تفاعل المهتمون بالشأن الاقتصادي مع خبر توجّه "ارامكو" السعودية إلى طرح جزء من اسهمها للاكتتاب في السوق، وأكد كثيرون أنّ هذا التوجّه، يمثّل إحدى قنوات تمويل "برنامج التحوّل الاقتصادي" الذي أعلنت عنه السعودية بداية العام الجديد، كما أنه قرار سينعش سوق الأسهم في الرياض.


إيلاف - متابعة: بدأت تأكيدات شركة "ارامكو" التي تملكها الحكومة السعودية بأنها تدرس طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، تسيل الكثير من الحبر داخل المملكة وخارجها.

وقال خبراء اقتصاديون إن طرح "أرامكو" سيكون مرتكزاً أساسياً لتطوير سوق الأسهم السعودية، وتوفير تمويل تتطلبه مرحلة التحول الوطني للاقتصاد السعودي، وهي مرحلة أعلنت السعودية البدء في الانتقال اليها مطلع العام الجاري.

نحو الاكتتاب العام

جاء في بيان شركة "أرامكو" انها بدأت منذ فترة "بدراسة عدة خيارات لإتاحة الفرصة، عبر الاكتتاب العام في السوق المالية".

وقالت انها تدرس خيار اتاحة فرصة الاكتتاب "أمام شريحة واسعة من المستثمرين لتملك حصة مناسبة من أصولها مباشرة أو من خلال طرح حزمة كبيرة من مشاريعها للاكتتاب في عدة قطاعات، وبالذات قطاع التكرير والكيميائيات".

واوضحت الشركة ان هذه المقترحات "تأتي في سياق برنامج التحول الوطني الطموح الذي تنتهجه المملكة، والمتضمن إصلاحات شاملة بما في ذلك خصخصة قطاعات مختلفة من نشاطات المملكة الاقتصادية وتحرير للأسواق، وهو توجه حكيم تدعمه أرامكو السعودية بكل حماس".

ويأتي هذا التأكيد بعد ان نشرت اسبوعية "ذي ايكونوميست" مقابلة مع ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قال فيها انه تجري حاليا دراسة طرح حصة من اسهم الشركة في السوق.

وقالت الشركة في بيانها انه "متى ما تم الانتهاء من دراسة الخيارات المتاحة بالتفصيل سيتم عرض نتائج الدراسة على مجلس إدارة الشركة، والذي بدوره سيقوم برفع توصياته إلى المجلس الأعلى للشركة الذي سيتخذ القرار النهائي حول هذا الموضوع".

تراجع النفط

تدير ارامكو تقريبا مجمل الموارد الهائلة للسعودية من المحروقات وهي تعد من اكبر شركات النفط العالمية.

ويأتي هذا الاعلان مع تراجع كبير لسعر النفط على خلفية وفرة في العرض ووسط اجواء تنافس بين السعودية وايران في منطقة الخليج فضلا عن ازمة دبلوماسية بين البلدين على خلفية اعدام الرياض اخيرا رجلا دينيا شيعيا.

ويؤثر هذا التراجع بشدة&في السعودية، اكبر منتج ومصدر للنفط الخام في العالم، والتي سجلت في 2015 عجزا قياسيا في الميزانية بلغ 98 مليار دولار (90 مليار يورو)، كما يتوقع ان تسجل عجزا قيمته 87 مليار دولار هذا العام مع انخفاض سعر برميل النفط الى 34 دولارا بعد ان بلغ اكثر من 100 دولار مطلع 2014.

وأجبرت الرياض على إعلان خطة تقشف اشتملت على رفع اسعار المحروقات والكهرباء والماء وغيرها.

ترتيبات ضرورية

يقول رئيس مركز جواثا الاستشاري، الدكتور إحسان بوحليقة، إن "أرامكو شركة هائلة، وطرحها يتطلب ترتيبات منوعة، ولا يبدو أن امتياز الاستخراج سيكون ضمن الطرح، فما تحت الأرض للحكومة، ويستغل بشروط وبمقابل مالي، وهذه تفاصيل غير متاحة حالياً".

