بيروت: فشل المجتمع المدني في تحقيق اي خرق في الانتخابات البلدية في بيروت، بسبب تدني نسبة الاقبال على الاقتراع، وتكتل الاحزاب التقليدية الكبرى التي تخطت انقساماتها السياسية وتحالفت ضد مرشحين مستقلين ناقمين على ادائها في السلطة وفسادها.

ورغم فوز اللائحة الممثلة للطبقة السياسية بكامل مقاعد بلدية بيروت وفق النتائج الاولية غير الرسمية، لكن محللين ومرشحين على اللائحة المنافسة يعتبرون ان ممثلي المجتمع المدني تمكنوا من اثبات حضورهم على الساحة السياسية وفرض انفسهم من خارج الاصطفافات السياسية.

وقبل ساعات من صدور النتائج الرسمية المتوقعة الاثنين عن وزارة الداخلية اللبنانية، استبقت لائحة "البيارتة" التي تضم ممثلين عن الاحزاب الكبرى والمدعومة بشكل رئيسي من تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، احد أبرز قيادات قوى 14 آذار، النتائج الرسمية باعلان فوزها بكامل مقاعد المجلس البلدي في بيروت.

وخاضت هذه اللائحة الانتخابات في مواجهة لائحة "بيروت مدينتي" التي انبثقت خصوصا من المجتمع المدني ولم تكن مدعومة من اي جهة سياسية. وهي تجربة اولى من نوعها في لبنان المعروف بسطوة الاحزاب والعائلات والطوائف على الحياة السياسية.

وضمت "البيارتة"، الى جانب ممثلين عن حزب القوات اللبنانية، حليف تيار المستقبل المسيحي، ممثلين عن التيار الوطني الحر، حليف حزب الله المسيحي والخصم الابرز لتيار المستقبل في السياسة، وعن حركة امل الشيعية التي يراسها رئيس البرلمان نبيه بري.

وتجري الانتخابات البلدية في لبنان كل ست سنوات. وشهدت منطقة البقاع في شرق لبنان انتخابات محلية الاحد ايضا لم تحمل مفاجآت على صعيد تكريس نفوذ الاحزاب وزعماء الطوائف في المدن الكبيرة، مع تداخل هذا النفوذ مع الصراعات العائلية في القرى والبلدات الاخرى.

"نظام سياسي مقفل" 

وهي عملية الاقتراع الاولى التي تجري في لبنان منذ العام 2010، اذ لم تنظم انتخابات برلمانية منذ العام 2009 وتم التمديد مرتين للبرلمان الحالي نتيجة الانقسامات الحادة على خلفية الازمة في سوريا المجاورة. ولم ينجح البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية على الرغم من مرور سنتين على شغور المنصب.

ويتبادل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل الاتهامات بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، إذ يتبنى الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، رافضا تاييد زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون الذي يحظى يتأييد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حليف الحريري. كذلك لا يبدو بري، رغم تحالفه مع عون، متحمسا لتأييده كمرشح رئاسي.

وتؤدي هذه الانقسامات الى شلل شبه معمم في ادارات الدولة، الى جانب تعطيل الانتخابات، لكنها لم تمنع الاطراف الاربعة من الالتقاء حول لائحة واحدة في الانتخابات البلدية في بيروت.

ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس "هذه هي تجليات النظام التوافقي" في بلد يقوم على توازنات طائفية وسياسية هشة، مضيفا "النخب الحاكمة تختلف في ما بينها وتنقسم لكنها عند الحاجة تتحد معا للحفاظ على مراكزها السياسية ومصالحها".

ويعزو خشان عدم تمكن لائحة "بيروت مدينتي" من خرق اللائحة المنافسة الى طبيعة النظام السياسي من جهة والنظرة الى المجتمع المدني من جهة ثانية.

ويقول "في الخارج، يرتبط المجتمع المدني باحزاب سياسية تدعم افكاره، لكن في لبنان هو اما مرهون لمجموعات طائفية او يعمل وحده، ما يجعل النظام السياسي مقفلا امامه".

ويشير الى ان لائحة "بيروت مدينتي" التي ضمت "نخبا ثقافية وفنية وحضارية لم تتمكن من الوصول الى الجماهير"، مضيفا "هناك ثغرة بين النخب والجمهور التقليدي الذي يعتقد انها خارجة عن القانون او تحاول هدم التركيبة التي بني عليها النظام السياسي".

خيبة أمل

وعلى الرغم من حملة انتخابية واسعة للائحة "بيروت مدينتي" لقيت تجاوبا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي ومن دعوات القوى السياسية التقليدية للاقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، بالكاد وصلت نسبة المشاركة في بيروت الى العشرين في المئة، ما شكل خيبة امل لكثيرين بعد الرهان على امكانية خرق لائحة الاحزاب من "بيروت مدينتي".

وكتبت ناشطة على صفحتها على موقع "فيسبوك"، "كل لبناني لم يمارس حقه في التصويت او صوت للطقم القديم نفسه فقد حقه في التذمر المستمر من وضع البلد".

وخاضت لائحة "بيروت مدينتي" الانتخابات على اساس برنامج مستوحى من حركة الاحتجاج المدنية التي شهدها لبنان الصيف الماضي على خلفية ازمة نفايات اغرقت شوارع العاصمة ومناطق اخرى، قبل ان يتوسع الاحتجاج اعتراضا على اداء الطبقة السياسية والفساد وشلل المؤسسات.

وقالت رنا خوري، احدى المرشحات على لائحة "بيروت مدينتي"، لفرانس برس الاثنين "لم نشارك في الانتخابات لتسجيل موقف سياسي.. واردنا القول منذ البداية ان استعادة الحياة السياسية معناها الصحيح امر ممكن في لبنان، وهو خدمة المواطنين وليس الفرد او الحزب او الطائفة".

واضافت "اظهرنا ان ثمة اشخاص موجودين من خارج الاصطفافات السياسية ولهم الحق ان يكونوا ممثلين".

ويقر خشان بان "لائحة بيروت مدينتي تمكنت من وضع نفسها على الخارطة السياسية" في لبنان، مضيفا "ما جرى هو البداية لانه لا يمكن خلق وعي في غضون اشهر".

وكتبت صحيفة "لوريان لو جور" الناطقة باللغة الفرنسية "النظام السياسي، مهما تدنى - ولو انه وصل في لبنان الى درجات لا تصدق - لا يمكن تفجيره (...) على ايدي اشخاص في المجتمع المدني".

واضافت "لكن ما قامت به بيروت مدينتي اساسي، وهو انها زرعت نواة ستساهم بشكل كبير في تغيير للذهنيات حاصل لا محالة".