تشهد العاصمة البلجيكية بروكسل غداً حدثاً تاريخياً بانعقاد أول قمة خليجية - أوروبية منذ انطلاق العلاقات الرسمية بين الجانبين في العام 1989، وذلك بمشاركة 33 رئيس دولة ورئيس وزراء. تأتي هذه القمة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في مجالات الأمن والاقتصاد والتجارة.


إيلاف من الرياض: تحتضن بروكسل غداً الأربعاء القمة الخليجية ــ الأوروبية الأولى، وهي خطوة تعكس التزام الطرفين بتعزيز علاقاتهما الاستراتيجية.
ومن المتوقع أن تُسهم القمة في تقوية التعاون بين الطرفين، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لتبسيط إجراءات تأشيرات شنغن لمواطني دول الخليج، مؤكداً التزامه بتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية. وقال كريستوف فارنو، سفير الاتحاد الأوروبي لدى السعودية، إن الاتحاد يعمل على تسهيل دخول مواطني الخليج عبر نظام جديد لطلبات التأشيرات، بما يعكس توجهه نحو تسهيل السفر وتعزيز التواصل بين الشعوب.

ويسعى الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى عقد شراكة استراتيجية في كل المجالات، لا سيما الجانب الاقتصادي والاستثمار والتبادل التجاري، الذي وصل بين الجانبين إلى 170 مليار يورو فيما يتعلق بالسلع فقط دون الخدمات.

تأشيرة "شنغن"
وأكد فارنو أن "الاتحاد الأوروبي يعمل باستمرار على تبسيط متطلبات التأشيرات لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى تعزيز التواصل بين الشعوب، كما يجهز الاتحاد حالياً نظاماً إلكترونياً جديداً لطلبات تأشيرات (شنغن)، الذي يبدأ العمل به خلال السنوات المقبلة". وقال فارنو إن الاتحاد الأوروبي "يقر باهتمام دول مجلس التعاون في السفر دون الحاجة لتأشيرة إلى منطقة (شنغن)، ويلتزم بمواصلة العمل تجاه اعتماد ترتيبات دون تأشيرة لدول المجلس كافة، وهذا يُعد من الاهتمامات المشتركة بين الاتحاد ومجلس التعاون"، على حد تعبيره.

وتطرق الدبلوماسي الأوروبي في حديثه لـ"الشرق الأوسط" إلى الخطوات الأخيرة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لتسهيل حصول تأشيرة "شنغن" للخليجيين، وقال: "تبنى الاتحاد الأوروبي قواعد تأشيرات مشجعة للغاية لمواطني مجلس التعاون، الذين بإمكانهم الآن الحصول على تأشيرة متعددة الدخول الى دول الاتحاد الاوروبي مدتها 5 سنوات عند الطلب لأول مرة، ومع ارتفاع نسبة الموافقة للمتقدمين، تُعدّ قواعد التأشيرات الجديدة مساوية لوضع الإعفاء من التأشيرة لمدة 5 سنوات". وشدد فارنو على أن "الاتحاد الأوروبي على ثقة من أن التطورات الجديدة سوف تُسرع من عملية التواصل بين الشعوب وتعزز العلاقات الوثيقة".
كما تحدث فارنو عن "نظام جديد وحديث سيبدأ العمل به في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يسهل التنقل أمام المسافرين الدوليين داخل منطقة (شنغن) وخارجها، وسوف يُسرع نظام الخدمة الذاتية الجديد من عمليات الدخول والخروج أمام حاملي هذه التأشيرات".

أهمية اقتصادية وتجارية
ويسعى الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى بناء شراكة استراتيجية شاملة، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتبادل التجاري. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 170 مليار يورو في السلع فقط، دون احتساب الخدمات. وهذا التوجه يعزز مساعي إقامة شراكة استراتيجية تمتد إلى مختلف المجالات، بما فيها الطاقة ومكافحة تغير المناخ.
كما يسعى الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز التعاون التجاري، مع التركيز على استدامة هذا التعاون عبر تبني استراتيجيات جديدة تستفيد منها الشعوب على المدى الطويل.

