ما زال نفط لبنان وغازه في أعماق الأبار غير المستكشفة، تحت البحر، تنتظر توافقًا طائفيًا لبنانيًا، وخطة حول تقاسم عائدات هذه الثروة. إلا أن المختصين في المسألة حذرون في تفاؤلهم، لأن لبنان واقع في منطقة نادرًا ما تعرف الاستقرار.


لندن: يسعى لبنان إلى إعمار اقتصاده المثقل بالديون، وتأهيل بنية تحتية متداعية، مراهنًا على استثمار ثروته من النفط والغاز في مياهه الاقليمية، متشجعًا بنجاح عمليات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل اسرائيل وقبرص. واعلن جبران باسيل، وزير الطاقة اللبناني، الشهر الماضي بدء جولة التراخيص الأولى لتنافس الشركات على عقود التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية. وتحدث عن عائدات بمليارات الدولارات يمكن أن تمول مشاريع كبرى، بما فيها شبكة لقطارات الانفاق تخترق بيروت، ومعامل تؤمن الكهرباء على مدار الساعة، وتعليم مجاني لسائر اللبنانيين.
ولاحظ مراقبون أن الوزير باسيل رسم صورة وردية جذابة لبلد بلا نقل عام يُذكر، ويصل انقطاع الكهرباء فيه إلى 20 ساعة بسبب اهتراء البنية التحتية. ولتكوين صورة عن تردي الوضع، فإن المنتدى الاقتصادي العالمي أدرج لبنان في العام 2012 في المركز الأخير، بين 144 بلدًا، من حيث نوعية إمداد الطاقة.

لا توحي بالثقة
لكن محللين حذروا من الافراط في التفاؤل الذي أوحى به وزير الطاقة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن علياء مبيض، كبيرة الاقتصاديين في بنك باركليز كابتال الاستثماري ـ الشرق الأوسط، قولها: quot;هناك عوامل متعددة لا توحي بالثقةquot;، مشيرةً إلى نظام الطائفية السياسية وغياب سلطة الدولة بصورة متزايدة وضعف التنسيق بين الوزارات الذي يمكن أن يجعل من الصعب تنفيذ مثل هذه المشاريع الطموحة. وهناك ايضًا خطر الاختلاس والتلاعب بأموال الدولة وعائداتها من الثروة النفطية والغازية. ومن العوامل الأخرى التي يمكن أن تعرقل هذه المشاريع النزاع بين لبنان واسرائيل على نحو 870 كيلومترًا مربعًا من المناطق البحرية الغنية بالمعادن، والحرب الأهلية السورية المستعرة على عتبة لبنان.
وكان لبنان بدأ التنقيب عن النفط في مياهه الاقليمية منذ الستينيات، لكن الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا حالت دون تطوير أي حقول. وفي حين أن الحكومة كانت تعرف بوجود موارد قبالة الساحل اللبناني منذ عقود، فإنها لم تبدأ الاهتمام بهذه الاحتياطات جديًا إلا في العام 2000. ومنذ ذلك الحين، تضافرت الصراعات السياسية والحرب المدمرة مع اسرائيل في العام 2006 وبقاء البلد فترات طويلة بلا حكومة على شل عملية صنع القرار في هذا الشأن.

تلكؤ لبناني
بدأ المسؤولون اللبنانيون يتحركون أخيرًا، بعد أن رأوا اسرائيل وقبرص تطوران احتياطاتهما من الغاز الطبيعي بخطوات متسارعة. وكان من المقرر تشكيل هيئة ادارة قطاع البترول، المسؤولة عن التفاوض بشأن عقود استثمار النفط والغاز، خلال العام الماضي، لكن المماحكات على تمثيل الطوائف اللبنانية المختلفة تسببت في تأخير ذلك. وفي النهاية، وُزعت مقاعد الهيئة الستة على ممثلي الطوائف الست الكبرى في لبنان.
ويأمل المسؤولون اللبنانيون البدء في الانتاج في العام 2016، لكن هذا الاطار الزمني يعني أن لبنان سيتلكأ وراء قبرص واسرائيل اللتين تشتركان في حوض واحد مع لبنان. فإن قبرص وقعت في الآونة الأخيرة عقودًا للتنقيب في مناطقها البحرية، وفي آذار (مارس) بدأت اسرائيل ضخ الغاز من حقل تمار، ورصدت ثلاثة مليارات دولار لاستثماره. كما تواصل اسرائيل، التي ما زالت رسميًا في حالة حرب مع لبنان، تطوير حقل ليفياثان الغازي العملاق، الذي يمكن أن يحولها إلى دولة مصدرة للطاقة.

