تكتسي الجولة الملكية السعودية في شرق آسيا أهمية اقتصادية قصوى، إذ توسّع أفق الاستثمارات.
ايلاف من الرياض: تتصدر الجولة الآسيوية التي عزم العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز القيام بها في دول شرق آسيا الأخبار، لما تكتسيه من أهمية اقتصادية مشتركة بين السعودية والدول التي تشملها، وهي اليابان والصين وماليزيا وإندونيسيا، خصوصًا أن الجهود السعودية مرصودة كلها اليوم لتحفيز الفرص الاقتصادية التي تتضمنها رؤية 2030، وتحديدًا نية السعودية تقليل اعتمادها على النفط، والاستعاضة عن ذلك بإنشاء صناديق استثمارية ضخمة، فربما تمثل أسواق آسيا فرصًا متاحة للاستثمار، ولجذب رؤوس الأموال للاستثمار في القطاعات الاقتصادية السعودية المختلفة.
استراتيجية وطنية
محطة الملك سلمان في اليابان مهمة اقتصاديًا، خصوصًا على المستوى الاستثماري، إذ سترسخ التعاون الاقتصادي بين الرياض وطوكيو، وسترفد رؤية السعودية 2030 بالكثير من العزم الياباني الاستثماري، خصوصًا أن أكتوبر الماضي شهد كشف مجموعة "سوفت بنك" اليابانية نيتها تأسيس صندوق استثماري جديد باسم "صندوق رؤية سوفت بنك"، بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، ليبلغ حجمه بمرور الوقت 100 مليار دولار، وهدفه تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني، وأن يكون أحد أكبر الصناديق الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي.
وتتوقع المجموعة استثمار ما لا يقل عن 25 مليار دولار في الصندوق على مدار السنوات الخمس القادمة.
والمعروف أن صندوق الاستثمارات العامة في السعودية يركز على الاستثمارات ذات العوائد المالية العالية، المحلية والعالمية، على المدى البعيد، والتي تدعم رؤية السعودية 2030 في بناء اقتصاد متنوع.
وفي سبتمبر الماضي، وفي أثناء انعقاد منتدى الأعمال السعودي الياباني، قال هيرو ويكي إيشي غي، رئيس مجلس إدارة منظمة التجارة الخارجية اليابانية (جيترو)، إن رؤية السعودية 2030 استراتيجية وطنية للتحول في القرن الواحد والعشرين، تتناغم مع تطلعات اليابان في تمويل الصناعات وتطوير المنشآت، حيث أن الشركات اليابانية لها إمكانيات كبيرة للمساهمة في هذه الرؤية.
فرص نمو استثماري
ستساهم الزيارة الملكية في مارس المقبل إلى طوكيو في تعزيز العمل بمذكرات تفاهم معقودة بين السعودية وعدد من الشركات اليابانية، كالاتفاقية الإطارية في مجال تطوير مياه البحر، ومذكرة التفاهم لاستخدام الطاقة بفاعلية إضافية، ومذكرة استخدام النفايات لتوليد الطاقة، ومذكرة تنمية الطاقة البشرية في الصناعة، ومذكرة الاستفادة من الغاز المسال عند الكوارث الطبيعية والطوارئ، ومذكرة في مجال الأعمال المالية.
والجدير بالذكر هنا أن قيمة التبادل التجاري بين السعودية واليابان بلغت أكثر من 32 مليار دولار في عام 2015، حيث تعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط لليابان، وثالث أهم شريك تجاري، مع تمركز الاستثمارات اليابانية في السعودية في قطاع الصناعات التحويلية و البتروكيماويات.
وفي السعودية اليوم أكثر من 87 مشروع تشارك فيه شركات يابانية برؤوس أموال واجمالي تمويل يتجاوز 14.7 مليار دولار، يتركز معظمها في القطاع الصناعي، ويأمل السعوديون أن يحل عام 2020 وقد ارتفع حجم الاستثمارات بين البلدين، خصوصًا أن اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بحجم يتجاوز 4 تريليونات دولار، وأن قطاع الأعمال الياباني يبحث عن مزيد من الفرص للنمو والتوسع في الاستثمار والانتاج خارج حدوده، والسعودية قاعدة ملائمة تتيح لهذا القطاع فرص التوسع في أسواق الشرق الاوسط وأفريقيا، حيث تتوفر كل المقومات والفرص بما يخدم المستثمرين نحو تحقيق أعلى معدلات الربحية بأقل مخاطرة من بيئة ملائمة وبنية تحتية متطورة، مع التحسين الدائم والتطوير المستمر للإجراءات والأنظمة.
