الشباب يعتبرها مرجعيته المعاصرة
ثقافة الهيب هوب والهوية المغربية
زويريق فؤاد خاص بايلاف: يخوض المغرب في السنوات الأخيرة معركة تنموية على جبهات متعددة، لم تستثن الموسيقى المغربية منها، إذ عبدت العولمة والانفتاح على العالم الغربي الطريق أمامها، وخاصة موسيقى الشباب، لتندمج بدورها في القافلة التنموية. إلا أنها خلقت جدلا واسعا في مجتمع مازالت تحكمه التقاليد والقيم الأخلاقية. في مقدمة هذه الموسيقى، الهيب هوب الذي يرفض محبوه تصنيفه كموضة زائلة.
الهيب هوب المغربي لخص منهجاً جدلياً، في ظاهرة جديدة احتوت جيلا برمته، بمشاكله ومعاناته، حتى أصبح مقتنعا كل الاقتناع بأن هذا النوع من الموسيقى، يبقى القناة الوحيدة التي تتكلم باسمه وتعبر عن وجدانه، مزكية أفكاره، ومثمنة آراءه. ينظر العديد من الشباب إلى هذه الظاهرة بترقب وتفاؤل. حيث شكلت في نظرهم أرضا خصبة للنضال الشبابي المعاصر. لكن وقوف المجتمع عقبة أمام هذا النوع من الموسيقى ورفضه له، زاد هوة المسافة بينه وبين الجيل الجديد اتساعا، هذا الجيل الذي يتمسك بقوة في حقه للمضي قدما. ويرى أن موسيقاه لا تتعارض إطلاقا مع هويته، حيث يؤكد على بعده عن أي تأثير غربي. ويرى أن الهيب هوب المغربي، له طقوسه الخاصة النابعة من أعماق المجتمع المغربي.
والهيب هوب حركة ثقافية فنية تعددت بتعدد المجتمعات. حيث أخذت قيم و شكل الوسط المحتضن لها ، محتفظة بالقالب الفني، كفن شعبي انطلق من نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينات من القرن الماضي، ليكتسح العالم. ويعود الفضل في اكتشافه إلى بعض الأقليات الأمريكية. حيث اعتبروه وسيلة للتعبير عن طلباتهم و منهجا لنيل حقوقهم.
يتكون الهيب هوب من أربع دعامات أساسية. اندمجت فيما بينها لتكون في الأخير كائنا موسيقيا جديدا، يقوم فيه المغني بسرد معاناته عبر قالب قصصي، يعتمد على قافية مصاحبة للموسيقى، و موازاة مع ذلك يقوم برقصات ذات حركات مميزة، يساعده فيها لباسه المختلف و الخاص بهذا الفن فقط. أول دعامة هي الراب، و أصل الكلمة يرمز إلى الشخص الذي ينظم القداس الديني في الكنيسة الكاثوليكية، و يسمى بالإم سي Master Ceremony. إلا أن الكلمة استخدمت فيما بعد لمنشط حفلات الهيب الهوب، أي المسؤول عن تنشيط الجمهور و تهيئ الجو لدخول الدي جي DJ.
وتحولت فيما بعد إلى الشخص المتحكم في الميكروفون Microphone Controller. ثاني دعامة، هي فارس الأسطوانات الدي جي ،DJ و هو المسؤول عن تغيير الأسطوانات فوق الخشبة. في حين يعتبر الرقص البريك دانس Breaking dance دعامة مهمة، حيث يقوم الراقص بحركات مميزة مصاحبة للموسيقى. و ما يميز الهيب الهوب هو اعتماده على الفن التشكيلي من خلال فن الجرافيتي Graffiti و هو الرسم على الجدران و يسمى كذلك بالجداريات، وهو عبارة عن رسومات تكون بعرض وطول الحائط.
من هذه المعطيات نستشف قدرة هذا النوع الغنائي على الإستمرارية، باعتباره ثقافة فنية جامعه تستهوي الشباب الذي وجد فيه ضالته و اعتمده كمكبر صوت لنقل معاناته. و قد أثر ذلك في بلورة التضاريس الفنية المغربية، حيث تشكلت فرق موسيقية جديدة، ذات هيكل غربي و جوهر مغربي. متجاوزة بذلك مفهوم الاستنساخ الكلي، نحو بنية ثقافية مغربية، تتغير حسب المناخ المحلي.
لفناير، آش كاين، كازا كرو، هوبا هوبا، البيغ... من بين الفرق التي عملت على نقل الأحداث اليومية، - من مشاكل و ظواهر يعيشها الشباب المغربي كالإرهاب و البطالة و الجنس و المخدرات والحبل على الجرار -إلى المجتمع و أصحاب القرار بأسلوب فني مميز.
بالإضافة إلى الأنشطة الفنية، تسعى هذه الفرق إلى الوقوف بجانب المجتمع المدني، لتوعية الشباب عبر حملات تحسيسية، ضد بعض الأمراض الخطيرة أو كل ما من شأن يمكن أن يضر به، كالإرهاب و الإنحراف، مما جعلها تشكل محورا تربويا مهما، بل أصبحت آلة استقطاب سياسية، تستعمل للتأثير على الشباب في الحملات الانتخابية و المؤتمرات الحزبية.
