«إيلاف» من لندن: كما كان متوقعًا، انتعشت أسعار النفط 5 في المئة تقريبًا في المعاملات الصباحية الاثنين لتتجاوز 57 دولارًا لمزيج برنت القياسي بعد أن توصلت أوبك وكبار المنتجين خارجها السبت إلى أول اتفاق منذ عام 2001 لتخفيض الانتاج وتقليص العرض في الاسواق العالمية. وارتفع الخام الأميركي بنفس النسبة ليصل 54.07 دولارًا للبرميل.
ووافق المنتجون من خارج المنظمة أوبك السبت على خفض الإنتاج بنحو 560 ألف برميل يوميًا، وأقرت أوبك في اجتماعها أواخر نوفمبر الماضي بتخفيض الإنتاج بمقدار 1,2 مليون برميل يوميًا بدءًا من بداية 2017، في أول اتفاق مشترك بين اعضاء اوبك واعضاء خارجها بعد أكثر من عام ونصف من انهيار الأسعار وميزانيات الدول المنتجة للنفط التي تعتمد بشكل أساس على النفط الخام موردًا رئيسًا للدولة.
فبعد أشهر طويلة من البحث والنقاش لاقناع ايران وروسيا بقبول التخفيض، تتجه الانظار الآن إلى التطبيق الفعلي والتزام الدول شروط الاتفاق. من المفترض أن تبدأ تخمة العرض بالتلاشي، لكن إذا بقيت السوق مشبعة فربما نرى تراجعات في المكاسب التي حققتها الأسعار أخيرًا، وهذا سيكون جليًا في الأشهر المقبلة.
نية مبيّتة
يتوقع المراقبون أن تنفذ روسيا تعهداتها هذه المرة، ولو انها لم تف بوعود بتقليص الإنتاج تضامنا مع اعضاء اوبك قبل 15 عامًا. لكن محللين يتساءلون إذا كان كثير من المنتجين الآخرين من خارج منظمة أوبك يحاولون تقديم الخفض الطبيعي في إنتاجهم بوصفه إسهامًا منهم في الاتفاق.
قال خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، للصحافيين بعد الاجتماع إن هذا الاتفاق يعزز التعاون على المدى البعيد، ووصف الاتفاق بأنه "تاريخي"، خصوصًا أن حجم إسهام السعودية في التخفيض بلغ 486 ألف برميل يوميًا.
وقال ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، في المؤتمر الصحافي نفسه: "اتفاق اليوم سيسرع من استقرار سوق النفط، ويحد من التقلبات، ويجذب استثمارات جديدة".
أضاف نوفاك أن مساهمة روسيا في هذا الخفض ستكون 300 ألف برميل يوميًا، وسيكون تدريجيًا، وبحلول نهاية مارس المقبل سيقل إنتاج روسيا 200 ألف برميل يوميًا عن مستوياتها في أكتوبر 2016 التي بلغت 11,247 مليون برميل وهو أعلى إنتاج لروسيا بحسب التقديرات حتى الآن. لكن المثير للقلق انه قبل ايام قال نوفاك إن روسيا كانت تخطط لزيادة في الانتاج تبلغ 200 إلى 300 الف برميل يوميًا، ولذلك ستقوم روسيا بإلغاء هذه الزيادة المخطط لها، أي لا نوايا لتخفيض فعلي.
وأكد نوفاك أن إنتاج روسيا سينخفض إلى 10,947 ملايين برميل يوميًا بعد ستة أشهر.
بدأت الخطة
هوت أسعار الخام إلى أقل من النصف في العامين الماضيين بعد زيادة كبيرة في إنتاج السعودية، في محاولة لإزاحة المنتجين مرتفعي التكلفة مثل شركات النفط الصخري الأميركية من السوق.
وكان من شأن هبوط أسعار النفط دون 30 دولارًا للبرميل من مستويات مرتفعة بلغت 115 دولارًا في منتصف 2014 إجبار شركات النفط الصخري على تقليص عملياتها واغلاق نشاطها تمامًا حتى تتعافى الأسعار.
وتعهدت دول أخرى بالتخفيض وشملت القائمة أذربيجان والبحرين وبوليفيا وبروناي وغينيا الاستوائية وقازاخستان وماليزيا والمكسيك وسلطنة عمان والسودان وجنوب السودان.
