طفا مؤخرًا موضوع الثروات الطاقية والمحروقات إلى سطح الأحداث في تونس، إذ يتهم سياسيون ونشطاء الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها، بالتورّط في الفساد وعدم التعامل بشفافية في ما يتعلق بعقود الطاقة التي تسند إلى شركات أجنبية.


محمد بن رجب من تونس: قال خبراء في الطاقة والمناجم إنّ تجاوزات كثيرة تطال ثروات تونس، من خلال لوبيات وسماسرة يرتكبون سرقات في مجالات الطاقة والمناجم.

وصرح وزير الصناعة والطاقة والمناجم التونسي، كمال بن ناصر، مؤخرا، أنّ إنتاج تونس من النفط لا يتعدى 70 ألف برميل يوميا، مؤكدا أن بيع المحروقات في الجنوب تراجع إلى أكثر من النصف بسبب التهريب الذي يدرّ على أصحابه أكثر من 600 مليون دينار تونسي (400 مليون دولار).

وأكد وزير الصناعة لإحدى الإذاعات الخاصة أنّ quot;ربع الإحتياجات التونسية من المحروقات تصل السوق عبر طرق التهريبquot;، مضيفا أنّ وزارته quot;مستعدة للنظر في ما تم تداوله من معلومات عن وجود ملفات فساد كبرى في شركات النفط العاملة في تونسquot;.

ومؤخرا، بدأت وسائل الإعلام واحزاب سياسية تنادي بمزيد من الشفافية في ما يتعلق بصفقات الطاقة في تونس.

تجاوزات

وأكد رئيس لجنة الطاقة والقطاعات الانتاجية في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) محمد شفيق زرقين أنّ المعلومات المعلنة عن إنتاج تونس من النفط غير صحيحة، والسبب يعود إلى التجاوزات والمغالطات التي تعتمدها الشركات المستغلة لحقول النفط من خلال التهرب الضريبي.

واستغرب زرقين في حديثه لـquot;إيلافquot; طلب وزارة الصناعة والطاقة والمناجم للمجلس الوطني التأسيسي تمديد عقود شركات تعمل في حقول نفط تونسية برغم ارتكابها مخالفات وتجاوزات منذ عشرات السنين وقد أشارت إلى ذلك دائرة المحاسبات في تقريرها.

ورفضت لجنة الطاقة والقطاعات الإنتاجية في المجلس التأسيسي التمديد لرخصة البحث عن المحروقات quot;زاراتquot; العاملة في خليج قابس ويغطي الحقل نحو 800 ألف هكتار من خلال احتياطي قدره 362 مليون برميل من البترول و980 مليار متر مكعب من الغاز.

ملفات فساد

أشار رئيس لجنة الطاقة والقطاعات الانتاجية في المجلس التأسيسي، محمد شفيق زرقين، إلى وجود تجاوزات وخرق للقانون من خلال عمليات التمديد لبعض رخص التنقيب عن المحروقات، خاصة في مواقع quot;بريتش غازquot; وquot;برج الخضراء الجنوبيquot; وquot;الزاراتquot; وquot;أميلكارquot; وquot; فرانينغquot;.

وشدد على أنّ التمديد لرخصة شركة quot;بريتش غازquot; تم من طرف وزير الصناعة محمد أمين الشخاري خلال حكومة حمادي الجبالي (إسلامي)، مشيرا إلى عرض عدد من ملفات الفساد على لجنة الطاقة والقطاعات الإنتاجية في المجلس التأسيسي.

وقال إن النصوص التشريعية مثلت آلية للتشجيع على الفساد، مستشهدا بما جاء في قانون المحروقات الذي استثنى السلطة التشريعية من إبداء الرأي في عملية أخذ القرار في هذا القطاع.

وأكد زرقين أنّ السبب quot;يعود إلى غياب الشفافية في التصرف حتى يكون القرار بين يدي السلطة التنفيذية من ذلك أنّ الفصل 48 من قانون المحروقات يخوّل وزير الصناعة اتخاذ القرار المناسب في عملية منح الرخصquot;.

