لم تجد اليونان& في عزلتها الأوروبية إلا روسيا وإيران المعزولتين أوروبيًا ايضًا كي تغازلهما لتسانداها في أزمتها الاقتصادية.
إعداد عبدالاله مجيد: بعد ثلاثة أسابيع فقط على زيارة رئيس الوزراء اليوناني الكسيس سيبراس الأولى إلى برلين، يتوجه الأربعاء إلى موسكو لاجراء محادثات في الكرملين، في أول لقاء رسمي يجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان من المقرر أن تجري الزيارة في أيار (مايو)، لكن سيبراس قدم موعدها لتكون قبل يوم على موعد تسديد قسط مستحق لصندوق النقد الدولي قيمته 450 مليون يورو. وبعد الرفض المتكرر الذي لاقته الحكومة اليسارية في اثينا من الاتحاد الاوروبي لبرنامج الاصلاح مقابل المال الذي قدمته، عمدت إلى مغازلة دول تعاني من العزلة والضائقة المالية، مثل روسيا وايران والصين.
وكانت بوادر تحالف جائز بين الحكومة اليسارية في اثينا والكرملين لاحت&للمرة الاولى&بعد فوز حزب سيريزا في الانتخابات، اواخر كانون الثاني (يناير) الماضي عندما سارعت الحكومة الجديدة إلى إدانة العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو.
أفق مسدود
وتعبيرًا عن العلاقات التاريخية بين البلدين تتزامن زيارة سيبراس لموسكو مع احتفال اليونان بذكرى حرب الاستقلال، عندما وقف القيصر الروسي الكسندر الأول مع اليونان لانهاء أربعة قرون من السيطرة العثمانية.
وكلما تضاءلت احتمالات تخفيف الشروط التي يفرضها المقرضون على اليونان زادت توجهاتها نحو تعزيز العلاقة مع روسيا. وجدد سيبراس عشية الزيارة إلى موسكو دعوته إلى رفع العقوبات الاوروبية وفتح قنوات دبلوماسية مع الكرملين.
وفي إشارة إلى استمرار التوتر بين اثينا وبروكسل، ندد سيبراس بأساليب الحرب الاقتصادية قائلًا إنها سياسة ذات أفق مسدود.
لكن العلاقات اليونانية ـ الروسية تتعدى موقفهما المشترك من ضغوط الاتحاد الاوروبي عليهما. فإن اعتماد اليونان على امدادات الطاقة الروسية تجعل موسكو أكبر شركائها التجاريين حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 10 مليارات دولار العام الماضي. لكن تلويح سيبراس ببديل روسي عن المساعدات التي يرفض الاتحاد الاوروبي تقديمها من دون التزام اثينا بالشروط المتفق عليها في اطار حزمة الانقاذ لا يستند إلى أساس واقعي.
مردود عكسي!
ونقلت صحيفة ديلي الغراف عن سايمون تيلفورد، نائب مدير مركز الاصلاح الاوروبي، قوله: "إن الروس يمكن أن يقدموا كميات صغيرة من المساعدات المالية، لكنهم ليسوا في وضع يتيح لهم تقديم اموال بالقدر الذي تحتاجه اليونان للبقاء في منطقة اليورو". واضاف: "هذه الأموال تفوق بكثير قدرة روسيا، التي لا يزيد حجم اقتصادها كثيرًا على حجم الاقتصاد الهولندي".
وحتى إذا حاولت موسكو استدراج اليونان إلى دائرة نفوذها، فإن مصاعبها المالية تعني انها لا تمتلك الامكانات المطلوبة لإغراء اثينا. وقللت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل من أهمية زيارة سيبراس لروسيا حين قالت خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أخيرًا: "نحن ايضًا كنا في موسكو، وما زلنا اعضاء في الاتحاد الاوروبي ونقف موحدين".
وقال تيلفورد إن زيارة سيبراس إلى موسكو قد تكون ذات مردود عكسي، مشيراً إلى أن التقارب مع روسيا سيزيد من صعوبة المهمة على اولئك الذين يريدون من الالمان أن يكونوا أكثر تساهلًا مع اليونان.
مغازلة الصينيين
كانت اليونان تحاول منذ فترة طويلة تشجيع الاستثمارات الصينية في بنيتها التحتية المتداعية. وفي عام 2009 سيطرت شركة كوسكو الصينية على ثلث ميناء بيرايوس، أكبر موانئ اليونان. وبعد الاعتراضات التي اثارها القرار في حينه، فإن الوجود الاقتصادي الصيني في اليونان يحظى اليوم بترحيب واسع في اعقاب سلسلة من عمليات الخصخصة الفاشلة التي قامت بها الحكومات السابقة.
وسافر نائب رئيس الوزراء اليوناني ووزير الخارجية نيكوس كوتزياس في آذار (مارس) إلى بكين، حيث دعا شركة كوسكو إلى التنافس للسيطرة على ثلثي ميناء بيرايوس اللذين ما زالا بيد الدولة. ويبدو أن الدعوة وقعت على آذان صاغية في الصين. وفيما كانت اثينا تبحث عن مشترين لسنداتها قصيرة الأجل بادرت بكين إلى استثمار 100 مليون يورو في سندات الخزينة اليونانية كبادرة حسن نية.
وحتى مع ايران
إزاء تفاقم مشكلة السيولة النقدية مع كل يوم يمر في اليونان، سرت تكهنات بتوجه اثينا إلى مصدر غير متوقع على الاطلاق لطلب النجدة. وأطلق أحدث هذه التكهنات رئيس الوزراء السابق انتونيس ساماراس الذي اتهم سيبراس بارسال ابن أخيه إلى ايران ليطلب من حكومة طهران شراء سندات يونانية.
ونقلت ديلي تلغراف عن ساماراس زعيم حزب الديمقراطية الجديدة قوله: "حين تكون في اوروبا وتطلب من الصينيين والايرانيين والروس تمويل عجزك انما ترسل إشارة إلى باقي اوروبا بأنك في الحقيقة لست مع الاتحاد الاوروبي بصورة جادة".
ولا يتضمن برنامج الحكومة اليونانية القيام بزيارة رسمية إلى ايران حتى الآن، لكن البحث عن مشترين لسنداتها مستمر. وكان البنك المركزي الاوروبي منع البنوك الوطنية من زيادة ما لديها من سندات حكومية وهو موقف دفع اثينا إلى البحث عن مستثمرين آخرين مستعدين لشراء سنداتها.
ومع اقتراب ساعة الحسم يأمل الطرفان بإيجاد صيغة مقبولة لهما قبل أن يعود سيبراس إلى موسكو في ايار (مايو) لحضور احتفالات موسكو بالانتصار على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
التعليقات