«إيلاف» من لندن: بينما تواصل المملكة العربية السعودية عملها الحثيث المتعلق بتحقيق مشروع رؤية 2030 وتذليل العقبات أمام طرح 5% من أسهم شركة “أرامكو” العملاقة في البورصات العالمية، كشفت وكالة رويترز قبل 10 ايام أن هناك عرضاً من الصين لشراء حصة الأسهم التي تنوي “أرامكو” طرحها بشكل رئيسي للاكتتاب العالمي بشكل مباشر، مؤكدًا أن “بتروتشاينا وسينوبك قد أجرتا اتصالات مع أرامكو في الأسابيع الأخيرة للتعبير عن اهتمامها باتفاق مباشر”.
وقالت الوكالة "إن الشركات تمثل جزءاً حيوياً من اتحاد حكومي يشمل صندوق الثروة السيادية للصين، وهي الجهة المخول لها النظر في كافة القضايا التي تتعلق بتوفير احتياجات بكين من البترول، لاسيما وأنها المستورد الأول لتلك السلعة الإستراتيجية على مستوى العالم". وتسعى الصين الى تأمين احتياجاتها من امدادات النفط ولديها الاستعداد ان تحصل على نسبة 5% او أكثر من أسهم آرامكو بصفقات خاصة وبشكل منفرد.
وأكدت “أرامكو” أنها تدرس الخيارات والبدائل المتعلقة بالاكتتاب العام 2018.
ويرى المراقبون ان الخيار الصيني قد يوفر الفرصة للرياض لتجنب التعقيدات القانونية والاجرائية التي ستواجه الطرح الأول للأسهم في البورصات العالمية لا سيما لندن ونيويورك.
وهناك تكهنات عن طرح مزدوج لنسبة 5% من أسهم أرامكو في بورصة الأوراق المالية السعودية (تداول) وفي بورصة دولية عام 2018 مع تنافس أسواق الأسهم في نيويورك ولندن وآسيا على هذا الطرح، ومن المقدر أن يجذب الطرح 100 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر ان هناك توقعات بتأجيل الطرح لعام 2019 لأسباب تقنية.
ولم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن البورصة التي ستحصل على هذا الطرح علما ان هناك منافسة شديدة بين لندن ونيويورك كونهما الأكثر قدرة على تنفيذ طرح بهذا الحجم.
اهداف صينية جيو اقتصادية وسياسية
منذ انتخاب دونالد ترمب تحسنت العلاقة السعودية الأميركية مع اعلان الأخير عن رغبته في تقليص النفوذ الايراني في الشرق الأوسط وتأييده لبرامج الاصلاح الاقتصادي في السعودية. ولكن الصين تأخذ خطوات هادئة للوصول الى الاحتياطات الهيدروكربونية السعودية. ومن خلال مشروع الصين الكبير المعروف بمبادرة "الحزام الواحد والطريق الواحد" والاعلان عن استعداد الصين بالاستثمار في شركة آرامكو يمهد الصينيون الأرضية لتحول جيو-اقتصادي عميق.
وخلال الثلاثين عام الماضية بدأت الصين تدريجيا تتحول الى شريك مهم لدول الخليج في مجالات الطاقة ولا تخفي الصين طموحها في لعب دور محوري في اسواق الطاقة العالمية. تستورد الصين ربع احتياجاتها من الطاقة من السعودية ولكن روسيا الآن تعتبر المزود الأكبر للطاقة للصين. وهناك خطة صينية لم تناقش في الاعلام كثيرا وهي رغبة الصين في استعمال عملتها اليوان في تعاملات بيع وشراء الطاقة كبديل للدولار ولتشجيع الاستثمار الدولي في الأصول الصينية المقومة باليوان الصيني. وتأمل الصين ان تقبل السعودية التعامل في اليوان الصيني واذا فعلا قبلت فمن المتوقع ان بقية اعضاء اوبك سيوافقون.
الطموح الصيني لا يتوقف على النفط والطاقة بل لديها اهداف جيو سياسية من تثبيت اقدامها في منطقة الخليج من خلال الاتفاقات الاستثمارية. ترى الصين ان منطقة الخليج تشكل مركزا كبيرا للانطلاق الى اسواق الشرق الأوسط وافريقيا من خلال مطارات وموانيء الخليج والشبكات العالمية المرتبطة بمنطقة الخليج.
وكدليل على اهتمام الصين بالاستثمار في السعودية مثلا وحسب مصادر اخبارية سعودية كشف سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة العربية السعودية في ايلول الماضي أن الصين ترغب في توطيد العلاقة الاقتصادية والتجارية الثنائية وتعزيز التبادل والتعاون بين رجال الأعمال، مشيرا إلى أن هناك تكاملا بين مبادرة «الحزام والطريق» و«رؤية 2030»، ويعمل الجانبان على تحسين الخطط التنفيذية للالتقاء بين هاتين الإستراتيجيتين التنمويتين. وأضاف أنه يتم البحث حول انشاء صندوق استثماري بقيمة 20 مليار دولار مع تقاسم التكلفة والأرباح مناصفة، يستثمر في قطاعات مثل البنية التحتية والطاقة والتعدين والمواد الخام. وهناك 60 مذكرة تفاهم موقعة بين السعودية والصين وبين الشركات في البلدين تبلغ قيمتها حوالي 70 مليار دولار.
ومؤخرا وكما ذكر اعلاه عبرت شركة بيترو-تشاينا و سينو-بيك عن رغبتهما في شراء 5% من آرامكو التي تقدر قيمتها الاجمالية حوالي 2 ترليون دولار حسب التقديرات السعودية ومن المخطط ان يتم طرح أسهم آرامكو الأولي عام 2018 أو 2019 في بورصات عالمية مثل نيويورك او لندن. ونظرا للتحديات والعقبات الاجرائية والقانونية التي تواجه الطرح الأولي قد يتم عقد صفقة بيع خاصة مع الصين.
وأبرزت بعض وسائل الاعلام ان الصين قد تطلب التعامل في العملة الصينية "اليوان". وتسعى الصين منذ زمن على كسر قبضة البترو-دولار الاحتكارية ليحل محلها البترو-يوان الصيني وهذا سيأخذ سنوات من الجهود ويأمل الصينيون ان عملتهم ستحل تدريجيا محل الدولار.
ويرى المراقبون المهتمون انه ربما من الأفضل والأكثر أمنا ان تقوم الصين بضخ المال في قطاع الطاقة السعودي بدلا من رؤس المال الأميركية الخاصة ومن صناديق التحوط. والسبب ان المستثمرين الغربيين يتوقعون مردود على استثماراتهم خلال 10 الى 20 عام بينما الصين لديها الاستعداد ان تنظر الى المدى البعيد أي 50 عام او اكثر.
ولا شك ان الصين والسعودية ستستفيدان من هذا التغير الجيو اقتصادي.
التعليقات