إيلاف من لندن: ما يلفت الانتباه في بداية العام الجديد هو الهدوء النسبي في الأسواق النفطية التي استقرت على سعر مقبول نسبيًا، ويتأرجح في أواسط خمسينات الدولار للبرميل. وظهر بعض الإحصاءات من السعودية وروسيا تشير إلى أن اقتصاد النفط والغاز لا يزال حيًا. وعلى الرغم من حال الكآبة التي سادت الأسواق في الأشهر الأخيرة من عام 2016، فإن السعودية مثلًا أعلنت أخيرًا رسميًا أول مرة عن قيمة صادراتها النفطية بشكل شهري لشهر أيلول الماضي بقيمة 43.5 مليار ريال تساوي نحو 11.6 مليار دولار.

بينما ارتفعت قيمة الصادرات النفطية للسعودية خلال أكتوبر الماضي بنسبة 27.8 في المئة‏، إلى نحو 13.97 مليار دولار، مقارنة بنحو 10.93 مليارات دولار في الفترة المناظرة من عام 2015.

ووفقًا لبيانات صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، شكلت الصادرات النفطية 77.8 في المئة من إجمالي الصادرات خلال أكتوبر الماضي، مقارنة بـ75% في الفترة من المناظرة من 2015.

أما بالنسبة إلى روسيا، فتشير بيانات وزارة الطاقة الروسية إلى أن إنتاج روسيا من النفط استقر عند 11.21 مليون برميل يوميا في ديسمبر. وبلغ إنتاج روسيا من الغاز 66.38 مليار متر مكعب في ديسمبر أو ما يوازي 2.14 مليار متر مكعب يوميًا مقارنة مع 62.59 مليار متر مكعب في نوفمبر .

التنبؤات والدروس

إن آخر درس تعلمناه خلال عام 2016 أن التنبؤ بما سيحدث في أسواق النفط والغاز أمر صعب للغاية وكثيرًا من التنبؤات التي قدمها خبراء وبنوك استشارية اخطأت. نذكر جيدًا تنبؤات المؤسسات المالية والاستشارية مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وغيرهما حيث إنها حاولت خلال عام 2015 و 2016 وضع تصورات وسيناريوات مستقبلية، بالاستناد إلى النمط الشائع في تلك الفترات.

 

غولدمان ساكس تنبأت قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية أن النفط سيصعد إلى 200 دولار للبرميل

 

على سبيل المثال، وقبل اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تنبأت مؤسسة غولدمان ساكس أن النفط سيصعد إلى 200 دولار للبرميل. ما حدث فعلاً هو أن الأسعار انهارت خلال اسابيع قليلة من هذا التنبؤ، بسبب تراجع النمو الاقتصادي الأميركي، فتراجعت اسعار النفط معه. ولم تتحقق التنبؤات اوائل عام 2016 والتي تقول إن الأسعار ستنهار إلى دون عشرين دولاراً، بل استقرت حوالى 30 دولارًا للبرميل لشهور عدة قبل أن تصعد فوق الخمسين اواخر نوفمبر وفي ديسمبر 2016 ولا تزال الأسعار تتأرجح اواسط الخمسينات وهذه اشارة ايجابية.

لكن هناك دروس هامة للمراقبين والمتابعين من تحركات الأسعار، خصوصًا في ما يتعلق بالتعامل مع أي ازمات مفاجئة في الإمدادات النفطية.

العرض والطلب والتخمة

من الدروس الهامة أن العرض والطلب هما العاملان الرئيسان في التأثير في الأسعار، ورأينا كيف أن التصريحات الصادرة من أوبك تؤثر في ارتفاع أو انخفاض السعر بنسبة بسيطة ليوم أو يومين، ولكن التأثير الأكبر في الأسعار يبقى تحت رحمة العرض والطلب الحقيقيين، ولا شك في أن صعود الأسعار في نهاية العام المنصرم سببه الرئيس هو اعلان منظمة "أوبك" بقيادة السعودية عن اتفاق لتخفيض الانتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا وموافقة روسيا على تخفيض مقداره 300 الف برميل يوميا.

