لأكثر من عامين كانت مشكلة "حماد" وهو اسم مستعار لصاحب شركة استيراد بمصر، أن يحصل من البنوك على الدولارات اللازمة لاستيراد بضائعه من الخارج.
فالبنوك تحدد سعرا رسميا لصرف الدولار أمام الجنيه وهو حاليا 31 جنيها تقريبا للدولار وثابت منذ قرابة عام، ولكن عند طلب دولارات من البنك وفقا لهذا السعر يكون الرد عدم توافر العملة الصعبة، بحسب حماد.
وتعاني مصر شحا في العملات الأجنبية منذ نحو عامين واختلافا بين سعر الدولار في البنوك والسوق الموازية قد يصل إلى الضعف.
- الجنيه المصري: مصريون يشكون الغلاء في ظل هبوط غير مسبوق لعملتهم المحلية
- الجنيه المصري: كيف يمكن للحكومة حل الأزمة بأقل الخسائر؟
تحول مفاجئ
يقول حماد لبي بي سي إنه طوال هذه الفترة كان يلجأ مضطرا للسوق الموازية أو السوداء للحصول على الدولارات اللازمة لتسيير أعمال شركته، ولكن في الوقت نفسه يوضح "كل مرة لها ظروفها، فأحيانا يقبل البنك الدولارات التي وفرتها من السوق السوداء وأحيانا يرفض، وكنت أضطر لمقايضة أحد من يملكون دولارات بالبنك وأحصل عليها منه بالسعر الرسمي في البنك وادفع له الفارق الموازي لسعر السوق السوداء خارج البنك".
لكن حدث تحول مفاجئ الأربعاء حينما فوجئ حماد بأن إدارة البنك الذي يتعامل معه تخبره بأنه "يمكنه الإيداع مقابل فتح الاعتماد المستندي اللازم لاستيراد بضائعه بالجنيه المصري والبنك سيوفر له الدولارات اللازمة ولكن لم يحدد السعر وقيل له أن يترك الأمر لوقته"، بحسب حماد.
يوضح حماد أنه أودع بالفعل أكثر من 150 مليون جنيه مصري في البنك تمهيدا لفتح اعتمادات مستندية لاستيراد بضائعه، وفي انتظار أن تخطره إدارة البنك بتوفير الدولار بالسعر الذي لا يعلمه حتى الآن.
حماية أم تعويم؟
هذا التحول الذي فوجئ به حماد تزامن مع حزمة قرارات للحماية الاجتماعية أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الخميس، منها رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، وزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1,000 إلى 1,200 جنيه شهرياً بحسب الدرجة الوظيفية، اعتباراً من الشهر المقبل.
قرارات السيسي ستكلف موازنة الدولة حوالي 180 مليار جنيه، وهي قرارات غير مسبوقة في نسب الزيادات التي أضيفت للأجور والمعاشات وبرامج الحماية، مما دفع بعض المراقبين للإشارة إلى أن هذه القرارات ربما تكون تمهيد للتعويم الكامل للجنيه الذي يصر عليه صندوق النقد للوصول للسعر الحقيقي للصرف أمام الدولار.
كانت بعثة صندوق النقد الدولي قد أعلنت في أوائل الشهر الجاري إنهاء مناقشات مع الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يدعمه الصندوق بالبلاد.
ومع عدم الإفصاح عما تم الاتفاق عليه بين الطرفين اكتفت بعثة صندوق النقد بالقول إنها حققت تقدما وصفته بالممتاز في المناقشات حول حزمة السياسات الشاملة اللازمة للتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء.
وأوضحت البعثة كذلك أن السلطات المصرية "أعربت عن التزامها القوي بالتحرك الفوري بشأن جميع الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي".
ويعتبر تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية أحد أهم شروط صندوق النقد الدولي لمصر، حيث انتشرت التقارير الإعلامية عن زيادة قيمة القرض من 3 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار.
ومع بداية الأسبوع المنصرم تحدثت وسائل الإعلام المصرية عن تراجع سعر الدولار في السوق السوداء بشكل كبير حيث انخفض من نحو 73 جنيها إلى قرابة 55 جنيها، قبل أن يعاود الارتفاع مرة أخرى إلى نحو 65 جنيها للدولار الواحد.
جاء ذلك على الرغم من قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة 2% في الأول من فبراير شباط الجاري.
