إيلاف: كغيرها من الأسواق العقارية في منطقة الخليج، تأثرت سوق العقارات السعودية بتراجع أسعار العقارات والإيجارات في السنوات الماضية، والذي يمكن ربطه جزئياً بالتوجهات الاقتصادية.

إضافة إلى خفض المملكة العربية السعودية لإنتاج النفط والغاز، أدى تراجع أسعار النفط والغاز، وتصاعد التوترات الجيوسياسية الإقليمية إلى تراجع النمو. تتوقع وكالة "إس آند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية" بأن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة العربية السعودية بنحو 0.4% هذا العام كنتيجةً رئيسة لخفض إنتاج النفط المرتبط باتفاق أوبك لخفض الإنتاج والهجمات الخارجية التي استهدفت معملين لتكرير النفط.&

لقد أثر تراجع الثقة سلباً على قطاعات النمو الرئيسة، مثل العقارات. وتتوقع ريتنجزدايركت في تقرير لها بأن تؤدي الحوافز الحكومية للقطاع الخاص إلى تعزيز الطلب المحلي تدريجياً، في حين أن المشاريع الحكومية الكبيرة ستسهم في دعم النمو أيضاً.&
تقوم المملكة العربية السعودية بإجراء سلسلة من الإصلاحات تتضمن إجراءات اجتماعية تهدف إلى زيادة مشاركة العمال - المرأة العاملة على وجه الخصوص - وتحسين مستويات التعليم، وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.

إلى جانب هذه العوامل، نتوقع تحسناً في معدل النمو الاقتصادي بحيث يصل في المتوسط إلى 2.3% في الفترة ما بين 2020-2022 مما سيدعم سوق العقارات. وبالرغم من استمرار حدة التقلبات السياسية، والتي ستبقى تشكل عائقاً يحد من توقعات النمو في المملكة، إلا أننا لا نتوقع صراعاً مباشراً مع إيران.

التأثير على تصنيفات المُصْدرين السعوديين
نتوقع بأن يكون تأثير تراجع الأسعار والإيجارات على التصنيفات الائتمانية طفيفاً في هذه المرحلة. بلغ تعرض القطاع المصرفي السعودي للعقارات 17% من إجمالي قروض القطاع الخاص كما في منتصف العام 2019، منها 63% لعملاء التجزئة، معظمها عن طريق قروض الرهن العقاري، والباقي لقطاع الأعمال الإنشائية. بالرغم من أنه يبدو بأن البنوك السعودية قد شطبت جزءاً كبيراً من تعرضاتها المتعثرة لقطاع المقاولات، إلا أننا لا نستبعد حدوث بعض التقلبات في مقاييس جودة الأصول في هذا القطاع وذلك بسبب استمرار تكيُّف الاقتصاد.

ارتفعت محفظات قروض الرهن العقاري بوتيرة متسارعة خلال العامين الماضيين، بنحو 30% سنوياً، بدعم من البرامج المدعومة حكومياً والحوافز التنظيمية التي طبقتها مؤسسة النقد العربي السعودي خلال الفترة ما بين 2018-2019. ننظر بإيجابية إلى أن معظم قروض الرهن العقاري بقيت مضمونة إلى حد كبير برواتب المقترضين. وهذا يعني بأن البنوك معرضة لمخاطر البطالة، والتي تظل معدلاتها منخفضة بين موظفي القطاع العام، وليس لمخاطر مرتبطة بأسعار الأصول. كما أن تكلفة المخاطر على قروض الرهن العقاري ما تزال ضئيلة حتى الآن. مع ذلك، فإن جهود الحكومة لتعزيز القدرة على تملك المنازل، بما في ذلك خفض المتطلبات التنظيمية لتعرضات قروض الرهن العقاري (كرفع نسبة القرض إلى القيمة إلى ما بين 90%-95% ووزن المخاطر & الخاص بقروض الرهن العقاري إلى 50%) يمكن أن يؤدي إلى زيادة المخاطر على المدى الطويل. مع ذلك، نعتقد بأننا قد عكسنا المخاطر بشكل جيد في تصنيفاتنا الائتمانية للبنوك السعودية في هذه المرحلة.

ليس للتقييمات العقارية تأثير كبير على التصنيفات الائتمانية لشركات التأمين في المملكة العربية السعودية بسبب الإطار التنظيمي الذي يحدد سقف استثمارات شركات التأمين في العقارات عند 5% من أصولها. ولا يجوز أن يتجاوز الاستثمار في العقارات الحدود المصرح بها عند حساب نسبة الملاءة المالية لشركة التأمين.

توجهات العقارات في المملكة العربية السعودية
تراجع الأسعار والإيجارات في مختلف القطاعات هو التوجه العام للسوق ونرى بأن القطاع سيكون حساساً لأي تغيرات غير متوقعة في النمو الاقتصادي. تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة من حيث المساحة وعدد السكان في مجلس التعاون الخليجي، مع وجود عدد من المدن الكبيرة فيها. نركز في هذا التقرير على أكبر سوقين هما الرياض وجدة. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه قد يكون هناك توجهات متفاوتة في مدن أخرى وذلك بحسب التركيبة السكانية، والعرض (الحالي والمستقبلي)، والطلب.