وأضاف بوحليقة لـ"العربية نت" أن طرحا بهذه الضخامة يشمل نقاطا كثيرة، منها: استخدام حصيلة الطرح، ودور الحكومة لاحقاً وكيف ستمارسه، هل من خلال سهم ذهبي أم خلافاً لذلك؟ ومستوى الحوكمة والشفافية، فضلاً عن أنه في حال إقرار طرح أرامكو في اكتتاب عام فذلك سيعني نهاية عهد شركة النفط الحكومية، وستصبح أرامكو إحدى شركات النفط التجارية الساعية للربح مثل موبيل وبرتش بتروليوم، بل قد يسمح لها ذلك بالتحرر من كونها شركة محصورة في قالب محلي إلى منافسة تلك الشركات عالمياً.

ويرى بوحليقة أنه ‏بفَرض أن قيمة أرامكو 7 تريليونات دولار، فإنه يكفي طرح 1‎%‎ لتغطية عجز 2016، على سبيل التقريب.

‏وتصل قيمة إكسون موبيل إلى حوالى 300 مليار دولار، وهي تملك عُشر ما تحت يد شركة أرامكو من احتياطيات مؤكدة.

‏وأشار إلى أن امتياز الاستخراج لا يباع، فبيعه يعني عملياً بيع الاحتياطي برمته.

عجز الميزانية

يقول خبراء إنّ عملية بيع للأسهم في الأمد القصير ستغطي جزءا كبيرا من عجز الميزانية السعودية الناتج من هبوط أسعار النفط. وبلغ إجمالي العجز نحو 100 مليار دولار العام الماضي.

وربما يؤدي طرح أسهم أرامكو إلى زيادة اهتمام المستثمرين الأجانب بسوق الأسهم السعودية لكن حجم الأسهم قد يؤثر في البداية بشدة على السوق التي تبلغ قيمتها الرأسمالية 384 مليار دولار.

التحول الوطني

لفت بوحليقة في حديثه لـ"العربية نت" إلى أنه فيما يبدو فإن فكرة طرح أرامكو هي إحدى قنوات تمويل برنامج تحول الوطني، وفي حال صحة ذلك، تأتي الحاجة لتعريف البرنامج: هل للتحول أم للخصخصة؟ فالتحول أشمل وأعم، ويسعى إلى رفع الإنتاجية عبر تحويل المواطنين السعوديين لمهن أعلى إنتاجية ولأنشطة اقتصادية أعلى عائداً، ويفترض أن يؤدي ذلك إلى مكافحة الفقر والبطالة، ويتطلب مخرجات تعليم وتدريب وتأهيل منافسة عالمياً وليس فقط إقليمياً.

‏ولفت بوحليقة إلى أن السوق المالية السعودية يجب أن تمثل مرتكزاً لبرنامجي الخصخصة والتحول، فهل سوقنا المالية قادرة؟ وهل هي جاهزة للنهوض بذلك الدور؟ إذ يكمن الجدل حول أن القضية ليست إجراءات ورقية بل صلات السوق المالية، وجسورها مع الاقتصاد السعودي وسياساته وتطور أنشطته واحتياجاتها التمويلية.
وأكد بوحليقة أن أرامكو "دانة" الاقتصاد السعودي، لكن الرهان الأساس يتمحور حول نجاح برنامج التحول الوطني في رفع مستوى معيشة المواطن، سواء طرحت أرامكو للاكتتاب العام أم لم تطرح.

في صالح السوق المالية

من جهته، قال الكاتب الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين لـ "العربية نت": "منذ أن بدأت هيئة السوق المالية وهي تسعى جاهدة لتحقيق عمق السوق الذي لا يمكن بلوغه إلا من خلال زيادة الشركات المدرجة ذات الحجم المالي الضخم؛ وهو هدف لم يتحقق كما خطط له؛ فالتوسع في الطرح ومن ثم الإدراج تركز على شركات ضعيفة لا يمكن أن تحقق الدعم الأمثل للسوق؛ ولا الفرص الاستثمارية المربحة للمواطنين. وإذا ما استثنينا طرح البنك الأهلي الأخير؛ لا نجد في الشركات البعد الاستثماري الجيد".

