يبدو أنّ اجتماع الدوحة المقبل لمناقشة تجميد الانتاج النفطي سيعقد سواء شاركت إيران أم لم تشارك، في ظل تفاهم سعودي روسي على أنّ التجميد لا مفر منه، وأنه سيعطي إشارة للأسواق العالمية أنّ هناك جهودًا تسعى لايقاف نزيف انهيار الأسعار.

لندن: أتي اتفاق السعودية وقطر وفنزويلا - الأعضاء في منظمة "أوبك"- وروسيا في العاصمة القطرية الدوحة في شباط (فبراير) الماضي في ظلّ وضع مضطرب شهدته ولا تزال تشهده أسواق النفط، بعدما أدّى فائض العرض إلى انخفاض الأسعار انخفاضاً كبيراً منذ منتصف العام 2014، ما كبّد الدول المنتجة خسائر هائلة في مداخيلها.

ورفضت "أوبك" في السابق، مدفوعة بالدرجة الأولى بقرار السعودية والدول الخليجيّة، خفض إنتاجها، فيما اعتبرت دول في المنظمة أنَّ الخفض الأحادي سيفقدها حصّتها من الأسواق، ولن يساهم في انتعاش الأسعار، في غياب خطوة مماثلة للدول المنتجة من خارج المنظمة.

ويعتقد محللون غربيون أنَّه رغم أنَّ الاتّفاق يُعدّ "خطوةً أساسيّة نحو الأمام"، إلّا أنَّ "الأهم في هذا الإعلان هو الربط بخطوة مماثلة من منتجين آخرين". 

وشهدت الأسعار ارتفاعاً مبدئياً رداً على الإعلان، إلّا أنَّ التغيير على المدى البعيد يبدو أنَّه مرتبط بردّ فعل بعض الدول (المنتجة) التي لم تكن مشاركة في هذا الاجتماع. والآن نعرف أن الدول الأكبر تأثيرًا وهي السعودية وروسيا اتفقتا على تعزيز فكرة التجميد وتطبيقها في الاجتماع المقبل، وحتى من دون مشاركة إيران. حيث ستعقد قطر اجتماعًا في 17 نيسان (أبريل) القادم بحضور كل أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ومنتجين رئيسيين من خارج المنظمة. 

اجتماع الدوحة المقبل يبحث تجميد انتاج النفط عند مستويات يناير

 

وسيبحث الاجتماع الذي ستستضيفه الدوحة تجميد الإنتاج عند مستويات كانون الثاني (يناير)، بحسب ما أعلنت وزارة الطاقة والصناعة القطرية الثلاثاء. ووجهت الدعوة لإيران التي سبق أن أبدت عدم حماسها لتجميد الإنتاج.

وكان الأمين العام لأوبك عبد الله البدري قد قال الاثنين في فيينا إن 15 أو 16 دولة ستشارك في اجتماع الدوحة، من دون أن يؤكد ما إذا كانت إيران ستشارك أم لا. ويأمل البدري أن يسفر الاجتماع الذي سيعقد في السابع عشر من الشهر المقبل في قطر عن نتائج إيجابية مع عدم توقعه بارتفاع الأسعار بشكل كبير لكن وصولها إلى مستويات معتدلة.

ويرى البدري أن المشكلة الوحيدة في الوقت الحالي هي الكميات الزائدة على متوسط مخزونات خمس سنوات، والبالغة نحو 300 مليون برميل.

ويأتي الاجتماع بعد توصل السعودية وقطر وفنزويلا وروسيا إلى اتفاق في شباط (فبراير)، سعيًا لإعادة الاستقرار للأسواق العالمية. وقالت مصادر من منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" إن منتجي النفط بمن فيهم الأعضاء الخليجيون بالمنظمة، ما زالوا يؤيدون عقد اجتماع الشهر المقبل، لبحث اتفاق على تجميد مستويات الإنتاج، حتى وإن لم تشارك فيه إيران، وذلك مع تزايد الضغوط السياسية لتعزيز الأسعار.

ومن المؤكد أن الامارات العربية المتحدة ستشارك في مؤتمر الدوحة الذي سيعقد في 17 نيسان (أبريل) المقبل لمناقشة اتفاق دولي لتجميد انتاج النفط في محاول جدية لدعم الأسعار.

وزير النفط السعودي علي النعيمي يصرح للصحافيين عقب الاجتماع الرباعي في الدوحة

وحتى اللحظة إيران وليبيا لم تؤكدا رسميًا رغبتهما في حضور الاجتماع، ولكنّ 11 عضواً آخر من منظومة أوبك وافقوا على الحضور، وهناك اعتقاد أنه من دون إيران وليبيا سوف لا يكون الإتفاق فعالًا، حسب تقرير مصرف كوميرز الألماني في فرانكفورت. 

والجدير بالذكر أن الاتفاق غير النهائي بقيادة السعودية وروسيا لتجميد سقف الانتاج ساعد في صعود الأسعار لأعلى مستوى منذ 2003، ولكن من غير المتوقع أن تجميد الانتاج سوف يؤثر كثيرًا على التخمة النفطية في العالم، والتي هي السبب الرئيس في انهيار الأسعار منذ صيف 2014. 

