الرياض: توقعّت الشابة السعوديّة رؤى الموسى أن تنتظر طويلا قبل أن تجد عملا بعد نيلها شهادتها الجامعية، لكنّها تخرجت في خضم سياسة انفتاح اقتصادي واجتماعي أدّت الى اجتياح نسائي لسوق العمل بالمملكة.

وتعمل رؤى (25 عاما) من فترة بعد الظهر وحتى المساء مرشدة في مؤسسة حكومية في الرياض ضمن فريق عمل يضم عشر فتيات وستة رجال، لتساهم في جزء من راتبها في مصاريف أسرتها المكوّنة من تسعة افراد.

تقول الشابة لوكالة فرانس برس "أردت أن أتفوّق خلال دراستي حتى أحصل على وظيفة أكاديمية لأن هذا كان أفضل المتاح لنا. لكن اختلافا كبيرا حصل خلال الأربع سنوات الماضية. توفّر للنساء العمل في وظائف لم تكن متاحة أبدا". وتضيف "كل صديقاتي الآن تقريبا يعملن، وحين لا تتوظف إحداهن يبدو الأمر غريبا".

لعقود مضت، أجبر المجتمع المحافظ المرأة على البقاء خارج سوق العمل الرئيسة، فانحصرت وظائف غالبية النساء بالقطاعين الصحي والتربوي، في ظل نظام ولاية الرجل الذي منح الذكور حق الموافقة على عمل المرأة.

في منتصف 2016، طرح نجل العاهل السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية اقتصادية بهدف تنويع الاقتصاد ووقف ارتهانه التاريخي للنفط تقوم بشكل رئيسي على دعم قطاعي السياحة والترفيه، وإشراك ملايين النساء في سوق العمل مع تقليص قيود نظام الولاية.

وبدأت النساء بعد أشهر قليلة بالتقدم للحصول على وظائف في مجالات لم تكن متاحة أمامهن من قبل، فتسلّمن مناصب عليا في مؤسسات مالية وحكومية، ودخلن مضمار الرياضة وتنظيم الحفلات الموسيقية وغيرها.

حازت الشابة السعودية فاطمة الدخيل فرصة عمل مناسبة بعد أشهر من البحث، لكنها استلمت عملها قبل أسابيع فقط من اتخاذ المملكة تدابير صارمة لمواجهة فيروس كورونا المستجدّ، ما يشكل لها بعض الإحباط حاليا.

وأغلقت الدولة النفطية المدن وفرضت حظر تجول على مستوى البلاد في إطار تدابير الوقاية من وباء كوفيد-19. وسجلت أكثر من 17 ألف إصابة بالفيروس بينها 139 وفاة.

ودفع الإغلاق فاطمة (25 عاما) التي تعمل مسؤولة مشتريات في فرع شركة فرنسية في مدينة الخبر في شرق السعودية، ومئات الألوف من الموظفين الى العمل من منازلهم.

تقول الشابة التي تخرجت في قسم إدارة الأعمال في جامعة أوكلاهوما الأميركية في مايو الفائت لوكالة فرانس برس عبر الانترنت "في بداية الأزمة شعرت بإحباط كموظفة جديدة وخشيت أن أخسر وظيفتي خصوصا أنني كنت مرتاحة لبيئة العمل"، لكنني "أبذل مجهودا في البيت ليماثل المجهود في المكتب". وتقول الدخيل بحماس "كل صديقاتي التحقن بسوق العمل تقريبا"، معربة عن تفاؤلها بأن "كورونا أزمة وستمر".

تأنيث الطاقم
على مدى أكثر من ثلاث سنوات، توغّلت النساء السعوديات في مفاصل الحركة الاقتصادية، فعملن ضابطات في منافذ حدودية بينها المطارات، وموظفات بقوات الحماية المدنية، ونادلات في عربات طعام، وبائعات في متاجر أحذية.

ويتحدث موظفون رجال عن كيفية تغيّر أماكن عملهم في فترة قصيرة مع إضافة مثلا دورات مياه مخصّصة للنساء فيها. التحقت البائعة السعودية سارة الدوسري منذ ستة أشهر بالعمل بمحل للملابس تديره ثلاث نساء في مركز بانوراما التجاري في وسط الرياض.

تقول الدوسري (23 عاما) إنّ "نظرة الناس للفتاة العاملة كانت سيئة. أي فتاة تعمل كان ينظر إليها بطريقة" سلبية. بلغ إجمالي عدد النساء اللواتي يعملن في السعودية 1,03 مليون امرأة من بين 3,1 ملايين سعودي، أي أنهن يشكّلن ما نسبته 34,7 بالمئة من اليد العاملة، بحسب الاحصاءات الرسمية للربع الثالث في 2019، وذلك مقارنة مع 816 ألفا في 2015.

وتشير إحصاءات الربع الثالث لعام 2019 إلى أنّ النساء يشكّلن 83,6 بالمئة من الباحثين السعوديين عن عمل. ويمثل الشباب بين 20 و40 عاما نحو 40 بالمئة من سكان السعودية البالغ عددهم 20,7، ونصفهم من النساء.

في مركز بانوراما، تتولى الموظفة رودينا مأمون منذ ثلاث سنوات مهمة "تأنيث" طاقم العمل في خمسة متاجر لشركة أكسسوارات نسائية.

تقول مأمون التي وظفت 19 شابة محل 20 شابا "الزبائن، وخصوصا النساء، يشعرن براحة أكبر (مع البائعات)، وقد ارتفعت المبيعات والأرباح".

لكنّ وباء كورونا غيّر كل الخطط وحبس الموظفين وبينهم الموظفات الشغوفات، ببيوتهن. بالنسبة الى مأمون، "الدنيا في حالة موت. لقد توقف كل شيء بسبب كورونا".

عصر المرأة
ومنذ تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 2017، تشهد السعودية تغييرات اجتماعيّة كبيرة إلى جانب الإصلاحات الاقتصاديّة، من بينها السماح للنساء بقيادة السيارات، وإعادة فتح دور السينما، وإقامة الحفلات الموسيقية، والاختلاط بين النساء والرجال في الأماكن العامة. ويساهم عمل المرأة السعودية في تحسين الوضع المعيشي للسعوديين.

تقول المديرة التنفيذية لمجموعة "سامبا" المالية رانيا نشار وهي أول سعودية تتولى مثل هذا المنصب الرفيع إنّ "تمكين المرأة السعودية يعني تمكين الأسرة السعودية".

تتابع أنّ السعوديات "لديهنّ طموح وشغف للعب دور في صياغة مستقبل بلادهنّ"، مشيرة إلى إضافتهنّ "روح مبادرة وابتكار يثري بيئة العمل".

ويقول عضو الجمعية السعودية الاقتصادية عبد الله المغلوث لوكالة فرانس برس "هناك تسونامي قادم للمرأة السعودية"، مضيفا "الآن هو عصر المرأة".