وتزامن مع تسريبات وأحاديث كثيرة في الإعلام المصري عن قرب ضخ مليارات الدولارات إلى البنوك المصرية لتنفيذ مشروع ضخم في منطقة رأس الحكمة بمحافظة مطروح في الساحل الشمالي وهو ما أكده رئيس هيئة الاستثمار المصري بعد ذلك.
سعر غير حقيقي
أحد الوسطاء الذي يعمل كحلقة وصل بين تجار الدولار في السوق السوداء والراغبين في بيع أو شراء العملة الصعبة قال لبي بي سي إن "كل ما قيل عن انهيار سعر الدولار أو تراجعه هي مجرد أخبار نشرها الإعلام المصري فقط، ولكن لا تعبر عن الواقع".
وأكد الوسيط "أن التجار منذ أسبوع متوقفين عن بيع الدولار، وقد يشترون على استحياء، ولكن لا يقبلون أبدا ببيع الدولار بالأسعار المتراجعة المنشورة في الإعلام، لأنهم اشتروه أصلا بأسعار مرتفعة".
وشدد على أن التراجع يصبح حقيقيا حينما "يطلب دولارا من التجار فيعطوه ولكن الوضع في السوق السوداء أصبح مثل ما يحدث في البنوك من إعلان سعر رسمي للدولار مقابل الجنيه ولكن حينما تطلب الدولار من البنوك لا تجده فهو تسعير لشيء غير متاح".
تخفيض متوقع للجنيه
الخبير الاقتصادي محمد البهواشي، قال لبي بي سي "إنه من الطبيعي أن يشهد سعر الدولار في السوق هزات كالتي حدثت الأسبوع المنصرم، فأسباب ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء غير واقعية وغير منطقية ومن ثم فتراجعه أيضا يكون لأسباب غير منطقية".
وشرح أن ارتفاع سعر الدولار "حدث ويحدث، نتيجة حجبه من جانب تجار العملة للمضاربة به، وكذلك اتجاه فئة كبيرة من الناس إلى الدولرة أي تحويل مدخراتهم لدولار لحفظ قيمته وتعاملهم من الدولار كسلعة وليس كعملة صرف".
ونوه إلى أنه "قد يكون وراء تراجع سعر الدولار الأيام الماضية هو صغار المضاربين من عموم الناس الذين تخوفوا من الخسارة، فسارعوا للتخلص من الدولار مما ترتب عليه زيادة المعروض منه، ولكن لاقى الأمر مقاومة من كبار التجار الذين لا زالوا يروجون الشائعات عن أن الدولار قادر على الصمود وقادر على الارتفاع مرة أخرى وأوقفوا بيعه بالفعل، وهو ما دفعه للصعود من جديد".
وعما إذا كانت حزمة قرارات الحماية الاجتماعية التي أعلنها السيسي تمهد للتعويم الكامل للجنيه قال البهواشي: "بعيدا عن أي تفسيرات فالحزمة جاءت في وقتها، وهي بقيمة 180 مليار جنيه أي حوالي 10% من إيرادات الموازنة العامة للدولة"، مضيفا أن "هذه الحزمة بدون ضبط أسعار السلع وتوافرها فهي في حد ذاتها ستمثل كارثة وتؤدي لتضاعف التضخم بشكل كبير نتيجة زيادة المعروض النقدي لدى الناس ونقص السلع، وهذا أثره أكبر من أي تعويم، مع الأخذ في الاعتبار أن سعر الدولار في البنوك غير واقعي ومن المتوقع أيضا أن نشهد تخفيضا أكبر للجنيه الفترة المقبلة".
وحول طلب البنوك من المستوردين وضع العملة المصرية مقابل تدبير طلباتهم من الدولار قال البهواشي: "هذه هي أهم خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي التي ستقضي بالكامل على السوق السوداء، لأن المستوردين هم وقود السوق السوداء وهم الذين ينشطونها بطلباتهم من الدولار، وإذا توفر لهم الدولار في البنوك حتى لو بسعر مرتفع عن السعر الرسمي الحالي فهذا سيقضي على السوق السوداء".
وختم بأن "توفير الدولار من جانب البنوك له أهمية كبرى أيضا تتمثل في سهولة نشاط الشركات التجارية واستيراد السلع وهذا يؤدي لخفض سعر السلع في ذات الوقت، أي أن الأمر سلاح ذو حدين، يقضي على السوق السوداء للدولار ويحاصر التضخم".
التعليقات