موقف إيراني متشدد قد يعيق تعافي الأسعار

ورحبت دول عدة كالعراق ودول خليجية بالاتفاق، بينما انتقدته إيران، العائدة حديثًا لسوق النفط، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي. 
ومن عناصر التخريب لفرص تعافي الأسعار ومعالجة التخمة، هو الموقف الإيراني الذي يقول إنه يجب ان ترفع طهران الانتاج لأقصى ما يمكن قبل أن تتحدث عن تجميد في الانتاج. 

وكانت إيران قد أعلنت أنها لن تنضم إلى أي اتفاق بشأن تجميد الإمدادات، قبل أن يرتفع الإنتاج إلى 4 ملايين برميل يومياً، وذلك بعد رفع العقوبات الغربية عنها. 

ومن جهة أخرى، نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن الرئيس الإيراني حسن روحاني، قوله يوم الأربعاء إن مبيعات بلاده من النفط الخام ومكثفات الغاز ستصل إلى مليوني برميل يومياً في الأيام المقبلة، إذ تعزز طهران إنتاجها من الخام منذ رفع العقوبات عنها في يناير.

وفي هذا الاطار، نقلت وكالات الانباء عن روحاني قوله: "دخل إيران سيزيد. مبيعاتنا من النفط ومكثفات الغاز ستصل إلى مليوني برميل يوميًا في الأيام القادمة. سنشهد وضعًا مختلفًا في السنة المقبلة".

عقبات ومصاعب تواجه زيادة انتاج النفط الإيراني

وفي تقرير لوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، اواسط فبراير الماضي: "إيران لا تزال تواجه عقبات كبيرة لزيادة إنتاجها من النفط، فوق المستويات الحالية، معتبرة أن عودتها إلى الأسواق العالمية، ستضيف إنتاجاً إضافياً إلى المعروض في السوق المشبعة".

وتعاني أسواق النفط الخام تخمة في المعروض، بسبب تصميم المنتجين للحفاظ على حصتهم من مبيعات الخام، وسط محدودية في الطلب العالمي، بسبب تراجع معنويات الاقتصادات العالمية.

وأشارت الوكالة العالمية، إلى أن طهران لا تزال تواجه عقبات كبيرة لزيادة إنتاجها من النفط، فوق المستويات الحالية، أهمها استعادة قاعدة عملائها (المشترين)، وجذب الاستثمارات لتطوير حقولها النفطية، واجتياز مجموعة من المخاطر السياسية، وتطوير البنية التحتية النفطية المتهالكة، التي يقول خبراء الصناعة إنها تتطلب استثمارات بين 150 – 200 مليار دولار لتحديثها.

كما لفتت إلى أن عديدًا من شركات النفط المتكاملة، غير قادرة على ضخ استثمارات حالياً، بسبب انخفاض أسعار النفط، وقلة الإيرادات، موضحة أن تلك الشركات، ستحتاج إلى خفض الإنفاق الرأسمالي خلال عام 2016 على الأقل.

ردود فعل على الموقف الإيراني السلبي

وحسب تقارير لوكالة "رويترز"، أن استثناء إيران من الاجتماع ليس حلاً مثاليًا لكنه لن يحول دون التوصل لاتفاق. وقال مصدر في "أوبك" من إحدى الدول الكبرى المنتجة للنفط: "إنها انتكاسة لكنها لن تغيّر بالضرورة المناخ الإيجابي الذي بدأ بالفعل".

وأضاف: "ما زالت هناك أحاديث عن اجتماع محتمل بين المنتجين الرئيسيين". وقال مندوب ثانٍ من "أوبك" إن "عدم مشاركة إيران في الاتفاق ليس بالنتيجة الأمثل لكنها ليست بالأسوأ أيضاً".

وتابع المندوب قائلاً: "إذا جمد الآخرون مستويات الإنتاج والإيرانيون خارج الاتفاق، فذلك لن يدعم السوق ما لم يكن الطلب كبيرًا جداً... فمستويات إنتاج يناير مرتفعة بالفعل".

وذكر مصدر ثالث أنه "لا يمكن تجاهل جميع المنتجين الآخرين.. من المرجح أن يمضي الاجتماع قدماً"، مرجحًا أن يناقش اجتماع أبريل تفاصيل اتفاق التجميد ويضع اللمسات الأخيرة عليه.

وأشار مصدر آخر إلى أن إيران لا تعارض الاجتماع، ولكن لديها بعض الشروط في ما يتعلق بالإنتاج، حيث إنها تعتزم زيادة صادراتها عقب رفع العقوبات عنها.

ومهما كان الموقف الإيراني سيعقد الاجتماع سواء حضرت أم لم تحضر وسواء شاركت أم لم تشارك. وهناك تفاهم سعودي روسي أن التجميد لا مفر منه وأنه سيعطي إشارة للأسواق العالمية أنّ هناك جهودًا جادة تسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأنه لا يمكن ترك الأمور كما هي، وضرورة التحرك المشترك لايقاف نزيف انهيار الأسعار شاءت إيران أم أبت.