعمهم لعمليات التحول تلك في 4 مجالات أساسية ذات أولوية، هي: تحقيق الاستقرار، وخلق الوظائف وفرص العمل، والمشاركة/الحكم الرشيد، والاندماج في الاقتصاد العالمي.
وحسب تقرير معهد بروكنغز الأمريكي فانه lsquo;ينبغي أن تشمل هذه الجهود التنسيقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ولابدّ أن تأخذ حكومات مصر وتونس زمام المبادرة في تحديد الأولويات التي تُعد ضرورية لنجاح التنسيق بين الجهات المانحة، وحين يصبح المزيد من التمويل متاحاً، يمكن أن تصبح برامج الاستقرار أكثر تدرجاً، وبالتالي أكثر قبولاً من الناحية السياسيةrsquo;.
ويطالب التقرير بضرورة توسيع شبكات الأمان الاجتماعي وجعلها أكثر توجهاً لحماية من يحتاج إليها بشدة، حيث أن هناك حاجة للابتعاد عن دعم الأسعار المعمم الذي يعود بالنفع في شكل غير متناسب على الأسر الميسورة، ونحو التحويلات النقدية المستهدفة واستخدام lsquo;البطاقات الذي تعتمده لدعم الوقود، وتحسين الحوكمة وجدوى الجهات الفاعلة الرئيسة المالية في قطاع الطاقة، واستبدال الدعم غير الموجه بنظام شبكة أمان اجتماعي فعال وموجه توجيهاً حسناً، وتوفير الحماية الفورية للفقراء والضعفاء.وشدد التقرير على ضرورة مكافحة الفساد لتحقيق النمو الشامل والعدالة الاجتماعية، مشيرا إلى أنه يمكن لمصر وتونس الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى، مثل إندونيسيا، التي وضعت نظماً ناجحة لمكافحة الفساد من خلال الاعتماد على الشراكة بين اللجان المناهضة للفساد التي ترعاها الحكومة، ووسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة .ويمكن لشركاء التنمية أيضاً تأدية دورٍ أكبر في بناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني أو العامة التي تركز على هذه المسألة.
وحسب تقرير معهد بروكنغز الأمريكي فإن منظمات على غرار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي موجودة لتقديم الدعم اللازم للمنظمات غير الحكومية والهيئات التشريعية والصحافة الحرة من دون اتهامها بالضرورة بالتدخل السياسي، حيث يمتلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خبرة هامة في مجال إدارة المالية العامة، وسياسات المشتريات، وإصلاحات الخدمة المدنية، في حين تنشط الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، والمفوضية الأوروبية، وكندا، والمملكة المتحدة أيضاً في هذا الميدان، بما في ذلك في تونس ومصر.ويدعو التقرير إلى الاهتمام بتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنه سيشجع الشركات غير الرسمية على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي في استحداث فرص عمل وتشجيع النمو الشامل والعدالة الاجتماعية.ويوضح أنه ينبغي اعتماد نهج ذي شقين: الأول هو ضرورة تبسيط الإطار القانوني والتنظيمي الذي يواجه الشركات الصغيرة، وذلك من خلال إصلاح الضرائب المفروضة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، والثاني ضرورة توسيع البرامج المحددة التي تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة lsquo;وخاصة تلك التي يديرها الشباب والنساءrsquo;. وينبغي أن تشمل هذه البرامج تقديم الدعم لنقل التكنولوجيا والدخول إلى الأسواق بالإضافة إلى الائتمان.
ويمكن أن تؤدي برامج التدريب المهني دوراً هاماً للمساعدة على معالجة بعض نقاط الضعف في نظم التعليم العربية.
ويعمل العديد من شركاء التنمية في هذا المجال ويخططون لتوسيع نطاق مشاركتهم. وينبغي أن تستند برامج التنمية في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الشراكات بين الحكومات التي تقدم التمويل ومنظمات المجتمع المدني التي توفر التدريب والقطاع الخاص المنظم لذي يوفر التكنولوجيا والأسواق.ويؤكد معهد بروكنغز الأمريكي أن معدل النمو في مصر وتونس يعتمد على عودة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتحسن السياحة، وزيادة الصادرات، ولذا يتعين على شركاء التنمية دعم البلدين لتحسين المناخ العام للاستثمار والسياحة والعمل على فتح أسواقهم أمام الصادرات المصرية والتونسية، كما يمكن للمجتمع الدولي تسهيل صادرات سلع هذه الدول، وخاصة بالنسبة للصناعات الميكانيكية والكهربائية ومواد البناء، من خلال التفاوض على اتفاقات الاعتراف المتبادل التي تقلل الحواجز التقنية التي تعيق التجارة.
كما يمكن أيضاً تحسين الوصول إلى الأسواق الزراعية من خلال إزالة الحواجز غير الجمركية المفروضة على التجارة الزراعية، وهذا يتطلب تدابير عديدة منها إلغاء نظام الحصص، الأسعار المرجعية، والقيود الموسمية، لا سيما بالنسبة لتصدير الفواكه والخضار وزيت الزيتون.ويذكر التقرير أنه توصل إلى هذه التوصيات من خلال عقد منتدى شارك فيه فريق عمل ضم اقتصاديين وناشطين سياسيين من مصر وتونس، فضلاً عن خبراء من الوكالات المانحة الثنائية والمتعددة الأطراف تناولوا الشؤون المصرية والتونسية. واتفق المشاركون في المنتدى على أن تدهور الظروف الاقتصادية يشكل خطراً على التحولات الديمقراطية في مصر وتونس.