وتحدث زرقين عن غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة في هذا القطاع من ذلك الفصل 105 من نفس القانون والذي يُعنى بالإعفاءات الضريبية وما يتخلل ذلك من ضبابية وتجاوزات.

quot;زاراتquot; وquot;أميلكارquot;

أشار حسين بوصندل مستشار دائرة المحاسبات في تونس إلى وجود خروقات في عمليتي التمديد لكل من حقل quot;زاراتquot; وquot;أميلكارquot; لأكثر من عشرين سنة، فالتمديد لفترتين متتاليتين لهاتين الرخصتين لم يتوافق مع الإطار العام المنظم لهذا القطاع في مجال البحث عن الغاز الطبيعي، مؤكدا أنّ التمديد قبل الثورة كان يعتمد على الملاحق في خرق واضح للقانون.

اهدار الثروة

وتحدث بوصندل لـquot;إيلافquot; عن نوع آخر من التجاوزات وقال:quot;بلغ الإنتاج الوطني من الغاز الطبيعي 2.7 مليون طن سنة 2010 وبلغ كذلك حجم الغاز المحترق في حقول الإنتاج في 2010 ما نسبته 11% من الكميات المنتجة وهو ما من شأنه أن يلحق الضرر بالمحيط ويتسبب في اهدار جانب من الثروة الوطنية من الغاز وقد تبيّن أن أصحاب الإمتيازات لا يلتزمون دائما بالحلول الفنية المتفق عليها في إطار اللجان الفنية المشتركة والهادفة إلى تثمين الغاز وتفادي حرقه عبر إعادة حقنه بالحقول أو اعتماده لإنتاج الكهرباءquot;.

وتستخرج شركة quot;COTUSALquot; الفرنسية من الأراضي التونسية سنويا 800 ألف طن من الأملاح وتصدر منها 730 ألف طن وتستفيد من جميع المداخيل (150 مليون دولار) بعد أن تضاعفت أسعار الملح في العالم مرتين منذ 2006 بينما لا تجني تونس من هذه الثروة سوى استهلاكها المحلي الذي يمثل 10% من المنتوج الجملي.

صفقات غير شفافة

وتحدث الخبير في الطاقة رضا مأمون عن صفقات الفساد ومنها الصفقة التي كانت من نصيب شركة quot;بريتش غازquot; التي تشرف على حقل quot;ميسكارquot; وهو أكبر حقل غازي في سواحل محافظة صفاقس منذ أكثر من عشر سنوات، ويؤمّن نحو 50% من احتياجات تونس من الغاز الطبيعي مؤكدا أن تونس تشتري الغاز الذي تنتجه الأراضي التونسية بالأسعار المعروضة في الأسواق العالمية.

وطالب الحكومة بالتدخل لوضع حدّ لهذه الصفقة ومراجعة العقد الذي يربطها بهذه الشركة.

سماسرة !

وقال مأمون لـquot;إيلافquot; إنّ الشركة الوطنية للأنشطة البترولية تحولت إلى شركة سمسرة عوض أن تكون شركة إنتاج وبحث واستكشاف عن الطاقة والمحروقات.

وينتج حقل الغاز quot;ميسكارquot; على الضّفاف البحريّة لمحافظة صفاقس منذ سنة 1992 نحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطّبيعي يوميّا، ويغطّي نسبة 48 % من احتياجات السوق المحلية.

وتتكفّل شركة quot;بريتيش غازquot; بالتّنقيب واستخراج وبيع الغاز في هذا الحقل، دون أن يكون للطّرف التّونسي أيّ نسبة من محاصيل الإنتاج.

وتشتري الشّركة التونسيّة للكهرباء والغاز سنويّا كامل انتاج هذا الحقل من الغاز المستخرج من الأرض التّونسيّة مقابل 700 مليون دولار سنويّا يتمّ دفعها بالعملة الصعبة من المال العام.

