عبّر 64% من قراء "إيلاف" عن إيمانهم بقوة الاتحاد الأوروبي وقدرته على تجاوز القطوع اليوناني، إلا أن للخبراء والمراقبين آراء أخرى أقل تفاؤلًا.

بيروت: الكباش الأوروبي – اليوناني انتهى اليوم إلى رفض الشعب اليوناني الرضوخ لسياسة شد الحزام، التي يفرضها عليه الدائنون المستاؤون من رؤية أموالهم تذهب أدراج الرياح، بعدما رصدوها في حزم لإنقاذ أثينا من كبوتها الاقتصادية المتفاقمة. فقد رفع اليونانيون في استفتاء الأحد "لا" قوية في وجه الاتحاد الأوروبي، منساقين وراء رئيس حكومتهم الكسيس تسيبراس المصرّ على التفاوض مع الدائنين من موقع قوته الشعبية، رغم ضعفه الاقتصادي.&
&
تفاؤل... ولكن!
الـ "لا" المدوية في أثينا تضع اليونان على حافة الخروج النهائي من منطقة اليورو، في قرار صعب قد يتخذه قادة الاتحاد الأوروبي، رغم أنه يمثل ضياع أموالهم إلى الأبد، بلا أمل استرجاعها. لكن تداعيات الـ"غريكزيت" هذا لا تنحصر على اليونان وحدها، بل تنسحب أيضًا على كامل منطقة اليورو المأزومة، ولو كان غالبية قراء "إيلاف" يرون أن الاتحاد الأوروبي جبل لا تهزه الريح اليونانية.&
فـ"إيلاف" سألت: "هل يصمد الاتحاد الأوروبي في وجه العاصفة اليونانية؟".. شارك 1241 قارئاً في هذا الاستفتاء، فأجاب 797 منهم بـ"نعم"، أي بنسبة 64 في المئة من الأصوات، بينما قال 444 قارئاً إن الاتحاد لن يصمد، بنسبة 36 في المئة من الأصوات.
&
التفاؤل سيد الموقف، أوروبيًا طبعًا. فقرّاء "إيلاف" يثقون بصلابة الاتحاد الأوروبي وعملته الموحدة، ومتأكدون من أن أزمة اليونان ستكون غمامة صيف، ولو أمطرت سيولًا. لكن قراءة واقعية للأزمة تتجاوز أمنيات 64 في المئة من قراء "إيلاف"، تقول إن ذلك أكثر من غمامة صيف، خصوصًا على ألمانيا وفرنسا، إذ ذهبت المليارات من اليورو لإنقاذ اليونان من جيوب المصارف الألمانية والفرنسية. فالمصارف الألمانية تمتلك ديوناً ائتمانية لدى اليونان تقدر بـ 23,5 مليار يورو، والنصيب الأكبر من الديون الألمانية لدى اليونان يعود إلى بنك التنمية الألماني الحكومي "كيه إف دبليو"، الذي يمتلك 15 مليار يورو من الديون لدى أثينا. وأفاد "كومرتس بنك" الألماني أنه يمتلك 400 مليون يورو من الديون لدى اليونان بنهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، في حين تبلغ حصة "دويتشه بنك" نحو 298 مليون يورو من الديون العامة والبنكية والمؤسسية في أثينا. في المقابل، تغطي المصارف الفرنسية زهاء 40 في المئة من ديون أثينا.
&
مأزق العجز
التفاؤل سيد الموقف، هذا صحيح، لكن &أزمة اليونان المالية – باعتراف خبراء إقتصاديين مختلفي المشارب – هي واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، حتى أن الأزمة المالية العالمية في العام 2008 كانت أقل إقلاقًا لأوروبا الموحدة من أزمة اليونان.
ليست المسألة هنا في تأثير الناتج المحلي اليوناني بمجمل الناتج المحلي لمنطقة اليورو، إذ لا يتجاوز هذا ثلاثة في المئة، إنما السر في عجز ميزانية اليونان، التي وصلت إلى 12,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا رقم هائل هو أكثر من أربعة أضعاف السقف المسموح به في دول اليورو، مع عجز يصل إلى 300 مليار يورو.&
تغطية هذا العجز أمر إشكالي فعلًا بالنسبة إلى الأوروبيين، كيما يؤثر في تركيبة منطقة اليورو الاقتصادية.