 

التصريحات الصادرة من أوبك تؤثر في ارتفاع أو انخفاض السعر بنسبة بسيطة

 

لكن صعود الأسعار وهبوطها يرتبطان بمجموعة عوامل وليس بعامل واحد فقط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أي أنباء تشير إلى هبوط المخزونات النفطية في الولايات المتحدة تنعش الأسعار قليلًا وكذلك أي انباء عن انخفاض الانتاج من رمال كندا بسبب الحرائق أو تعطيل الانتاج النفطي في نيجيريا وليبيا بسبب الحروب وفي فنزويلا والعراق لغياب الاستقرار كلها تساعد على ارتفاع الأسعار، لكن العنصر الأهم الذي يدفع الأسعار إلى الصعود هو ارتفاع النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع الطلب على النفط الخام من عمالقة الاقتصاد الآسيوي الهند والصين. وفي غياب النمو الاقتصادي، يجب اعطاء الأهمية القصوى لموضوع التخمة في السوق وتقليصها من خلال خفض الانتاج. وهذا فعلا ما حدث اوائل شهر ديسمبر 2016 اي بعد اتفاق أوبك وروسيا على تخفيض الانتاج.

 والعنصر الآخر الذي لا يمكن تجاهله وسيكون له تأثير سلبي على المدى الطويل هو أن حجم الاستثمارات في التنقيب واكتشاف مصادر جديدة للنفط انخفض لأدنى مستوى منذ خمسينيات القرن الاضي، ما سيهيّئ الظروف لتقلص الانتاج وازدياد الطلب، ومن ثم صعود الأسعار. ويمكن تجاهل التطورات الجيوسياسية في العالم، مثل الصراع في العراق وحرب اليمن ناهيك عن التوترات السعودية الايرانية، وكذلك قدرة ايران على زيادة الإنتاج والصادرات.

تنبؤات فوربس 

على الرغم من التحفظات المذكورة، غامرت فوربس بنشرها تنبؤات لعام 2017 تتعلق بالنفط والغاز: الأول، سيمارس اعضاء أوبك الخداع في التزامهم بالحصص الانتاجية. اي سينتجون اكثر من حصصهم المقررة في الاتفاق الأخير اوائل شهر ديسمبر. هذا الخداع اذا فعلا حدث سيخرب على خطة التخلص من التخمة في السوق؛ الثاني، تم انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وتعيينه ريكس تيلرسون المدير التنفيذي لشركة اكسون الأميركية النفطية العملاقة والذي يتمتع بعلاقات حميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشجع روسيا على زيادة انتاجها النفطي حيث من المتوقع أن يقوم تيلرسون بالضغط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بسبب تدخلها في اوكرانيا ما سيحفز موسكو على زيادة انتاجها النفطي. وهناك توقعات أن ترامب سيساعد صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة والخطوة الأولى إلغاء وتجاهل الحظر والتقييدات التي فرضتها ادارة اوباما على قطاعات النفط والغاز. والتخوف هنا أن المنتجين المحليين في الولايات المتحدة سينتجون نفطًا وغازًا من دون تقييد، ما سيزعزع استقرار النطاق السعري البالغ 50 - 55 دولارًا للبرميل. ولا تستطيع روسيا أو أوبك التأثير أو الضغط على المنتجين الأميركيين بالتزام أي صيغة لتخفيض التخمة والابقاء على انتعاش الأسعار.

الزيت الصخري لا يزال مصدر قلق

مع انتعاش الأسعار وتعافيها في الأشهر المقبلة، سيعود شبح الزيت الصخري ليخيم على الأسواق وسيساهم في زيادة المخزون الاستراتيجي الأميركي وزيادة التخمة في السوق، ما سيعيدنا إلى سيناريوات اواسط 2014 إلى نهاية 2016 الا اذا شهد العالم نموا اقتصاديا كبيرا في آسيا خلال 2017.

لذا، وبما يتعلق بالامدادات لا يمكن تجاهل الزيت الصخري الذي سيزداد انتاجه مع تعافي الأسعار. ومن ناحية فنية يمكن وبسهولة استعادة انتاج الزيت الصخري مع تقدم مستوى التقنيات المتوفرة في الولايات المتحدة. لكنّ هناك شرطًا اساسيًا لتعافي الانتاج الصخري، وهو رغبة ومقدرة البنوك على تقديم التمويل اللازم والدعم الكافي للسماح لمنتجي الزيت الصخري بالاستمرار في الانتاج، علمًا أن عشرات الشركات الصغيرة أعلنت افلاسها وخروجها من الحلبة.