لندن: بعدما هيمن الدولار على الأسواق في 2022، بدأت العملات الكبرى الأخرى تنتعش، غير أن هذا النهوض قد يكون لفترة عابرة في ظل المشكلات التي تهدد الاقتصاد العالمي، برأي مراقبين.

قالت جاين فولي المكلفة إستراتيجية تداول العملات لدى "رابوبنك" لوكالة فرانس برس "مع أن الدولار بدأ على الأرجح يبلغ سقفه، نعتبر أن ذلك سيكون عملية طويلة ومتقلبة، لا سيما وأنّنا نتوقع استمرار التضخم".

ومن المحتمل أن يعاود اليورو التراجع بعدما تدنّى عن سعر دولار لليورو خلال الصيف لأول مرّة منذ طرح في التداول عام 2002.

أما الجنيه الإسترليني الذي تراجع إلى حدّ أدنى تاريخي دون 1,05 دولار في أيلول/سبتمبر قبل أن يعاود الارتفاع، فقد يتدنى عن عتبة 1,20 دولار عام 2023، بحسب رابوبنك.

من جهته، تراجع الين في تشرين الأول/أكتوبر إلى أقل من 150 ينا للدولار الواحد لأول مرة منذ 1990.

وطبع العام 2022 بمعركة الاحتياطي الفدرالي الأميركي ضد التضخم. فبعدما اعتمد معدلات فائدة رئيسية بأدنى مستوياتها التاريخية قاربت الصفر في نهاية 2021، عاد البنك المركزي الأميركي ورفعها في تشرين الثاني/نوفمبر إلى ما بين 3,75 و4%، وهي أعلى مستوياتها منذ 2008.

لكن مع تزايد مخاطر الركود في الولايات المتحدة، أعلن الاحتياطي الفدرالي أنه قد يبطئ وتيرة زيادة معدلات الفائدة، ما سمح للعملات الأخرى بالارتفاع مجددا مقابل الدولار.

وأكد غريغ داكو رئيس قسم الاقتصاد لدى "إي واي بارثينون" أن "الفارق في معدلات الفائدة قد يتقلص خلال الأشهر المقبلة" إذ يواصل البنك المركزي الأوروبي والمؤسسات المالية الكبرى الأخرى مكافحة الارتفاع الحاد في الأسعار.

لكنّه أكد أن ذلك لن يؤدي حكما إلى "تصحيح كبير" لأن "الدولار سيبقى ملاذا".

وفي هذه الأثناء تبقى الآفاق قاتمة أمام الاقتصاد العالمي.

وحذر فرانسيسكو بيسولي خبير إستراتيجيا العملات في "آي إن جي" بأن "المملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان كلها مكشوفة على التقلبات المرتبطة بالغاز".

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو ردا على هجومها، بلبلة كبيرة في إمدادات الغاز العالمية، ما تسبب بارتفاع حاد في أسعار الطاقة وأجّج بالتالي التضخم مع إضعاف النمو.

وإذا تأكدت إعادة فتح الصين بعد تدابير الحجر الصحي المطولة التي فرضتها الحكومة لمكافحة كوفيد-19، حذرت فولي بأن طلب ثاني قوة اقتصادية في العالم على الطاقة "سيزيد حدّة المنافسة في السوق للتزود بالغاز الطبيعي المسال".

وتبقى الولايات المتحدة أكثر استقلاليّة بفضل مواردها الطبيعية الكبرى.

ومن المواضيع الأخرى الواجب مراقبتها بحسب المحللة "نهاية ولاية هاروهيكو كورودا" رئيس البنك المركزي الياباني في الربيع، إذ "قد تبعث أملا في تعديل السياسة النقدية" المرنة للغاية حاليا في اليابان.

وفي المملكة المتحدة، لفتت إلى أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول إيرلندا الشمالية قد تنعكس سلبا على الجنيه الإسترليني في حال حدث توتر.

بالرغم من انتعاشه مؤخرا، يبقى اليورو في تراجع 7,7% بالنسبة للدولار منذ بداية السنة، ما سيجعل من 2022 أسوأ عام للعملة الأوروبية الموحدة منذ 2015.

ولم يكن البنك المركزي الأوروبي يتردد في السابق في إغراق السوق بالسيولة إذ كان التضخم منعدما، وكانت العملة الضعيفة تعطي أفضليّة للمصدرين الأوروبيين.

أما الآن، فانعكست المعادلة إذ علّق بيسولي بأن "عملات أعلى سعرا تشكّل أداة لمكافحة التضخم، وإذا ضعف الدولار مجددا، فهذا سيساعد الدول الأخرى على الحد من ارتفاع الأسعار".

وبما أن سعر المواد الأولية كالنفط في السوق العالمية يحدد بالدولار، فإن انتعاش أسعار العملات مقابل الدولار ستكون له انعكاسات تتخطى المبادلات مع الولايات المتحدة.

أما في الولايات المتحدة، فإن تراجع العملة الأميركية ستكون له نتائج إيجابية محدودة لأن "الصادرات ليست جزءا مهما من النمو الأميركي، براي جو مانيمبو المحلل لدى شركة كونفيرا للخدمات المالية.