إيلاف من لندن: لا تعتبر التنبؤات التي نقرأها عن انخفاض او ارتفاع أسعار النفط من حين لآخر نصوصًا سماوية بل هي تقديرات مبنية على ما يحدث في الأسواق الآن ورسم توقعات المستقبل، ولقد أثبتت هذه التنبؤات انها خاطئة، ففي العام 2008 قرأنا عناوين تحذر من أن سعر النفط سيصعد الى 200 دولار وفي بداية عام 2016 سيتهاوى الى أقل من 20 دولاراً، وفي كلتا الحالتين لم تتحقق التنبؤات. 

هل سيستقر سعر برميل النفط على 50 دولارًا؟

لامست أسعار النفط 50 دولارًا اواسط الأسبوع الماضي للمرة الاولى منذ صيف 2014 عندما بدأت حالة الهبوط اللولبي لأسعار النفط، والتي توقفت الآن على الأقل موقتًا، ثم تراجعت وهبطت عند التسوية على خلفية قلق المستثمرين من أن يشجع ارتفاع الأسعار على زيادة الإنتاج ويؤدي إلى تفاقم تخمة المعروض العالمي. 

ويعود سبب تخطي الأسعار حاجز الخمسين دولارًا للبرميل للمرة الأولى خلال عام 2016 الى الاضطرابات في بعض الدول المنتجة وزيادة الطلب العالمي.

وجاء الصعود بعدما أظهرت بيانات أميركية، الثلاثاء الماضي، هبوطًا في مخزونات النفط، بسبب اضطرابات العرض بعد اندلاع حرائق كندا، وارتفع خام برنت حاليًا بنسبة 80 في المئة منذ أن بلغ أدنى مستوياته خلال 13 عامًا ليصل إلى أقل من 28 دولارًا للبرميل بداية العام. وهبط مخزون النفط الخام الأميركي بواقع 4.2 ملايين برميل ليصل إلى 537.1 مليون برميل خلال الأسبوع حتى 20 مايو، وفقًا لبيانات وزارة الطاقة الأميركية. فضلاً عن الحرائق في مناطق الرمال النفطية في كندا، تعرضت قطاعات النفط في نيجيريا وليبيا لاضطرابات وتوقف الانتاج. كما تعاني فنزويلا، العضو في منظومة أوبك، مشاكل في الانتاج بسبب الاحتجاجات وغياب الاستقرار وتدهور الحالة الاقتصادية. كل هذه العوامل مجتمعة حرمت الأسواق من أربعة ملايين برميل يوميًا من الخام. 

ومن ناحية أخرى، ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنحو 90% منذ أن هوت لأدنى مستوى في 12 عاماً أوائل هذا العام. لكنّ محللين يقولون إن صعود الأسعار فوق 50 دولارًا للبرميل قد يحفز المنتجين لاسيما شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة لاستئناف عمليات تم وقفها، وهو ما من شأنه أن يضخم الإمدادات مجددًا، ويؤدي إلى تراجع كبير في الأسعار.

ما هي الدروس للمحللين والمراقبين؟

لكنّ هناك دروساً هامة للمراقبين والمتابعين من تحركات الأسعار، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع أي ازمات مفاجئة في الإمدادات النفطية.

الدرس الهام الأول أن العرض والطلب هما العاملان الرئيسان في التأثير في الأسعار، ورأينا كيف ان التصريحات الصادرة من اوبك تؤثر في ارتفاع أو انخفاض السعر بنسبة بسيطة ليوم أو يومين، ولكن التأثير الأكبر في الأسعار يبقى تحت رحمة العرض والطلب الحقيقيين، ولا شك أن صعود الأسعار باتجاه الخمسين دولاراً الاسبوع الماضي يوضح هذه النقطة بسبب ظهور عدة عوامل مجتمعة وفي وقت واحد لتعزز صعود الأسعار باتجاه الخمسين دولاراً للبرميل، ومن هذه العوامل صدور بيانات عن هبوط المخزونات النفطية في الولايات المتحدة، وهذه تعني ارتفاع الطلب على النفط. ثم انخفاض الانتاج من رمال كندا بسبب الحرائق وتعطيل الانتاج النفطي في نيجيريا وليبيا بسبب الحروب وفي فنزويلا والعراق لغياب الاستقرار، والعنصر الهام الآخر انه رافق نقص الامدادات من تلك المصادر ارتفاع في الطلب على الخام من الهند والصين مع توقعات ارتفاع الطلب في الولايات المتحدة خلال أشهر الصيف. 