شريك في طريق الحرير
لا شك في أن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين ستأخذ أبعادًا مختلفة. وهذا ما أكده لي تشنغون، سفير جمهورية الصين الشعبية في المملكة، في مؤتمر صحفي عقده بالسفارة الصينية في الرياض، قائلًا إن زيارة خادم الحرمين للصين ستشهد توقيع اتفاقات سياسية واقتصادية تعليمية وإنسانية وثقافية، كاشفًا عن زيادة حجم تصدير المملكة النفط إلى الصين في عام 2016 حيث بلغ 51 مليون طن من البترول الخام المصدَّر للصين، وانخفاض حجم التبادل التجاري من 52 مليار دولار في عام 2015 إلى 43 مليار دولار في عام 2016، "إلا أن الصين الشريك التجاري الأول للمملكة"، كما قال.
ونقلت عنه صحيفة "المدينة" قوله إن الاستثمار مجال جديد بين البلدين، وأغلبه في القطاع الخاص، "وهذا يشهد نشاطًا لا بأس به، ومن ذلك مشروع بتروكيماويات في ينبع استثمرت الصين فيه بنسبة الثلث وحقق نتائج إيجابية للمملكة، إضافة إلى مشروعات الأنابيب الحديدية لنقل البترول والغاز أنجزت وبانتظار الإجراءات الأخيرة، إضافة إلى مشروعات أخرى ضمنها مشروع الطابوق، وإطارات السيارات"، مؤكدًا تشجيع حكومة البلدين التعاون بين مستثمري القطاع الخاص في البلدين لتحقيق الشراكة المستدامة بين البلدين، ومشيرًا إلى تنوع نشاط الاستثمارات السعودية في الصين، ومشيدًا بتجاوب المملكة مع مبادرة التعاون بين البلدين في الحزام والطريق المستوحاة من طريق الحرير القديم. وتهدف المبادرة إلى تمتع الجميع مع جعل أكثر من 100 دولة توقع مع الصين اتفاقية تشارك في مبادرة الحزام والطريق من ضمنها السعودية.
فرص كامنة
أشاد السفير الصيني في الرياض برؤية السعودية 2030 والفرص الكثيرة الكامنة فيها، متمنيًا أن يوقع الملك السعودي والرئيس الصيني الاتفاقات كافة التي تتوافق مع هذه الرؤية ومبادرة الحزام والطريق، موضحًا أن السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وإفريقيا، وأكبر مزود للصين بالنفط الخام، وأن التعاون الصيني السعودي في مجالات إنشاء البنية التحتية والاستثمار وعقود العمل يشهد توسعًا مستقرًا، ويشهد التعاون بين البلدين تقدمًا مستمرًا في مجالات طاقة الإنتاج والأقمار الاصطناعية والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النووية والطاقة المتجددة والقطاع المالحي وغيرها من المجالات الناشئة.
وقال: "غدت آفاق التعاون أكثر رحابة وستتعزز آفاق التعاون بين الصين والسعودية في ظل التعاون الصيني العربي وتتخذ من التعاون الطاقي محورًا لها، والبنية التحتية والتسيهلات التجارية والاستثمارية كجناحين، واعتماد التعاون في مجال الطاقة النووية، والفضاء والأقمار الصناعية والطاقة الجديدة مجالات جديدة لتحقيق اختراقات في التعاون الثنائي".
شراكة مميزة
وفي أغسطس الماضي، أكد المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة الصين لدى السعودية تشاو ليو تشينج لصحيفة "مكة" أن محددات رؤية السعودية 2030 فتحت آفاقًا مهمة أمام المستثمرين الصينيين للاستفادة من الأهمية الخاصة لمناخ الاستثمار في السعودية الذي يتسم بالاستقرار، ودلل على أهمية العلاقات السعودية الصينية بمؤشرات عدة: أولًا، الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، والسعودية من أكبر المصدرين للصين؛ ثانيًا، حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في عام 2015 نحو 50 مليار دولار، منها 30 مليارًا للسعودية، و20 مليارًا للصين، ما يعني أن الميزان التجاري يميل لصالح السعودية؛ ثالثًا، تبلغ استثمارات الصين في السعودية 3 مليارات دولار، فيما تبلغ استثمارات السعودية في الصين 1.52 مليار دولار، بينها استثمارات شركتي أرامكو السعودية وسابك مع سانوباك الصينية في مجالي النفط والتكرير والبتروكيماويات؛ رابعًا، تعمل في السعودية 150 شركة صينية، معظمها في قطاع المقاولات والبنية التحتية.