تعرض قطاع العقارات السكنية لضغوط نتيجةً لعودة العمال الأجانب لبلدانهم
تراجع أداء القطاع، وتراجعت أسعار العقارات السكنية بنسبة تراوحت ما بين 5%-6% على أساس سنوي، وتراجعت الإيجارات بنسبة 1% وفقاً لتقرير وكالة جونز لانج لاسال العقارية للربع الثالث من العام 2019. من المتوقع أن يرتفع العرض ولو ببطء، مما يعني بأنه من المتوقع أن تظل الإيجارات وأسعار العقارات السكنية تحت الضغط. يبدو بأنه سيكون هناك طلب جيد على الوحدات ذات الأسعار المعقولة والحديثة، ولكن السوق إجمالاً يعاني من تراجع الأسعار. ويرجع ذلك إلى مغادرة العمال الأجانب للمملكة بعد زيادة الضرائب وفرض ضرائب جديدة على الوافدين وأفراد أسرهم.&

تُظهر الإحصاءات الرسمية لعدد العمال تراجع العمالة غير السعودية بنحو 1.9 مليون عامل منذ العام 2017. مع ذلك، نعتقد بأن المبادرات الحكومية، كتلك التي تشجع المطورين على بناء منازل بأسعار معقولة أو التي تشجع البنوك على توفير المزيد من خيارات تمويل المساكن، ستؤدي إلى زيادة معدلات امتلاك المنازل بين السعوديين. وافقت المملكة العربية السعودية مؤخراً على برنامج يمنح إقامات دائمة لبعض الأجانب بهدف جذب الاستثمارات، والتي من الممكن أن تؤدي إلى دعم الأسعار. إضافة إلى ذلك، نتوقع بأن يؤدي تطوير القوانين إلى تعزيز الشفافية والاستثمار في القطاع.

الشركات الحكومية تعزز الطلب على المكاتب ذات الجودة
نفهم بأن سوق العقارات التجارية مضطربة إلى حد كبير، مع محدودية المعروض الجديد قيد الإنشاء في السوق. وبحسب تقارير جونز لانج لاسال استقرت في مدينة الرياض إيجارات المكاتب في المواقع المميزة وذات الخدمات الممتازة والجودة العالية، وقد جاء ذلك كنتيجةً جزئية للطلب من الشركات الحكومية المنشأة حديثاً، والتي جاءت نتاجاً لرؤية المملكة 2030. هذا الطلب على الأصول ذات الجودة والخدمات الممتازة قد يؤدي إلى حدوث اتجاهات متباينة؛ لأن غالبية المكاتب المتوافرة ليست من الدرجة أ.&

من الضغوط الأخرى على القطاع ازدياد شعبية المكاتب المشتركة، لاسيما بالنسبة لحاضنات الأعمال والشركات الناشئة. أما في جدة فإن التوجه سلبي، مع نسبة شغور عالية وصلت إلى 21%. على العموم، من المتوقع حدوث المزيد من التراجع في الإيجارات، بالرغم من محدودية المعروض الجديد في السوق، وذلك بسبب تصاعد المنافسة.

من المتوقع استمرار المنافسة العالية في عقارات التجزئة
يرى التقرير بأن السمتان البارزتان لسوق عقارات التجزئة في المملكة هي التنافسية العالية جداً وقلة التنظيم، خاصة خارج المدن الكبيرة. لقد أدى ضعف النمو الاقتصادي إلى تراجع نشاط التجزئة، والذي أدى بدوره إلى التأثير سلباً على إيجارات التجزئة. وبحسب جونز لانج لاسال، تراجعت الإيجارات في الرياض وجدة، لاسيما مراكز التسوق متوسطة الحجم الإقليمية ومراكز التسوق في المجمعات السكنية، بنسبة 5% على أساس سنوي وتتجه نحو المزيد من الانخفاض. بالمقابل نعتقد بأن مراكز التسوق الإقليمية الكبيرة نجحت في الحفاظ على استقرار الإيجارات نظراً لجودة أصولها، وافتتاح مراكز ترفيهية جديدة بداخلها، واشتمالها على المزيد من العلامات التجارية المتنوعة. وتشير جونز لانج لاسال إلى أنه هناك مساحات واسعة قابلة للتأجير من المقرر أن يتم تسليمها حتى العام 2021، مما سيزيد من المنافسة ويقيد الإيجارات. ومن المتوقع بأن يتم تسليم 400,000 متر مربع قابلة للإيجار في الرياض، والتي تمثل 18.3% من المساحة الحالية، وأن يتم تسليم 285,000 متر مربع مساحة قابلة للإيجار في جدة، أي ما يمثل 20% من المساحة الحالية.&

أعلنت الحكومة السعودية عن عدد من الإصلاحات في إطار رؤية المملكة 2030. وقد تضمنت إصدار تأشيرات زيارة سياحية لجذب السياح الدوليين، وتطوير القطاع الترفيهي من خلال افتتاح دور السينما ووجهات جذب جديدة، وزيادة مشاركة النساء في سوق العمل. هذه العوامل ستساعد في دفع عجلة نمو قطاع العقارات.&

أوجه التشابه والاختلاف مع جيران المملكة
الفرق الرئيس بين المملكة العربية السعودية والدول المجاورة هو الحجم الكبير لسكانها المحليين ونوعية التركيبة السكانية.