بينما راهن البعض على القادم الجديد، للتعرف على الوسط الشبابي و معاناته. شكك آخرون في ديمومته واستمراره، واعتبروه ضيفا ثقيلا سيرحل غدا أو بعده. حيث يرون أنه من المؤسف جدا، أن يختصر الحديث عن مشاكل الشباب بالهيب هوب. إذ يدعون إلى تفعيل دور الشباب بعيدا عن هذا (التخربيق) كما يسمونه، عبر ورشات ثقافية جادة، وموسيقى مغربية أصيلة، تجمع كل مكونات المجتمع دون تمييز. ويصفون الحالة الفنية الراهنة بالمتردية، لكونها سمحت لأجناس موسيقية دخيلة بالتغلغل إلى أعماق مجتمعنا المحافظ، و أكثر من هذا مخاطبة جيل كله بأسلوب منحط، يعبر عن سلوكات الشارع ليس إلا. و يبرهنون على ذلك بالكلمات الساقطة، التي تستعمل في بعض أغاني الهيب هوب، و الرقصات المجنونة التي لا ترمز لشيء في نظرهم. حتى أنهم اعتبروه أي الهيب هوب أداة في يد الأمريكيين، للتأثير على الشباب المغربي ودليلهم على ذلك، المسارعة إلى تشجيع هذا النمط الموسيقي، بإقامة حفلات مجانية في أكبر المدن المغربية، بتمويل من السفارة الأمريكية. ويرجعون السبب الأساسي، في هذا التردي إلى خطر العولمة وغياب مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب غياب المراقبة الفنية.
بكل الأحوال نحن أمام ظاهرة، تقاوم بإصرار لفرض الذات، وقد دأبت مؤخرا على الظهور بقوة على الساحة الفنية، بمساندة إعلامية قوية، وحفلات يحجها آلاف الشباب، كمهرجان quot;البولفارquot; Boulevart الذي يتسم بالعالمية والاحترافية. و ما أحوجنا اليوم في ظل الصراعات الفنية إلى وجود مثل هذا النوع الموسيقي، الذي كسر روتين الأغنية المغربية (العصرية)، والتي ينادي ممارسوها بالتشبث بها، و نبذ كل ما هو جديد، متناسين بذلك أن الكرة الأرضية في دوران دائم و أننا دخلنا مرحلة جديدة ليست كسابقاتها، مرحلة العولمة و الفضائيات الحرة.
وقد جمعتني الظروف ببرنامج تلفازي، جمع مغنيا للأغنية العصرية المغربية بعضو من أعضاء فرقة راب مغربية. كنت أتمنى أن أشاهد حوارا خلاقا بناء، على الأقل يكون بعيدا عن الفئوية و التعصب للأغنية المغربية (العصرية)، التي للأسف أصبحت تعيش ركودا تاما. لكن فوجئت بتهكم واضح الملامح، ضد فرقة تمثل جيلا بأكمله. ومما زاد الطين بلة، هو حثه
البيغ الخاسر |
بدأت حركة الهيب هوب في المغرب أوائل التسعينات. انطلقت من المدن الكبرى كالدار البيضاء ، الرباط، مكناس... لتسجل حضورا حير المتتبعين.توفيق حازب أو الملقب ب (البيغ الخاسر). وجه معروف لدى الشباب المغربي، شق طريقه بصمود وسط أصوات منددة بطريقته في صياغة أغانيه.. تصنف أغانيه ضمن الأغاني غير المرحب بها في الوسط العائلي.. اكتسب لقب (الخاسر) من نوعية كلمات أغانيه. التي يعتبرها ألفاظا عادية بالنسبة للشباب الذي يتوجه بها إليه. ومن أشهر ألبوماته (مغاربة تال الموت).
بخلاف البيغ هناك فرق أخرى، لها توجه مخالف تحاول التشبت بالكلمات المحافظة. هاجسها يكمن في توصيل رسالة الشباب، إلى أكبر عدد ممكن من الشرائح. إنها تحاول الدخول إلى البيوتات المغربية من خلال كلماتها الهادفة. فناير من بين هذه الفرق، أسلوبها الغنائي يدخل ضمن الراب التقليدي.. تحاول الفناير ترسيخ الهوية المغربية في الراب من خلال كلمات و مواضيع أغانيها.. من أشهر أغانيها (يد الحنة)، (يا لمشيشة).. هذه الأخيرة التي تجسد الحس المراكشي الساخر..
يبقى أن ندرك أن الفهم الصحيح لهذه الثقافة، يتطلب وقفة متأنية، وما تستدعيه من توفر أجواء سليمة للحوار بين الجيلين، دون أي سياج متزمت، يزيد من تعميق الفجوة، و بالتالي تعميق الأزمة، بدعوى المحافظة على الهوية المغربية. لكن هل لدينا الرغبة في الحوار؟ بل هل لدينا القدرة على الحوار و فهم الآخر؟.
كاتب المقال أديب مغربي مقيم في هولندة
التعليقات