التحديات الإقليمية والدولية
إلى جانب الشراكات الاقتصادية، ستركز القمة على بحث الملفات السياسية والأمنية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وأشار جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، إلى أن القمة ستتناول الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية.

أهداف القمة
القمة التي تُعقد برئاسة مشتركة بين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، وشارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، تهدف إلى بحث سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات.

شراكة استراتيجية
ويترأس رئيس مجلس الوزراء الكويتي أحمد العبدالله وفد دولة الكويت خلال هذه القمة. في هذا الإطار، قال وزير خارجية الكويت عبدالله اليحيا إن هذه القمة تمثل محطة تاريخية مهمة في مسار الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي وتعكس التزام الجانبين بتعزيز العلاقات في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وأضاف أن الكويت ستعمل خلال هذه القمة على تعزيز دورها كشريك دولي في تعزيز التنمية المستدامة مشيراً إلى أن ممثل أمير الكويت سيلقي كلمة يؤكد من خلالها "أهمية تضافر الجهود الدولية لتعزيز أمن واستقرار المنطقة وكذلك استعراض رؤية الكويت تجاه أفق توسيع مجالات التعاون بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي".

تعزيز الأمن
القمة ستتناول ملفات سياسية وأمنية واقتصادية وسيتم التركيز بشكل خاص على مناقشة تعزيز أطر الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة. وقال وزير الخارجية الكويتي أنه سيتم بحث ملفات الطاقة وخاصة الطاقة النظيفة والمتجددة وبشكل يسهم في تطوير التعاون لتحقيق أمن الطاقة، لافتا إلى ما يوليه الجانبان الخليجي والأوروبي من أهمية كبيرة لدفع عجلة التكامل الاقتصادي وتعميق الشراكة التجارية بما في ذلك بحث تسهيل تدفق الاستثمارات بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي.
وأشار اليحيا إلى أن القمة ستشمل نقاشات مستفيضة حول القضايا البيئية الملحة وخاصة التغير المناخي إلى جانب كيفية تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار بما في ذلك دعم الاقتصاد الرقمي وتبني التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة وهي مجالات ذات أولوية لتحقيق التنمية المستدامة.

وعلى الصعيد الأمني ذكر اليحيا أن القمة "ستتطرق إلى تعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات المسلحة وضمان أمن الملاحة البحرية وتعزيز الأمن السيبراني لمواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة التي قد تؤثر على الاقتصادات الوطنية".

مسار طويل من التعاون
بدوره، قال سفير دولة الكويت لدى مملكة بلجيكا ورئيس بعثتيها لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) نواف العنزي إن القمة تأتي ضمن إطار مسار طويل من التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. واعتبر العنزي أن هذه القمة الخليجية - الأوروبية الأولى تعتبر خطوة إضافية نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي بين اثنتين من أبرز الكتل المؤثرة في النظام الدولي. وأوضح أن ذلك "ينعكس من خلال قوة اقتصادية تقدر بأكثر من 20 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي حيث بلغ معدل التبادل التجاري 170 مليار يورو (35ر185 مليار دولار) لعام 2023" وفقا لما ذكرته وثيقة (الشراكة الاستراتيجية مع الخليج). وأكد السفير العنزي أن القمة تؤكد "الأهمية الاستراتيجية المرتبطة بتعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي نظرا لدورها المتنامي وتأثيرها المتعاظم على الساحة الدولية فضلا عن كون انعقاد القمة الأولى يعكس حرص الجانبين على تدعيم الشراكة الاستراتيجية فيما بينهما على أرفع المستويات ويخلق قنوات تواصل بما يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".
وأشار إلى أنه من المقرر أن يصدر عن القمة بيان ختامي يرسم ملامح الطريق مستقبلا ويتناول عددا من الموضوعات تشمل التجارة والاستثمار والحوار بشأن التحول في مجال الطاقة والتغير المناخي ومحاربة الإرهاب والتنسيق في مجال المساعدات الإنسانية وتعزيز التعاون في مجالات الأمن الإقليمي.
وأضاف السفير العنزي أن البيان سيؤكد كذلك على أهمية تعزيز الحوار السياسي وتحقيق التنمية المستدامة بين الجانبين إلى جانب تناول التطورات الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.