تقرير دائرة المحاسبات

تضمن التقرير السابع والعشرون لدائرة المحاسبات والصادر في ديسمبر/كانون الأول 2013 ما يلي:

quot;تبيّن أنّ العقود المبرمة في مجال الأنشطة البترولية مع أصحاب الإمتيازات لا تتضمن أية صيغة تمكن الخزينة من الإستفادة من تطور الأسعار العالمية للمحروقات من خلال تحديد سعر مرجعي يتم عند بلوغه تطبيق صيغة لتقاسم الأرباح الصافية مما يستدعي تقييم الإطار القانوني الجاري العمل بهفي مجال الجباية البترولية بما يمكن من تطوير مردوديتها للتقليص من العجز المالي لقطاع الغازquot;.

وجاء كذلك ضمن عديد الخروقات والتجاوزات التي رصدتها دائرة المحاسبات quot;اتضح أنّ المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية لم تحقق أية أرباح من عملية quot;امتياز حقل الشرقيquot; حيث تولت اقتناء 49% من الإمتياز بقيمة اجمالية قدرها 30 مليون دولار وقامت في ما بعد ببيع 45% منه بمبلغ اجمالي قدره 27 مليون دولار مفرّطة بذلك في نسبة اكتشاف ثابت للغاز أي دون أن يتحمل المشتري مخاطر البحث مما كان يستدعي تحديد سعر البيع آخذافي الإعتبار المردودية المستقبلية للحقل quot;.

القطب القضائي

أكد المدير العام للطاقة في وزارة الصناعة رضا بوزوّادة وجود نصوص قانونية واتفاقيات بين الدولة التونسية والشركات البترولية تنظم العلاقة التعاقدية بين الطرفين، إلا أنّ بعض النصوص القانونية مفتوحة وهو ما يجعلها عرضة للتأويل وبالتالي فإن بعض الفصول في حاجة إلى التدقيق ومنها ما يتعلق بالتمديد للشركات.

وشدّد بوزوّادة لـquot;إيلافquot;على أنه يفضّل أن يجدد لشركة على أن يلغي رخصة ويبحث عن شركة جديدة للإستثمار مؤكدا مشاركته في كل المفاوضات وقد تم مدّ كل الإتفاقيات والعقود إلى القطب القضائي للتثبت إن كانت هناك خروقات أو تجاوزات.

وبخصوص ما تم تداوله داخل المجلس التأسيسي على أنه تجاوزات أشار بوزوادة الىأنها تخضع إلى اتفاقيات خاصة بها حيث تمّ تخيير أصحاب الرخص سارية المفعول من خلال القانون الذي سبق quot;مجلة المحروقاتquot; عام 1999 بين أن ينضووا تحت قوانين المجلة أو البقاء ضمن القانون السابق.

وأوضح أنّ الخلط في ما حدث بخصوص الرخص التي تمّ تمريرها إلى المجلس التأسيسي يتمثل في القول إنها مخالفة لمجلة المحروقات بينما هي لا تخضع لذلك.

قانون المحروقات

وقال المدير العام للطاقة إنّ المرسوم 53 الذي ينظم قطاع الطاقة والمناجم ثم تلاه قانون 85 الذي منح أحكاما خاصة بالمحروقات، ثم جاءت مجلة (قانون) المحروقات فتناولت مرسوم 53 وكذلك مرسوم 85 وما تضمنته الإتفاقيات السابقة ودمجتها في نص تشريعي وقانوني، وأصبحت الإتفاقية يصادق عليها بأمر لكن في ما يخص التمديد والتجديد والإلغاء والإنتزاع والخطايا والغرامة، تحوّل إلى الإتفاقية التي تحولت إلى صيغة تعاقد بين الدولة التونسية والشركات العاملة في القطاع.

وبيّن بوزوّادة أنّه تم تحويل كل الإتفاقيات والعقود وسندات الرخص في التطوير أو الإستغلال سارية المفعول حاليا وفي الفترة من 1961 إلى اليوم إلى القطب القضائي الذي لا يحتفظ حاليا سوى بثلاث قضايا يتم التحقيق بشأنها.