ويستدل من تصريحات مسؤولي البلدين أن الصين حريصة على توقيع اتفاقات اقتصادية مع السعودية لإيمانها بأن السعودية دولة لديها صدقية واستقرار سياسي واقتصادي، ولهذا تشهد العلاقات الثنائية تطورًا مستمرًا، خصوصًا أن الصين تبدي استعدادها دائمًا لنقل تقنياتها الصناعية إلى السعودية، وأنها تعتبر السعودية بوابتها إلى دول الشرق الأوسط.
أكثر عمقًا
أكد فهد بن عبدالله الرشيد، السفير السعودي لدى ماليزيا، لصحيفة عكاظ السعودية أن زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى ماليزيا ستجعل العلاقة التجارية بين البلدين أكثر عمقًا وتوسعًا، خصوصًا أن العلاقات بين البلدين قوية ومميزة، "وشهدت في الآونة الأخيرة نقلة نوعية في مختلف المجالات"، لافتًا إلى أن رؤية السعودية 2030 مثلت فرصًا لزيادة حركة التجارة والاستثمار بين البلدين.
وأوضح أن أهم الصادرات السعودية إلى ماليزيا هي النفط الخام والمنتوجات البتروكيماوية والمعدنية المصنعة والبلاستيكية والغذائية، وأهم السلع التي تستوردها المملكة من ماليزيا: زيوت النخيل والمنتوجات والأدوات الكهربائية وإلإلكترونية والغذائية وسبائك الحديد ومنتوجات المطاط.
ووصف العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بالقوية والمتنامية، وقال: "توجد اتفاقيات بين البلدين كاتفاقية التعاون في التجارة والمجالين الاقتصادي والفني، واتفاقية منع الازدواج الضريبي، واتفاقية تعزيز الاستثمارات وحمايتها، وحجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2015 تخطى 4 مليارات دولار، والمملكة تمثل الشريك رقم 19 في قائمة دول العالم من حيث التبادل التجاري مع ماليزيا وتأتي في المرتبة 23 في قائمة الدول التي تستقبل صادرات من ماليزيا".
تبادل ثقافي
الجدير بالذكر أن الميزان التجاري بين السعودية وماليزيا حقق فائضًا لصالح السعودية في عام 2013 يقدر بنحو مليار دولار.
وتبذل المملكة جهودها وإمكاناتها وترصد برامجها لتعزيز التبادل العلمي والأكاديمي وجهدها الفكري واللغوي المكثف بما عزز العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين، من مبادرات مختلفة لخدمة ونشر اللغة العربية في مختلف الولايات الماليزية، ومن ذلك افتتاح معهد "اقرأ" لتعليم اللغة العربية بكوالالمبور، الذي انضم له 1000 دارس في العام الماضي، وتقديم دورات احترافية متخصصة في اللغة العربية للعاملين في قطاع البنوك والمصارف والمهتمين بالاقتصاد الإسلامي ودورات مماثلة لمنسوبي القطاعات العسكرية والشرطة الماليزية بهدف التواصل مع السائح السعودي والعربي بشكل عام.
وأضاف الرشيد أن هناك نسبة من الطلبة الماليزيين يدرسون في الجامعات السعودية في مختلف التخصصات، وأن السعودية تقدم 70 منحة سنويًا للطلاب الماليزيين تستقبلهم في جامعاتها، "وخصّصت جامعة الإمام محمد بن سعود 100 منحة دراسية للطلاب الماليزيين في مختلف التخصصات موزعة لنيل الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وخصصت الجامعات الماليزية للطلبة السعوديين 100 مقعد لدراسة الطب و100 مقعد لدراسة التمريض".
