نهاد إسماعيل: في الأسبوع الأخير من شهر يونيو، وعلى اثر التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، قرأنا في صحف المال والأعمال تنبؤات وتوقعات تشير الى احتمال انهيار الأسعار لأقل من 10 دولارات للبرميل، وفي الوقت ذاته توقع آخرون ارتفاع أسعار النفط الى 70 دولارًا للبرميل. مما لاشك فيه أن الأسعار تأثرت بشكل محدود من التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي المعروف بالبريكسيت البريطاني. 

ولكن الأسعار تعافت إلى فوق 50 دولارًا للبرميل في نهاية الأسبوع المنصرم يوم الجمعة الأول من يوليو. والتأثير الأكبر على أسعار النفط حدث بسبب ارتفاع قيمة الدولار الصرفية مقابل الاسترليني، مما أدى الى ارتفاع اسعار السلع المقومة بالدولار وعلى رأسها اسعار النفط.

لكنّ محللين في شركة "ايه بي بيرنستاين" يشيرون الى توقعات بتناقص في الامدادات في نهاية العام، مما سيؤدي الى ارتفاع الأسعار الى النطاق السعري 60 – 70 دولارًا للبرميل. 

ولكن على واقع الأرض يتم الآن تذليل المصاعب في كندا ونيجيريا وليبيا التي عطلت الانتاج النفطي في تلك البلدان جزئيًا، واذا اضفنا تصاعد انتاج الزيت الصخري ستؤدي هذه العوامل إلى تفاقم التخمة بمعدل 1.5 مليون برميل يوميًا، وهذا قد يهدد تعافي الأسعار. 

كما أشارت وكالة بلومبيرغ لتقرير وكالة الطاقة الدولية الذي يتوقع أن التخمة ستبلغ 1.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2017. وهذا قد يقودنا الى مرحلة من تهاوي الأسعار لمستويات 10 الى 20 دولارًا للبرميل.

تطمينات سعودية أنعشت الأسعار:

قالت وكالة الأنباء السعودية إن وزير الطاقة والأمين العام لمنظمة أوبك اتفقا على أن "الأسواق البترولية تتجه للتوازن، وأن الأسعار بدأت بالاستقرار، والتقى خالد الفالح، وزير البترول السعودي، مع الأمين العام، لأوبك المعين حديثًا محمد باركيندو في مدينة الظهران السعودية، لبحث دور أوبك في الحفاظ على استقرار أسواق النفط. وتعافت أسعار النفط بحذر شديد. 

الرسالة السعودية للسوق أن اسواق النفط تتجه نحو التوازن، وهذه الرسالة دفعت اسعار مزيج برنت المرجعي الى فوق 50 دولارًا للبرميل. كما واصلت أسعار النفط ارتفاعها الاثنين في آسيا بعد أن دعمتها تصريحات وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي م. خالد الفالح التي قال فيها إن سوق النفط تتجه نحو التوازن. 

ورغم الأجواء الايجابية التي خلقها التصريح السعودي إلا أنه في اليوم التالي الثلاثاء هبطت الأسعار الى 48 دولارًا للبرميل، وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ووفرة الامدادات، رغم تعرض الصناعة النفطية النيجيرية للمزيد من الهجمات الارهابية. 

ويجب القول إن القلق الرئيسي يتركز حول وقع وتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني ورأينا ملامح ذلك من تهاوي الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى منذ 1985. حتى أن الأرقام من الصين ليست مشجعة بسبب تراجع في النشاط التجاري والاستثمار. 

أضف الى ذلك، ارتفاع المخزون الأميركي في خزانات كشنغ في ولاية اوكلاهوما بحوالي 230 الف برميل اوائل اشهر يوليو الحالي. وفقد مزيج برنت المرجعي 4% من قيمته اليوم ليستقر على 48 دولارًا، ولكن المهم أن نتذكر انه صعد من 27 دولارًا للبرميل في يناير بنسبة 80% كما انخفض سعر غرب تكساس الوسيط الى 47 دولاراً.

ويعتقد المحللون أن أي ارتفاع في الأسعار في الأشهر المقبلة سيبقى محدودًا بسبب اساسيات العرض والطلب، والتي تبقى العنصر الرئيسي في معادلة أسعار النفط.

توقعات بانخفاض الأسعار وتفاقم التخمة:

قال بنك باركليز البريطاني مؤخرًا في مذكرة لعملائه: "من المرجح أن يؤدي تراجع التوقعات الاقتصادية العالمية وغموض الأسواق المالية والآثار على قطاعات مهمة في نمو الطلب على النفط إلى تفاقم اتجاهات نمو الطلب الصناعي الباهتة أصلاً".

بينما أعرب محللون غربيون عن قلقهم عن ظهور إشارات واضحة من شأنها عرقلة ارتفاع الأسعار وربما سنشهد موجة من انخفاضات الأسعار في الأيام المقبلة بسبب تراجع الطلب على المشتقات هذا ورغم بعض المشاكل الأمنية في نيجيريا والحرائق في كندا التي بدأ تأثيرها بالتقلص وعودة الانتاج النفطي تدريجيًا، وكذلك يتم اصلاح الضرر الناتج عن اعمال الارهاب في نيجيريا مما سيزيد الانتاج.

ولكن العنصر الهام الآخر الذي سيزيد من وفرة الامدادات هو الاتفاق الليبي لتوحيد مؤسستي النفط المتنافستين في ليبيا، الأمر الذي سيرفع إنتاج البلد العضو في «أوبك»، والذي يقل حاليًا عن ربع مستواه قبل عام 2011 الذي بلغ وقتها 1.6 مليون برميل يوميًا. وهناك احتمالات لأن يتعرض الطلب على النفط ومن ثم الأسعار إلى ضغوط، حيث يؤدي ضعف هوامش الربح إلى خفض الإنتاج، في الوقت الذي تستعد فيه المصافي الآسيوية بالفعل لبداية موسم الصيانة.

وفي المقابل، إن زيادة عدد منصات حفر التنقيب لأميركية خلال الأسابيع الماضية، وهذه أكبر زيادة منذ صيف 2015 ستساهم في زيادة الامدادات والفائض النفطي في السوق. . لذا المخاوف من ازدياد التخمة تبقى حقيقية وتدعمها الأرقام، حيث تنتج المملكة العربية السعودية 10.4 ملايين برميل يوميًا، ولا تزال روسيا تنتج ما يقارب 11 مليون برميل يوميًا. البيانات الرسمية تشير الى 10.84 ملايين برميل يوميًا. كما تسعى ايران لرفع انتاجها الى 4 ملايين برميل يوميًا. كل هذه الأرقام تشير الى استمرار التخمة وعدم تقلصها.

لذا ستبقى الصورة غير واضحة نظرًا لأسباب لوجستية في عدد من البلدان المنتجة للنفط، وكذلك العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط وصعود الدولار وبقاء احتمال رجوع التخمة للسوق..