ترزح روسيا تحت ضغط اقتصادي هائل، وهذا ما يتجلى في هبوط عملتها لأدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار، وذلك نتيجة عوامل متعددة، فيما عمّق انهيار أسعار النفط هذه الأزمة وجعلها مفتوحة على كل الإحتمالات.
&
نهاد اسماعيل: يساهم النفط والغاز بأكثر من نصف عوائد ميزانية روسيا. سعر النفط الخام انهار من 125 دولارا للبرميل إلى حوالى 30 دولارا للبرميل منذ مارس 2011، مع تراجع من 114 دولارا منذ صيف 2014، بشكل متوازٍ، وإنهار الروبل من 35 دولارا في يونيو 2014 إلى 79 حالياً.&
&
الضعف في العملة الروسية يعود إلى تراجع أسعار النفط &ناهيك عن العقوبات الناتجة من التدخل الروسي في &أوكرانيا والقرم والتي أدت إلى عقوبات اقتصادية ضد روسيا. التراجع في أسعار النفط &واستمرار العقوبات كان له تأثير سلبي على الإقتصاد الروسي الذي انكمش بنسبة 3.7% في 2015، &كما ان البطالة تتفاقم وهناك أكثر من 4.5 ملايين شخص عاطل عن العمل وهذا الرقم يزداد يوما بعد يوم. لذا ليس مستغربا ان روسيا وافقت على الجلوس مع أوبك لبحث الأزمة.
&
تستند الميزانية الروسية على معدل سعري بحدود 50 دولارا للبرميل ويتوقع أغلبية المحللين بأن سعر النفط سوف يبقى منخفضا خلال 2016 و الذي يعني بأن روسيا من المحتمل أن تتعامل مع عجز كبير في الميزانية.
&
وقرأنا في الأيام القليلة الماضية عشرات العناوين في الصحف والمواقع الاخبارية كيف ستتمكن السعودية وأوبك وروسيا من اعادة التوازن في العرض والطلب ورفع الأسعار لمستويات أعلى مما كانت عليه خلال الأشهر الأخيرة وذلك بخفض الانتاج. وفعلا حققت أسعار النفط الخام مستويات أفضل أواخر يناير الحالي وسط توقعات بالاتفاق على خفض الإنتاج بين الدول المصدرة خلال (فبراير) شباط المقبل.
&
ونقلت وكلات الانباء خبرا على لسان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، استعداد روسيا للمشاركة في الاجتماع الذي تدعو منظمة "أوبك" الى عقده مع منتجي الخام الآخرين في شهر شباط (فبراير) المقبل.
&
وقال نوفاك، إن المحادثات الجارية حالياً بين الدول المنتجة، تدور حول وضع السوق وانخفاض الأسعار، لافتاً إلى أن محور النقاش خلال الاجتماع قد يكون تقليص إنتاج النفط لكل بلد بما يصل إلى 5%. وفعلا صعد سعر النفط الخام، تسليم 16 (مارس) آذار، إلى 33.58 دولاراً للبرميل، بارتفاع بلغت نسبته 17% مقارنة مع أدنى سعر إغلاق خلال الشهر الجاري، البالغ 27.9 دولارا أميركيا للبرميل.
&
وهذا يعتبر تطورا ايجابيا ولكن هناك تساؤلات عديدة وهي: هل فعلا سيتم التوصل الى اتفاق في فبراير شباط؟ وهل سيلتزم المنتجون في اوبك وروسيا بهذا الاتفاق؟ وما تأثير عودة ايران الى السوق قريبا؟ هل سيلغي النفط الايراني الفائدة المتوقعة من تقليص الانتاج؟ اسئلة كثيرة وسنعرف الاجابة خلال الأسابيع المقبلة.
&
هل تغيّر نظام النفط العالمي؟&
&
هناك اعتقاد ان اتفاقا لتنقيص الانتاج سوف لا يكون بهذه البساطة حيث تعقدت الصورة وتغير نظام النفط العالمي الذي اعتدنا عليه في العقود الماضية. ومن اسباب التغيير هو مضاعفة الانتاج الأميركي الذي كان بحدود 4.5 الى 5 ملايين برميل يوميا حتى عام 2009 والآن تنتج ضعف ذلك. سابقا لم يتم أخذ الانتاج الأميركي&في الاعتبار كونها مستوردا كبيرا للنفط. وكانت لاعبا ثانويا يقف عاجزا عن المشاركة في القرارات المتعلقة بالسياسات النفطية العالمية. وحسب الفايننشال تايمز البريطانية فان ثورة الزيت الصخري غيّرت كل شيء. وفجأة باتت الولايات المتحدة من أكبر منتجي النفط والغاز المسال ولديها أكبر طاقة تكريرية في العالم.
&
تنتج الولايات المتحدة 9.3 ملايين برميل يوميا مقارنة بروسيا التي تنتج 11.1 مليون برميل يوميا والسعودية تنتج 10.3 ملايين برميل يوميا ولكن اذا أضفت كل التوابع الأخرى والمشتقات تتغير الصورة وتصبح كالآتي:
&
الولايات المتحدة 14.8 مليون برميل يوميا
&
السعودية: 11.7 مليون برميل يوميا
&
روسيا: 11.5 مليون برميل يوميا.
&
التفكير السابق يقول إن اهم المنتجين هم اوبك وكبار المنتجين خارج اطار اوبك مثل روسيا والمكسيك والنروج الخ ولكن التفكير الجديد يرسم صورة مختلفة للنظام النفطي الحديث وهذه الصورة تقلل من اهمية دور اوبك المحوري كلاعب رئيس. بعض المحللين الغربيين يرون أن فشل اوبك في انقاذ الأسعار من الانهيار كدليل على ضعف المنظومة. ولكن الغرب يعترف ان هناك ثلاثة عمالقة طاقة نفطية يلعبون دورا كبيرا في ساحة السوق النفطية. والاختلاف بين العمالقة الثلاث هو من يتخذ القرار وكيف يتم أخذ القرار بالضخ او زيادة الضخ او حتى وقف الضخ. في الولايات المتحدة لا يوجد سلطة مركزية للقرار حيث هناك مئات المنتجين المستقلين المتنافسين. وفي روسيا الأمر معقد نوعا ما ولكن في النهاية الحكومة هي المسؤولة. أما في السعودية آرامكو تقرر الضخ وزيادته وتنقيصه.
&
سيناريو ارتفاع الأسعار
&
اذا قبلنا أن تكاليف الانتاج تتناقص بسبب التطور التكنولوجي والابتكار وبذلك تزداد انتاجية استخراج النفط من الآبار التقليدية ومن تكسير الصخر واذا قام المنتجون التقليديون الكبار بضبط مقادير الانتاج، سوف ترتفع الأسعار ولكن هذا أيضا سيشجع المنتجون الهامشيون على تنشيط عمليات التنقيب والانتاج ونعود للمربع الأول. ولزيادة الصورة كآبة علينا الاعتراف ان الطلب الصيني لا يزال راكدا في الوقت الذي تعود فيه ايران للأسواق. واذا حاولت السعودية مثلا تخفيض انتاجها سيحدث شيئين: الأول انها ستفقد حصتها في السوق لصالح ايران والثاني ستشجع المنتجين الأميركيين الصغار مثل منتجي الزيت الصخري على رفع حصصهم الانتاجية وزيادة اجمالي الانتاج الأميركي بمليون برميل يوميا.
&
علينا ان ننسى الصورة النمطية النفطية التي اعتدنا عليها طيلة اربعة عقود ونتعامل مع الواقع الجديد ونواجه التحديات الجديدة.

&