قدر عدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة بنحو 9.5 مليون نسمة في العام 2018، يمثل مواطنو الإمارات ما بين 10%-15% فقط من تعداد السكان. علاوة على ذلك، في مدينة مثل دبي يملك الجزء الأكبر من العقارات وافدون أو مستثمرون دوليون. نعتقد بأن السوق سيبقى تحت الضغط في الفترة ما بين 2019-2020، دون توقعات بحدوث تحسن ملموس في المدى القريب؛ وذلك بسبب عدم التوازن بين العرض والطلب. قد يكون لمعرض إكسبو 2020، الذي من المتوقع أن يجذب ملايين الزوار إلى دبي، تأثير إيجابي على توجهات السوق. ومقارنة بالدورة العقارية السابقة، نعتقد بأن حدوث انتعاش ملموس في السوق سيستغرق وقتاً أطول وذلك لأن تراجع الأسعار خلال هذه الدورة كان تدريجياً. تم تشكيل "اللجنة العليا للتخطيط العقاري" في سبتمبر 2019 لإدارة الخلل الحاصل بين العرض والطلب في سوق العقارات في دبي. ولكن من غير الواضح حالياً كيف سيكون عمل اللجنة وكيف سيكون تأثيرها على السوق. ولكن مع توقعات بتسليم 122,000 وحدة سكنية خلال الأشهر 24-30 المقبلة (تقرير جونز لانج لاسال للربع الثالث للعام 2019)، والتي من المفترض أنه قد تم بيع معظمها، فإن أي تراجع حقيقي للعرض سيكون بعد العام 2022.&

في قطر تراجعت الأسعار ما بين 23%-27% منذ أعلى ارتفاع وصلت له في العام 2015، وفقاً لمؤشر أسعار العقارات لمصرف قطر المركزي. هذا بالرغم من ارتفاع عدد السكان إلى 2.8 مليون نسمة في أكتوبر 2019 من 2.4 مليون نسمة في ديسمبر 2015 وفقاً لجهاز التخطيط والإحصاء القطري. بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط. إلى جانب ذلك يرجع انخفاض أسعار العقارات في قطر إلى مقاطعة بعض الدول الخليجية المجاورة لقطر منذ يونيو 2017، والذي أثر بشكل كبير على أسواق العقارات والسياحة والأعمال الإنشائية. ومع استمرار التوتر في العلاقات الجيوسياسية بين قطر وجيرانها لا نتوقع أي تعافٍ ملموس في أسعار العقارات والإيجارات في المستقبل القريب.&

بالمقارنة، يبلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية نحو 34 مليون نسمة، يشكل المواطنون السعوديون ما بين 60%-65% منهم. وبحسب برنامج الإسكان، أحد برامج رؤية المملكة 2030، بلغ معدل امتلاك المنازل بين السعوديين 50% في العام 2016، وتهدف الحكومة إلى زيادة نسبة تملك المواطنين إلى 60% بحلول العام 2020 و70% بحلول العام 2030، ولتحقيق هذا الهدف سعت الحكومة إلى رفع حجم التمويل العقاري المتاح من القطاع الخاص وتعزيز توافر المساكن لذوي الدخل المحدود والمتوسط، مع إطلاق برامج إسكان اجتماعية تعاونية لزيادة العرض.

فرص السوق قادمة
نعتقد بأن المملكة العربية السعودية لديها الفرصة لإدارة المعروض بشكل أفضل من جيرانها، وذلك لامتلاكها مفتاح قوة رئيسي يتمثل بتزايد عدد السكان والتغير السريع للتركيبة السكانية. تتراوح أعمار نحو 60% من السكان ما بين 15-54 عاماً، وهي الشريحة التي تمتلك دخلاً متزايداً قابلاً للتصرف وترغب بتحسين جودة المعيشة، وتفضل العيش في الأماكن القريبة من مراكز المدن. وفي الوقت نفسه، إن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل سيؤدي إلى زيادة القوة الشرائية للأسر.&

يمكن للمملكة أيضاً التخطيط بشكل استباقي لمفاهيم جديدة تؤثر على سوق عقارات التجزئة التقليدية مثل المساحات المكتبية المشتركة، ومجمعات السكن المشتركة، والتسوق الإلكتروني.

إن توجهات النمو السكاني في المملكة العربية السعودية، إلى جانب الإصلاحات الحكومية والنمو الاقتصادي المحتمل كلها عوامل تدعم سوق عقاري مستدام في المدى المتوسط ومن الممكن أن تؤدي إلى تفوق المملكة على جيرانها في هذا القطاع.


&