احتياطات كبيرة
ينظر غالبية اللبنانيين بتفاؤل حذر إلى آفاق ثروتهم النفطية والغازية، لكن كثيرين يشكُّون في أن يتمكن باسيل من ترجمة الصورة الوردية التي رسمها لمستقبل لبنان على أرض الواقع، وهو الذي لم يتمكن من تحسين وضع الكهرباء حتى الآن.
ولاقت حملة العلاقات العامة التي اطلقها الوزير تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك اعلان يقترح على الوزارة أن ترتقي بمستوى احلامها وتستخدم موارد الطاقة لانتاج quot;مناقيش فاخرة بسمك السالمون المدخنquot; أو quot;استضافة دورة الالعاب الاولمبيةquot;.
ونفى باسيل افراطه في التفاؤل، قائلًا في مقابلة صحفية إنه من السابق لأوانه اعطاء أرقام دقيقة عن الكميات، quot;لكننا متأكدون من أننا نملك موارد نفطية ونملكها بكميات تجارية ضخمةquot;.
وقدرت شركة سبكترام البريطانية للمسح الجيولوجي أن تحت مياه لبنان الاقليمية 24 ترليون قدم مكعب من الغاز، و440 إلى 660 مليون برميل من النفط.
وإذا صحت هذه التقديرات، فان احتياطات لبنان من الغاز تضعه على مستوى واحد مع بوليفيا أو باكستان. وبالمقابل تُقدر احتياطات اسرائيل بنحو 35 ترليون قدم مكعب من الغاز. وتُقارن احتياطات لبنان النفطية مع احتياطات غانا الثابتة. لكن عائدات هذه الموارد يمكن أن تمارس تأثيرا بالغا على اقتصاد بلد صغير مثل لبنان، سكانه اربعة ملايين نسمة.

استهلاك أو تصدير؟
يتعذر تقدير ما سيحققه لبنان من عائدات بسبب تقلب اسعار الطاقة، وعوامل أخرى تتعلق بلبنان والمنطقة. كما أن أي حكومة لبنانية لم تتفق حتى الآن على إطار لتقاسم العائدات يحدد حصة لبنان.
ويمكن استخدام الانتاج في البداية للاستهلاك المحلي، بدلًا من التصدير، لا سيما أن لبنان يستورد الآن كل حاجته من المحروقات. وسيتيح الانتاج المحلي تحرير موارد مالية لاستثمارها في تحديث شبكة الكهرباء الوطنية، التي أُصيبت بأضرار جسيمة في الحرب الأهلية، لم يتمكن لبنان من اصلاحها بالكامل حتى الآن. وتنقطع الكهرباء 3 ساعات على الأقل يوميًا في وسط بيروت، وفترات أطول بكثير في مناطق عديدة من لبنان.
وإذا تمكن لبنان من تصدير بعض انتاجه من النفط والغاز، فبالامكان استخدام العائدات لتسديد جزء من دين لبنان العام، الذي يبلغ نحو 140 بالمئة من إجمالي ناتجه المحلي، ليكون بذلك الأعلى في العالم العربي، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
ويمكن تخصيص نسبة من عائدات النفط والغاز لصندوق سيادي يُستخدم لتمويل شبكة المترو والخدمات الاجتماعية الموعودة.