دور محوري للمصارف في تفادي الأزمات المالية

إعداد عبد الإله مجيد: كانت السنوات السبع الماضية فترة استثنائية في عمل البنوك المركزية. فهي لم تخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، بل وإلى أقل من الصفر كما فعل البنك المركزي الياباني مثلا، في البلدان المتطورة فحسب، بل أقدمت لأول مرة في تاريخها على توسيع دائرة اختصاصها بشراء سندات حكومية وغيرها من الأرصدة الأخرى. ويتفق أغلبية الاقتصاديين على أن إجراءات جذرية كانت مطلوبة في أعقاب الأزمة المالية 2007-2008 لتفادي تكرار ما حدث اواخر عشرينيات القرن الماضي، أو ما يعرف بـ"الركود العظيم".&

&

&

لكن حجم مثل هذا الحافز النقدي وطبيعة أمده الطويل أصبحا الآن مبعث قلق لخبراء اقتصاديين يتساءلون عما إذا أقدمت البنوك المركزية على تشويه الاقتصاد بصورة دائمة.&

&

كان محمد العريان، الخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي والرئيس السابق لمجموعة بيمكو لإدارة صناديق السندات، آخر من دقّ نواقيس الخطر في هذا الشأن. ويرى أن البنوك المركزية تجنبت حدوث معاناة انسانية هائلة، "لكنها اخفقت في توليد ما يحتاجه العالم الغربي حقًا، وهو الجمع بين النمو الدائم والشامل بمعدلات عالية والاستقرار المالي الحقيقي"، وذلك في كتابه "اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية وانعدام الاستقرار وتفادي الانهيار المقبل"، The Only Game in Town: Central Banks, Instability and Avoiding the Next Collapse، الذي راجعته مجلة "إيكونوميست".

&

كما اصبح السياسيون يعتمدون على البنوك المركزية في توفير المصدر الرئيس لتحفيز الاقتصاد، كما يقول العريان، مؤكدًا أنهم فشلوا في تنفيذ اصلاحات هناك حاجة ماسة اليها بسبب هذا الاعتماد، وأن الفترة المديدة من السياسة النقدية السهلة رفعت أسعار الأرصدة وزادت بذلك نسبة اللامساواة في توزيع الثروة.

&

كما ترتب عن ذلك أن الاستعداد للاقدام على مخاطر مالية (بعبارة أخرى، المضاربة في السوق) هو الآن أكبر من رغبة الشركات في الاقدام على مخاطر بزيادة الاستثمار.&

&

&

من المشكلات الأخرى الذي يتحدث عنها العريان في كتابه البطالة طويلة الأمد بمعدلات مرتفعة وفقدان الثقة بالحكومات وعدم تنسيق السياسة الاقتصادية. ويذهب العريان إلى أن الاقتصاد العالمي يقترب بسرعة من مفترق طرق باتجاهات متعاكسة، طريق يؤدي إلى ارتفاع معدلات النمو وخفض المخاطر المالية وتخفيف اللامساواة، وطريق يقود كل هذه الاجراءات في الاتجاه الخطأ.&

&

وتشيد مجلة إيكونوميست بدقة العريان في تشخيص المشكلات واقتراح جملة اجراءات ضرورية لحلها، بينها تجديد نظام التعليم وتعزيز البنية التحتية وتحسين القدرة التنافسية لسوق العمل ومرونتها وردم الثغرات الضريبية وزيادة معدلات الضريبة الحدية على الأغنياء للتخفيف من اللامساواة. يقول: "المطلوب مزيد من التفاصيل وليس الاكتفاء بعناوين هذه الاجراءات. فان تطوير نظام التعليم مثلا فكرة جيدة لكنه يحتاج إلى عقود قبل أن يؤثر اطفال مدارس اليوم في انتاجية العمل".&

&

كما يدعو العريان في كتابه إلى تفكير جديد للتعامل مع مفترق الطرق المؤدي إلى اتجاهات متعاكسة. وتقول مجلة إيكونوميست إن العريان مصيب في دعوته ارباب العمل إلى اعتماد التنوع في تشغيل الأيدي العاملة، وإن كان هذا موضوعًا لا ينتمي إلى كتاب عن البنوك المركزية.&

&

وكانت البنوك المركزية عملت ما بوسعها للمساعدة، وينبغي أن ينهض السياسيون بمهمة دفع عجلة النمو على المدى البعيد، لكن أحدًا لا يوافقه بشأن ما يجب عمله على وجه التحديد، كما تلاحظ مجلة إيكونوميست في مراجعتها الكتاب.&