وقالت سلطنة عمان إنها ستخفض الإنتاج بمعدل 45 ألف برميل يوميًا، في حين قالت كازاخستان إنها ستحاول خفض الإنتاج بمعدل 20 ألف برميل يوميًا في العام القادم. وأخطرت السعودية زبائنها في أوروبا والولايات المتحدة الجمعة بأنها ستخفض إمداداتها النفطية اعتبارًا من يناير، في إشارة إلى أنها بدأت بالفعل تنفيذ خطة خفض الإنتاج. وأخطرت الكويت والعراق والإمارات أيضا مشتري خامهم بخطط تقليص الإمدادات.
ارتفاع المعنويات والتفاؤل
رفعت أخبار الاتفاق معنويات المتعاملين والشركات الانتاجية والمراقبين والدول التي تعتمد على النفط في اقتصاداتها، وحتى قيمة أسهم الشركات التي تتعامل في بيع وشراء النفط وفي السمسرة. لكن شركات الشحن والنقل البحري لم تبتهج بالدرجة نفسها، والسبب أن كميات النفط التي ستشحنها هذه الشركات من موانئ الخليج ستنخفض بمقدار 900 ألف برميل يوميًا على الأقل، وفي الإجمال يعادل هذا الانخفاض تعطيل 20 ناقلة بترول عملاقة، إذا التزمت الدول المنتجة بالحصص الانتاجية والتخفيضات التي تم الاتفاق عليها في فيينا في أواخر نوفمبر الماضي والاتفاق الأخير السبت، 10 ديسمبر الحالي.
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار، يبقى بعض الدول الأعضاء في أوبك يعاني نقصًا في المداخيل ويحتاج إلى المزيد من الصعود في الأسعار لتحل مشكلاتها. وهناك خمسة اقتصادات هشة في صفوف أوبك تبقى عرضة للانهيار لأسباب مختلفة، على الرغم من كم الانتعاش المتواضع في الأسعار: فنزويلا ونيجيريا وليبيا والجزائر والعراق.
تعاني نيجيريا، على سبيل المثال، حركات عصيان داخلي وأعمالا ارهابية وتخريبية تستهدف المنشآت والأنابيب النفطية، والقرصنة في منطقة الدلتا الغنية بالنفط. أما فنزويلا فتعاني انهيار قيمة البوليفار مقابل الدولار، ولم تتمكن من دفع رواتب العاملين في قطاع النفط. وعلى الرغم من الارتفاع في أسعارالنفط، يتراجع الانتاج الفنزويلي ويرجح خبراء الاقتصاد أن تفشل فنزويلا في تسديد التزاماتها من الديون المستحقة، كما حدث في اليونان في العامين الماضيين.
الطفرة لن تدوم
ثمة ثلاثة اسباب لعدم دوام الطفرة في الأسعار طويلًا: الأول، إن الشركات والحكومات استغلت فترة النفط الرخيص منذ اواسط 2014، لبناء مخزونات نفطية ضخمة حيث بلغت المخزونات الاستراتيجية الاضافية اكثر من 500 مليون برميل فوق معدلاتها العادية؛ والثاني، أن اي انتعاش في الأسعار سيرفع انتاج شركات النفط الصخري الأميركية ليصل إلى 4,5 ملايين برميل يوميًا، حيث تمكنت هذه الشركات في السنوات الأخيرة من ابتكار اساليب وتقنيات تقلل من تكاليف الانتاج، لذلك اذا بقي السعر قريبًا من 60 دولارًا للبرميل سنرى المزيد من الزيت الصخري؛ والثالث، عبر خبراء اقتصاد في جامعة اوستن تكساس عن مخاوفهم من عدم التزام اعضاء في اوبك وخارجها بالتقيد بتطبيق الحصص الإنتاجية بسبب سجلهم السابق الذي لا يدعو إلى الطمأنينة.
في اوائل ثمانينات القرن الماضي، خفضت السعودية الانتاج بنسبة عالية، وتحملت العبء الأكبر بوصفها منتجًا ترجيحيًا حرصًا على المحافظة على حصة أوبك في السوق، بينما تجاهل اعضاء آخرون التزام حصصهم. وفي الفترة 2009 – 2013، انتجت أوبك بين مليون ومليوني برميل يوميًا فوق الحصص المفروضة.
لذا، من المهم الالتزام ووضع آليات للتأكد من التزام التخفيض، كي لا يرى العالم انهيارًا جديدًا في الأسعار.
التعليقات