وأوضح أن 1500 طالب سعودي يتوزعون على مختلف المؤسسات التعليمية الماليزية، "يشكلون جسرًا من جسور التواصل الحضاري والثقافي بين البلدين، فالبلدان يرحبان بزيادة التعاون في هذا الجانب، واتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تطورًا ملموسًا في الجانب التعليمي ومختلف المجالات".
منافع متبادلة
إلى جانب الدول الثلاثة المذكورة آنفًا، تشمل الجولة الملكية إندونيسيا. وقال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز ستكون تاريخية، مؤكدًا أنها ستعزز علاقة البلدين، "وستكون ذات منافع متبادلة"، كما صرّح، آملًا توسيع مجالات التعاون بين البلدين، وفتح آفاق جديدة، وتفعيل دور لجنة الصداقة السعودية – الإندونيسية لما لها من دور في تعزيز العلاقات بين البلدين.
وهذه أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى إندونيسيا، وهي ستستمر أسبوعًا بحسب لقمان حكيم سيف الدين، وزير الشؤون الدينية الإندونيسي، الذي أوضح أن القمة السعودية – الإندونيسية ستناقش التعاون الثنائي في قطاع الأعمال، خصوصًا أن البلدين عضوان في مجموعة العشرين، ويمتلكان قدرة كبيرة على التعاون في قطاع الطاقة.
ولا شك في أن زيارة الملك سلمان إلى أندونيسيا سترفد اتفاق السعودية وإندونيسيا على مضاعفة التبادل التجاري الثنائي بين البلدين، ليقفز من 8.5 مليار دولار خلال عام 2015 إلى نحو 17 مليار دولار بنهاية عام 2020، حيث تتحرك الجهات المختصة في القطاعات التجارية والاستثمارية بين الرياض وجاكرتا في اتجاه تحقيق هذا الرقم، من منطلق قاعدة أن للسعودية وإندونيسيا الإمكانات الواسعة والضخمة لتحقيق هذا الهدف. فقد لغت صادرات إندونيسيا إلى السعودية 3.35 مليار دولار في عام 2015، بينما وصل إجمالي الواردات إلى 5.14 مليار دولار.
فرص متاحة
في عام 2016، طرحت الحكومة الإندونيسية فرصًا استثمارية في ثمانية قطاعات للمستثمرين السعوديين، 67 في المئة منها مباشرة ولا تتعلق بالإنتاج. فقد جرى فتح قطاع الصيدلة بنسبة 85 في المئة أمام المستثمرين للاستثمار المباشر، علاوة على تجارة التجزئة بنسبة 49 في المئة، وقطاع النقل بنسبة 67 في المئة، وقطاع السياحة بنسبة 100 في المئة، إلى جانب صناعة الأفلام من إنتاج وتوزيع وغيرها بنسبة 100 في المئة.
إلى ذلك، هناك عديد من التسهيلات التي تقدمها الحكومة الإندونيسية للمستثمرين السعوديين، أبرزها الإعفاء من الضرائب عند التصدير والاستيراد، وإعفاء المعدات التي تدخل للمساهمة في الاستثمار المقام من الضرائب.
كما طرحت فرصًا استثمارية في قطاع الزراعة والصناعة بهدف تعزيز الشراكة بين البلدين، وحثت المستثمرين في السعودية على إقامة مشروعات مشتركة خلال السنوات المقبلة، مع تشديد الإندونيسيين على أهمية التعاون المشترك بين البلدان الإسلامية في ظل المتغيرات العالمية، والعمل على عرض الفرص الاستثمارية والمساهمة في تنمية حركة التجارة بين البلدين، والسعي إلى توفير مناخ أكثر ملاءمة لجذب المستثمرين السعوديين إلى الاستثمار الزراعي والسياحي.
وكانت السعودية أعربت عن رغبتها في التعاون مع إندونيسيا في الرعاية التمريضية المهنية، وإنتاج المنتوجات الدوائية ومستحضرات التجميل والمعدات الطبية، فالسعودية من أكبر الأسواق الرئيسة لإندونيسيا في الشرق الأوسط. السلع التصديرية الرئيسية لإندونيسيا إلى المملكة هي السيارات وزيت النخيل والتونة والمطاط والخشب الرقائقي والورق والمنتجوات الورقية واللب والفحم والغزل والنسيج.
التعليقات