والتشدد الأوروبي حيال اليونان مبرر لدى الكثير من الخبراء، بصرف النظر عن مآلات الأزمة، أو عما يقال عن "غيركزيت" الكارثية على أثينا. حتى أن ثمة من طالب بتشديد التعامل مع اليونان، للتحكم في تأثير العجز خلال السنوات المقبلة، إن بقي اليونان عضوًا في منطقة اليورو، ولخفضه إلى ما دون السقف المسموح به في منطقة اليورو، أي ثلاثة في المئة من ناتج اليونان المحلي الإجمالي.
&
خوف العدوى
يخاف المراقبون كثيرًا على التكتل الأوروبي من عدوى التسيّب في سداد الديون السيادية، ومن انتشار "متلازمة اليونان" لتطال دولًا أخرى تعاني عجزًا متفاقمًا في ميزانياتها، كإسبانيا والبرتغال مثلًا لا حصرًا. لذا، موقف الاتحاد الأوروبي اليوم حرج فعليًا. فمزيد من التدخل المالي بحزم إنقاذية لأثينا كي تفي بالتزاماتها سيدفع إسبانيا والبرتغال وغيرهما إلى أن تحذو حذو اليونان في سياسة "خذ وطالب"، ما يزيد الأعباء على دول أخرى داخل الاتحاد. ويذكّر المراقبون بأن ثمة دولاً انضمت حديثًا إلى الاتحاد الأوروبي وتعاني اقتصاداتها من مشكلات مرشحة للتفاقم، في ظل التوقعات باستمرار تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لفترة أطول، والمثل اليوناني حينها سيكون في رأس أولوياتها.&
لذا، يقف قادة منطقة اليورو، وخصوصًا الألمان باقتصادهم الأقوى أوروبيًا، والفرنسيون بتأثيرهم الأقوى سياسيًا، على حد السيف. فالمخاطر كبيرة جدًا على الاتحاد الأوروبي إذا لم تتخذ قرارات حاسمة لمعالجة الأزمة اليونانية، وتحديدًا اليوم رغم ما أظهره اليونانيون من كراهيتهم الصريحة للتدابير التقشفية القاسية التي يريد الدائنون فرضها عليهم مقابل إنقاذ اقتصادهم المنهار. فغالبية الديون اليونانية، كما أسلفنا، عائدة لألمانيا وفرنسا، وهما من ستتحملان وزر حزمة إنقاذية جديدة. وهنا يسأل الخبراء: "هل سيقبل المواطنون الفرنسيون والألمان أن تذهب نقود الضرائب المقتطعة من رواتبهم لمساعدة مواطنين يونانيين لا يريدون حتى إصلاح اقتصادهم وتقنين إنفاقهم؟"، إنها المسألة الحقيقية التي ستهدد مستقبل هذا الاتحاد.

السيناريو القاتم
من الخبراء من يرسم سيناريو قاتمًا للاتحاد الأوروبي إذا خرجت اليونان، إذ يعني هذا الخروج في عرفهم تقلصًا للاتحاد، خصوصًا إذا سرت العدوى كما أشرنا. فخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي ومن منطقة اليورو قد يجرّ خروج دول أخرى، وقد يصيب اليورو بتراجع كبير، ما يؤثر على مستوى معيشة الدول الأوروبية، ويتراجع مع ذلك إجمالي الناتج الأوروبي ومساهمته في الاقتصاد العالمي، ويتقلص الاعتماد على اليورو وسيلة دفع في التجارة الدولية، بعدما كانت ثانية خلف الدولار.
هذه التداعيات ستضغط أكثر على اقتصادات دول الجنوب الأوروبي، كالبرتغال وإسبانيا، وعلى اقتصادات دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثًا إلى الاتحاد، ثم على إيطاليا وفرنسا، خصوصًا أنّ سويسرا وبريطانيا وبعض الدول الأسكندنافية لم تكن يومًا جزءًا من مسيرة الاتحاد الأوروبي، ما يضغط أكثر على الاقتصاد الألماني، وهو قاطرة الاقتصاد الأوروبي باعتراف الخبراء الأوروبيين جميعًا.
وفي ما يمكن وصفه ببعض المغالاة في التحليل الاقتصادي، رغم إمكان حدوثه، يقول بعض المراقبين المعارضين لأي حزمة إنقاذ لليونان إن نسب النمو الألماني بدأت بالانخفاض، متأثرة برواسب الأزمة الاقتصادية العالمية، وبتداعيات أزمة اليونان، والمزيد من الضغوط قد تقود الشعب الألماني إلى رفض دفع كلفة أزمات أوروبا من جيبه الخاص، وبالتالي مطالبة الألمان مستشارتهم أنجيلا ميركل خروج ألمانيا نفسها من الاتحاد، فيتفكك إلى غير رجعة.&
&