وأضاف: "من هنا أعتقد أن التفكير في طرح جزء من "أرامكو السعودية" إذا ما تحقق، فسوف يكون من الطروحات النوعية الداعمة للسوق والاستثمارات المتميزة للمواطنين. ولكن يجب أن نوضح أن شركة أرامكو هي الشركة المعنية بعمليات استخراج النفط، لا النفط نفسه، الذي يعتبر ملكا للدولة، إضافة إلى ما تملكه من استثمارات في شركاتها البتروكيماوية التابعة ومنها صدارة وساتورب وغيرها من الشركات الأخرى. إذا نحن نتحدث عن وحدات تابعة لأرامكو مرتبطة بشكل أكبر بالعمليات التشغيلية، إضافة إلى الاستثمارات المباشرة المتمثلة في الشركات التابعة لأرامكو السعودية أو التي تشارك في رأسمالها حاليا".

وأشار البوعينين إلى أن الأمير محمد بن سلمان أجاب حول إمكانية بيع جزء من أرامكو بقوله: "هذه الفكرة قيد المراجعة"، وأبدى تحمسه للخطوة؛ وركز كثيرا على ثلاثة جوانب وهي دعم السوق؛ والشفافية؛ ومكافحة الفساد، وهي أمور يمكن للطرح العام أن يحققها بسهولة؛ حيث تصبح البيانات المالية وكل ما يتعلق بالشركة متاحا للمساهمين؛ الجمعية العمومية؛ إضافة إلى الجهات الرقابية في سوق المال. بمعنى آخر لن تتمتع أرامكو السعودية بحصانة معلوماتية كما هي عليه اليوم. المعروف أن توسع الشركات وكبر حجمها يتسبب بسلبيات في جانب الشفافية ومكافحة الفساد؛ خاصة في مرحلة الترهل الإداري؛ وعلى الرغم من كفاءة أرامكو؛ إلا أن التعامل معها وفق المعايير العالمية سيحقق الأهداف المرجوة".

ويرى البوعينين أن الشكل الأمثل للطرح ربما يرتبط أولا بالشركات التابعة لأرامكو السعودية؛ وهي شركات ضخمة متخصصة في إنتاج البتروكيماويات والمشتقات النفطية؛ يحتاج طرحها إلى جدولة خاصة، وبما يساعد على دعم السوق وإتاحة الفرص الاستثمارية للجميع وبخاصة صغار المستثمرين الذين ربما تؤثر الطروحات المتتالية ذات الحجم الضخم على قدرتهم في توفير الأموال المناسبة للاستثمار في الطروحات الأولية".
وأشار إلى أنه "عندما نتحدث عن أرامكو وشركاتها التابعة، فنحن نتحدث عن استثمارات من الدرجة الأولى، لذا يجب أن يكون تفكير الحكومة منصبا على استفادة جميع المواطنين منها؛ لا ذوي الملاءة من رجال المال والأعمال".

وتابع: "في مرحلة متأخرة، يمكن طرح جزء من أسهم أرامكو الأم في السوق، وربما انتهجت الحكومة في تلك المرحلة التخصيص التفضيلي في الطرح؛ وأعني أن تركز على التأمينات الاجتماعية؛ ومعاشات التقاعد؛ والاستثمارات العامة كمستثمرين رئيسين في الطروحات المستهدفة؛ وهذا لا يعني التقاص بين الحكومة وصناديق مؤسساتها الأخرى؛ ولكن يعني دعم المؤسسات المعنية بتوفير معاشات التقاعد للمواطنين أنفسهم، والمؤسسة المعنية بتنمية أموال الدولة لمصلحة المواطنين والأجيال القادمة، إضافة إلى طرح حصة محدودة للعامة".

&