رامي الأمين: لم ازر سوريا من قبل. منذ صغري كانت سوريا بالنسبة لي مكاناً لا يمكن الوصول اليه. ليس بسبب خوفي من ركوب الطائرة، فالرحلة الى سوريا لا تحتاج إلى جناحين. فيما مضى، كانت الرحلة تحتاج إلى إخراج قيد فقط، لذوي العلاقات الحسنة مع النظام السوري، أو المواطنين العاديين، الذين لا يتدخلون لا من قريب ولا من بعيد بالعلاقات اللبنانية- السورية، والهيمنة الممارسة من quot;الشقيقةquot; على بلادنا. زيارتي إلى سوريا لم تحل دونها هذه الأمور. لا تربيتنا في المنزل على معارضة كل أنواع الظلم من السوريين وغير السوريين، ولا خوفي من الطائرة، ولا عدم امتلاكي لإخراج قيد، أبرز ما يحمله هو هويتي الشيعية، وسجلي الذي يحمل الرقم 75. ببساطة لم أجد يوماً دافع مقنع لزيارة سوريا.
كانت سوريا كلها في لبنان. وأعني هنا سوريا السياسية، أو السياسة السورية التي كانت تسيطّر على كلّ المفاصل في البلد، حتى المفاصل التي تربط بين عظام اللبنانيين.
لم أزر سوريا يوماً. وكرهت دائماً منظر العمّال السوريين في باحة مدينة النبطية، حيث أسكن. لم أكن انظر اليهم بوصفهم عمالاً. كان السوري في لبنان يعادل في نظري رجل المخابرات. كلّ السوريين، كانوا بإعتقادي رجالاً للمخابرات، من بائع الكعك إلى عامل الباطون، مروراً بالعتّالين واولائك المتكدسين فوق بعضهم في كاراجات. كلهم كانوا مدموغين بوشم المخابرات.
حتى أنني كنت أعتقد أن quot;غوار الطوشيquot; في مسلسل quot;صح النومquot; يعمل مخبراً لدى quot;بدري ابو كلبشاquot;. لا أدري من أين تسربت اليّ هذه المعتقدات، التي أكتشفت لاحقاً أنها خاطئة، لكنني على الرغم من ذلك، لم أغيّر قراري بعدم زيارة سوريا. وحتى الآن لم أفعل.
في صف البروفيه، نذرت أمي نذراً بأنها سوف تزور مقام السيدة زينب في الشام، اذا ما نجحت في الإمتحان الرسمي. ضحكت يومها من أمي. وفكّرت جدياً بالرسوب لأمنعها من الذهاب لتأدية نذرها. لكنني نجحت في الإمتحان الرسمي، ولا أذكر أن أمي ذهبت الى quot;السيدة زينبquot; لتقدّم لها ما وعدت به. تكرر الموضوع في الشهادة الثانوية، وأعادت أمي نذرها، وذهبت بعدها الى quot;الست زينبquot;، وأفرغت ذمّتها من النذور التي أطلقتها.مرّ وقت طويل على نجاحي في الشهادة الثانوية، وعلى عودة أمي سالمة من زيارتها إلى سوريا ومرورها عبر المصنع.
مرّ وقت طويل، كان كفيلاً بقلب الموازين في لبنان، وبفرض الانسحاب العسكري السوري من الأراضي اللبنانية. وقت طويل، جعلني أفكّر ملياً برأيي بغوار الطوشي وأبو كلبشا، وبحال quot;الست زينبquot;، وبالعمّال السوريين الواقفين حتى الساعة في ساحة النبطية، وبإخراج القيد الذي يحمل انتمائي الطائفي، ورقم سجلّي الذي يذكرّ بتاريخ أسود للبنانيين. لقد كان وقتاً طويلاً فعلاً، استطعت من خلاله أن افهم سبب اعتقادي بأن السوريين كلهم يعملون في المخابرات، وسبب قراري النهائي بعدم زيارة سوريا. لم أزر سوريا من قبل. وقد مرّ عام على انتهاء زيارة خاصة للجيش إلى لبنان دامت ثلاثين عاماً، كان خلالها اللبنانيون نائمون في الكهف.
quot;صح النومquot;
التعليقات