باتت مصر أكبر مشترٍ للذهب بين البنوك المركزية في العالم خلال الربع الأول من العام الجاري، وسط حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي جراء الحرب الروسية في أوكرانيا تعاني آثارها الأسواق المصرية والعالمية، وغياب للمعلومات الرسمية حول الإقبال المصري على المعدن الأصفر في هذا التوقيت.
وقد أشار تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي قبل أيام إلى أن البنك المركزي المصري اشترى 44 طنًا من الذهب خلال شهر فبراير/ شباط الماضي ليرتفع إجمالي ما يملكه بنسبة 54% ويصل إلى 125 طنًا، وهو بذلك يعادل 17% من إجمالي الاحتياطيات المصرية، كما أنه الأعلى بين دول المنطقة.
ويتألف مجلس الذهب العالمي من الشركات الرائدة في مجال تعدين الذهب وتأسس عام 1987 ويتخذمن لندن مقرًا له.
ولم يصدر البنك المركزي المصري أي بيانات حول عمليات شراء الذهب أو توضيحًا لأسباب اتجاهه في هذا الشأن، كما لم يرد على سؤال من بي بي سي في هذا الشأن حتى الآن.
وينتقد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور محمد أنيس، غياب المعلومات بعد كل عملية شراء كبرى مؤكدًا أهمية الشفافية للأسواق.
كيف تعكس الإعلانات التجارية التناقضات الصارخة في المجتمع المصري؟
إنتاج مسلسلات رمضان يكلف المليارات في ظل أوضاع اقتصادية خانقة
ويوضح أنيس لبي بي سي أن بعض المعلومات فاصلة للحكم على قرارات الشراء، مثل توقيته إذا كان قبل بداية الحرب في 24 فبراير/ شباط أم بعدها، لأنه إن كان قبلها فقد يعد ملاذًا آمنًا حيث ارتفعت أسعار الذهب كثيرًا فيما بعد.
ويضيف عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع أن أسئلة أخرى ضرورية في هذا الشأن قائلًا: "منالمهم معرفة إذا كان الشراء بالدولار مباشرة أم بعملات أخرى مثل اليورو، لأن هناك عملات تراجعت، وهل كانت الودائع الخليجية في مصر مثلًا ذهبا بدلًا من الدولار؟ وهل الشراء في غالبه محلي بالجنيه المصري؟".
منجم السكري
وتنتج مصر ما يقرب من 16 طنا من الذهب سنويًا، ويأتي معظمه من خلال منجم السكري في صحراء النوبة، وفقا لإحصاءات وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية.
وزاد اهتمام الحكومة المصرية بإنتاج الذهب المحلي وشراء كمية منه بشكل شهري من الشركة صاحبة امتياز منجم السكري منذ عام 2017 وانعكس ذلك على احتياطاتها من الذهب.
وترجع سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر السابقة، اتجاه البنك المركزي لشراء الذهب لتعزيز الاحتياطي إلى تذبذب قيمة العملات.
هل كان يمكن لمصر تفادي طلب دعم صندوق النقد الدولي؟
وتقول الدماطي لبي بي سي: "في الفترة الماضية وجدنا دولًا مثل روسيا والسعودية والصين تقوم بالتبادل التجاري بعملات غير الدولار، وهذه النظم إن تم تثبيتها فستؤثر على حجم التبادل بالدولار، ولهذا فالذهب خطوة أساسية لتعزيز احتياطات الدول إذا تذبذبت العملات"، بحسب تعبيرها.
"الدولار أفضل من الذهب"
ويختلف هاني توفيق، الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية، مع ذلك إذ يرى أن الوقت الحالي هو الأنسب لبيع الذهب وليس لشرائه بسبب ارتفاع سعره والوضع الاقتصادي المتأزم.
ويوضح توفيق لبي بي سي قائلًا: "كان الأفضل الاستثمار في الدولار لأنه لا يواجه مخاطر حاليًا وتشجيع الاستثمار لزيادة التصدير وجلب العملات الأجنبية".
يذكر أن الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي قد انخفض بنحو 3.9 مليار دولار بنسبة 9.5% ليسجل بنهاية مارس/ آذار الماضي 37 مليار دولار تقريبًا.
وأرجع البنك المركزي المصري الأسباب إلى تفاوت قيمة استثمارات الأجانب وسداد المديونية الخارجية للدولة واستخدام جزء من الاحتياطي النقدي لتغطية احتياجات السوق المصري، فيما سماه "مواجهة صدمة الأسواق الدولية".
وارتفع معدل التضخم السنوي في مصر لأعلى مستوى له منذ يونيو/ حزيران عام 2019، حيث بلغ12.1% في شهر مارس/ آذار، مقابل 4.8% في الشهر نفسه من العام الماضي. كما سجلت مصر زيادة في معدل التضخم الشهري بنسبة 2.4% في مارس/ آذار عن الشهر السابق.
وتأثرت مصر بالغزو الروسي لأوكرانيا على المستوى الاقتصادي، إذ انخفضت قيمة العملة المحلية، وتراجعت معدلات السياحة التي تعتمد عليها البلاد.
وكان ما يُعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته مصر منذ عدة سنوات قد أدى إلى زيادة واضحة في مؤشرات قياس أداء الاقتصاد المصري، مثل الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى 408 مليار دولار نهاية العام المالي الماضي، والذي يشير إلى قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة داخل الدولة خلال فترة ما، ومعدل النمو الذي وصل إلى 3.3 في المئة رغم تداعيات وباء كورونا.
الاستثمارات الأجنبية
ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي السابق في جامعتي لندن وإكستر، ناصر قلاوون، أن اتجاه البنك المركزي المصري لشراء الذهب يأتي جزئيًا لتغطية العملة ولتشجيع المستثمرين الأجانب برسالة مفادها أن "لديه شجاعة وسياسة متكاملة لمحاربة التضخم وتعزيز احتياطاته، كما تفعل تركيا"، على حد تعبيره.
وخلال الفترة القليلة الماضية، خرجت استثمارات عديدة من مصر بعد قرار الفيدرالي الأمريكي رفع قيمة الفائدة، غير أن مصر استقبلت بعدها ودائع من دول خليجية بالدولار وباعت حصصا حكومية في شركات مصرية.
وأتت مصر متصدرة قائمة المشترين في تقرير مجلس الذهب العالمي للربع الأول من العام الجاري تلتها تركيا والهند وأيرلندا، غير أن كازاخستان أتت في المركز الأول على مستوى البائعين تلتها أوزباكستان ثم قطر.
ولا يزال تقرير المجلس هو مصدر كل هذه المعلومات عن نهم مصر لشراء الذهب لدعم الاحتياطي، دون أي إيضاح من جهة مصرية بتفاصيل قد تساعد المستثمرين في فهم السياسات النقدية والاقتصادية للحكومة المصرية وتخفف الجدل -على الأقل بين بالخبراء- حول مدى تأثير هذه الخطوة إيجابًا أو سلبًا على الاقتصاد المصري.
التعليقات