إيلاف من بيروت: تراجع حاد في إنتاجية المحصول تعانيه زراعة القطن في عموم سوريا، المصنّفة اليوم ضمن قائمة البلدان الأكثر فقراً في العالم، والتي كان يعوّل قطاعها الزراعي والصناعي على ما يطلق عليه بالذهب الأبيض كأحد أهم الروافد الإقتصادية المشكلة قبيل الأزمة السورية.

وكانت هذه تعد ثروة رديفة لخزانتها قبل أن تكتوي البلاد بأتون الحرب، والفقر وفقدان الأمان وموجات الجفاف والتصحّر التي أخرجت آلاف الهكتارات الزراعية من دائرة الاستثمار الزراعي. وتسبّبت الحرب بهجرة المزارعين وتوقّف بعض محالج القطن ومصانع الغزل والنسيج، ومختلف المنتجات القطنية عن العمل وبطالة العاملين بعد تدمير بناها التحتية وهجرة الصناعيين منها إلى خارج البلاد.

وتعتمد سوريا في إنتاج ذهبها الأبيض على سلّتها الزراعية في المحافظات الشرقية والشمالية كدير الزور والرقة والجزيرة السورية التي تتوفّر فيها مقوّمات الزراعة.

وتتميز محافظة دير الزور بحسب زهير جدعان، وهو مزارع ثلاثيني منحدر من بلدة بو حسن بريف دير الزور، بمقومات إنتاجية واسعة لزراعة نفط سوريا الأبيض نظراً لتوفّر مساحات شاسعة للزراعة، ومرور نهر الفرات وسطها للري.

لكن استهداف المحافظة، كما يبيّن جدعان، لعمليات إرهابية تنفّذها الخلايا النائمة لتنظيم داعش، إلى جانب منع الدولة التركية تدفّق مياه الفرات بين الحين والآخر حال إلى تدنّي مواسم القطن.

وأضاف: "هناك صعوبات كبيرة يواجهها المزارعون في المحافظة انطلاقاً من انهيار العملة السورية إلى صعوبة التسويق وتهديدات داعش للمزارعين والجفاف...كل هذه الظروف مجتمعة وضعت مستقبل الذهب الأبيض في دائرة الخطر".

البيع بالليرة المتهالكة

ويثير تحديد شراء المحاصيل الزراعية ومنها القطن استياء المزارعين في غالبية المحافظات السورية على اعتبار أنهم يشترون مستلزماتهم الزراعية بالعملة الأجنبية والبيع للمؤسّسات الحكومية يكون بالليرة السورية المتهالكة كما يشير المهندس الزراعي علي غليص من مدينة الرقة.

وأضاف "أنّ الفلاحين يشترون الأسمدة والبذار والمبيدات بالدولار بينما المؤسّسات الحكومية والأخرى التابعة للإدارة الذاتية تحدّد أسعار شراء المحاصيل بالليرة السورية المتأرجحة بين الصعود والهبوط، وأمام هذه الخسائر الفادحة يضطر المزارعون إلى هجرة أراضيهم والبحث عن سبل جديدة للعيش".

ورفعت اللّجنة الإقتصادية الحكومية سعر كيلو القطن للعام الحالي إلى 2500 ليرة سورية (الدولار 3600 ليرة سورية) وكانت قد حدّدت تسعيرتها في أذار/مارس الماضي ب 1500 ليرة سورية وهذا لن يعوّض الفلاحين خسارتهم بحسب جدعان قائلاً: "وجب على الحكومة السورية والإدارة الذاتية تحديد التسعيرة بالدولار لنعوّض خسارتنا".

من التصدير إلى الإستيراد

احتلّت سوريا قبل أزمتها في 2011 مراتب متقدّمة عالمياً بإنتاج القطن وتصديره، ولكن بعد الأزمة أعلنت ولأول مرة في تاريخها أنّها ستستورد المادة لاستمرار مصانعها في العمل!

فقبل أيام سمحت اللّجنة الإقتصادية الحكومية للقطاع العام والصناعيين باستيراد الخيوط القطنية والقطن المحلوج كحل إسعافي عقب خروج مواسم محاصيل القمح من خطة الإكتفاء الذاتي بعد موجات الجفاف التي شهدتها البلاد العام الجاري واستيراد القمح من روسيا، وتلاها قرار مماثل باستيراد القطن وبهذا انتقلت سوريا من بلد مصدّر ومنتج للقطن إلى مستورد.

وأفاد الدكتور المختص في الشؤون الإقتصادية زهير شماس أنّ سوريا كانت قد احتلت المرتبة الثانية عالمياً في سوق الإنتاج النسيجي للقطنيات العضوية قبل 2011 حيث أسهمت بشكل كبير في الإنتاج العالمي.

وبيّن شماس "أنّ 65% من صادرات الغزل النسيجية السورية قبل الأزمة كانت تذهب إلى دول أوروبا الغربية". مضيفًا: "في 2010 وصل حجم مخزون القطن إلى 15 مليار ليرة سورية، وشكل 62% من مجمل مخزون الصناعات النسيجية، 66%من مجمل مخزون المنتجات الصناعية النسيجية للقطاع العام."

وأردف القول إنّ الأضرار التي لحقت بالمصانع والمعامل ومحالج القطن وتفرّق المحافظات عن مركز العاصمة دمشق بعد تقطيع أوصال البلاد من قبل التنظيمات الإرهابية، وفي قائمتها تنظيم داعش وسيطرته على عدد من المدن الزراعية السورية، أدّى لانهيار تام في إقتصاد البلاد.

ونوّه شماس إلى أنّ الخلايا التابعة لتنظيم داعش ما زالت تهدّد المزارعين وتجبرهم على دفع الأتاوات لها، كما تخطف الشاحنات المحمّلة بشحنات البذار والأسمدة والمبيدات الداخلة لدير الزور والرقة وريف حماة والسويداء ومحافظة الجزيرة. وإلى جانب هذا تنفّذ أحيانًا إعدامات ميدانية بحق التجار والفلاحين وموظّفي المؤسّسات الزراعية مثيرة بذلك الذعر والهلع بين المزارعين الذين يستغنون عن أرزاقهم وزراعتهم ويفرون لمناطق أكثر أمنًا خوفًا على حياتهم تاركين حقولهم التي بات يهدّدها التصحّر والجفاف".