والدرس الآخر الذي تعلمناه هو بغض النظر عن عدد المرات التي سمعنا فيها ان اسعار النفط تمر بدورة أو بحلقة ارتفاعًا ونزولاً، ثم ارتفاعًا وهكذا، نميل الى الاعتقاد أن هذه الحالة ستستمر، معتقدين أن اسعار النفط المنخفضة ستستمر، الأمر الذي شجع الحكومات على تفادي اخذ قرارات تتعلق بضمان وسلامة مصادر الطاقة، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال اسعار النفط الرخيصة شجعت المستهلكين على شراء سيارات كبيرة تستهلك كميات كبيرة من البنزين والديزل، والعنصر الآخر الذي لا يمكن تجاهله وسيكون له تأثير سلبي على المدى الطويل هو ان حجم الاستثمارات في التنقيب واكتشاف مصادر جديدة للنفط انخفض لأدنى مستوى منذ الخمسينات، ما سيهيّئ الظروف لتقلص الانتاج وازدياد الطلب، ومن ثم صعود الأسعار، ولم تتحقق التنبؤات اوائل عام 2016 والتي تقول إن الأسعار ستنهار الى دون العشرين دولاراً، بل استقرت حول 30 دولاراً للبرميل.

وهناك درس ثالث وهو أن تنبؤات المؤسسات المالية والاستشارية مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وغيرهما لم تكن دقيقة، حيث انها حاولت وضع تصورات وسيناريوهات مستقبلية بالاستناد الى النمط الشائع الآن. وتجاهل كثير من المحللين الطبيعة الدورية لأسعار النفط. وشهدنا خلال العامين الماضيين كيف أن التنبؤات البعيدة المدى تمت مراجعتها وتعديلها على الأقل مرتين كل شهر. وعلى سبيل المثال، وقبل اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 تنبأت مؤسسة غولدمان ساكس أن النفط سيصعد الى 200 دولار للبرميل. والذي حدث فعلاً أن الأسعار انهارت خلال اسابيع قليلة من هذا التنبؤ بسبب تراجع النمو الاقتصادي الأميركي وتراجعت اسعار النفط معه. وفي عام 2015 تنبأت غولدمان ساكس هبوط اسعار النفط دون العشرين دولاراً للبرميل، وهذا لم يحدث. وبناء على هذه الدروس، من الأهمية النظر على العناصر الفعلية التي ستؤثر في تحركات الأسعار في المستقبل.

عوامل تؤثر في تحركات أسعار النفط

بما يتعلق بالامدادات لا يمكن تجاهل الزيت الصخري الذي سيزداد انتاجه مع تعافي الأسعار. ومن ناحية فنية يمكن وبسهولة استعادة انتاج الزيت الصخري مع تقدم مستوى التقنيات المتوفرة في الولايات المتحدة. لكنّ هناك شرطًا اساسيًا لتعافي الانتاج الصخري، وهو رغبة ومقدرة البنوك على تقديم التمويل اللازم والدعم الكافي للسماح لمنتجي الزيت الصخري بالاستمرار في الانتاج، علمًا أن عشرات الشركات الصغيرة اعلنت افلاسها وخروجها من الحلبة. وايضًا لا يمكن تجاهل التطورات الجيوسياسية في العالم مثل الصراع في العراق وحرب اليمن ناهيك عن التوترات السعودية الايرانية. وكذلك مقدرة ايران على زيادة الانتاج والصادرات.

وثمة عنصر آخر قد يؤثر في الطلب في المستقبل، حسب رأي الخبيرة بريندا شيفر في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي للدراسات، وهو ان "اسعار النفط المتهاوية شجعت بعض البلدان على إلغاء الدعم لمشتقات الوقود، والمستهلكون هم الذين سيدفعون الثمن عندما تصعد أسعار النفط، وهذا بدوره قد يقلل من استهلاك المواد النفطية المشتقة، وفي بعض الدول قد يؤدي إلغاء الدعم الى احتجاجات واجبار الدولة على اعادة تقديم نظام الدعم للسلع النفطية. وفي المقابل، تقوم بعض الدول المنتجة للنفط بإلغاء الدعم في اطار عملية اصلاح اقتصادي وللتكيّف مع أسعار نفط منخفضة".

والنقطة الأخيرة أن الطلب على النفط يرتفع مع النمو الاقتصادي في الدول الكبرى التي تستورد النفط مثل اليابان والصين والهند والولايات المتحدة. لذا علينا التعامل بحذر مع التنبؤات المتعلقة بأسعار النفط فهي ليست نصوصًا إلهية من السماء.