ردّا على عزّ الدين ميهوبي
ينبغي أن يسمح لنا قراء موقع "إيلاف" المنير أن نتوجه ـ في فاتحة هذا المقال ـ بالشكر الجزيل إلى رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عز الدين ميهوبي، فقد سمح لنا بهذه السانحة وهو يقدم لنا قفاه بالمجان كي نصفعها دون أن يكون مضطرا إلى ذلك، وكان أولى به أن يبرهن للقراء بأنه يعرف الأبجديات الأولى للقراءة، حفظا لماء وجه الرئاسة التي يتولاها على الأقل، عوضا عن الخوض في متاهات كنا نفترض أنه لا يمكن أن يتسفّل إليها..
وينبغي أن نوضح لقراء "إيلاف" كذلك أننا تأكدنا حين مطالعتنا للشتائم التي صاغها رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في حقنا، أن حال الثقافة في البلاد العربية ـ والجزائر خاصة ـ متدهورة إلى درجة لم نكن نتصورها، ولعل القراء الذين طالعوا مقال ميهوبي (لا يحتاج كتاب العراق إلى وصاية)عما وصفه بـ"الكلام غير المسؤول" أدركوا عمق المأساة التي تعيشها ساحة الثقافة العربية التي استولى عليها مثقفون مغشوشون، وحولوها إلى مستنقعات فساد وشعوبية ومحسوبية ورداءة سيأتي بيانها في صلب مقالنا هذا إن شاء الله، ولكن ينبغي أن ننبه القراء إلى أن ما اتهمنا به ميهوبي من "عقدة الاستعلاء" حين نصّب نفسه محللا نفسيا، ليس غير ردّ فعل طبيعي من نفس صغيرة تسكن بين جنبيه، وتخفق بـ"النقص المزمن" الذي يجعله يرى الناس جميعا متكبرين، ولم ينتفع ميهوبي بمنصبه الرفيع بين الكتبة العرب، وبقي يحسّ بالنقص أمام محمد كاديك، ويخصّص له ثلاثة أرباع المقال كي يكيل له الشتائم، ثم يعلن عن دعمه لعودة اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين إلى ساحة الكتبة العرب، وكأنه جاء بـ"السبع من أذنيه" كما يقول المثل الجزائري..
ولنبدأ بنبذة مختصرة عما طرحناه في المقال (العروبة تجمد عضوية اتحاد الكتاب العراقي)الذي "فضح" ميهوبي، فقام يعول كمن اشتعلت النار في "وسيلة جلوسه"، رغم أننا لم نتعرض له بسوء طوال ما كتبناه، لأنه ـ في واقع الحال ـ لا يمثل شيئا مذكورا في قضية تجميد الاتحاد العراقي، ولا رأي له ولا مشورة ولا أمر يطاع في محفل الكتبة العرب، ودليلنا على ذلك لن نأتي به من جيوبنا، وإنما هو رسائله إلى الأدباء العراقيين التي نشرها ـ دون حياء ـ ليبرهن بأنه سعى إلى عودة العراق قبل أكثر من عام كامل، ولم يتحقق له شيء، وكان في كلّ مرّة يهدد بالاستقالة من منصبه ما لم يرفع التجميد عن عضوية العراق، ولكن الزمان الغادر سار برئيس الكتبة العرب وانطوى بترهاته، فلا عاد العراق، ولا استقال ميهوبي، ولا هم يستحون...
ولعلنا لم نذكر ميهوبي طوال مقالنا المزعج غير مرتين اثنتين، أولاهما لأن العراقيين ذكروا في بيانهم بأنهم سلموه رسالة يدا بيد، والثانية لأننا لم نقبل له أن يكون مثل "ملكة بريطانيا لا يهشّ ولا ينشّ" ولا يستقيل، وظاهر أن حرص ميهوبي على البقاء رئيسا للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أقوى من كل ما يحاول أن يظهره من تضامن مع الإخوة العراقيين..
ولقد أعربنا عن تضامننا مع الإخوة في العراق دفاعا عن حقهم في العودة إلى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وأملا في رفع جور التجميد عن اتحادهم، ولما رأينا مكابرة المجتمعين بـ"سرت" الليبية، الرافضين لكل حديث عن العراق، قلنا أن الأدباء العراقيين لم يخسروا شيئا كبيرا بتجميد عضويتهم باتحاد لا يؤثر ولا يتأثر، ولا يكاد الناس يعرفون له وجودا، وتوغلنا إلى عمق المأساة لما أشرنا إلى أن المشكلة ليست في شرعية الاتحاد العراقي الذي برهن على إقامته لانتخابات نزيهة، ولكن أصل المشكلة هو الانتخابات نفسها، وقلنا إن "ما يراه العراقيون فضيلة يدافعون بها عن عضوية اتحادهم، إنما هو الممنوع والحرام في عرف القائمين على المكتب الدائم"، فالعراقيون الذين اختاروا نهج الديمقراطية يمثلون الخطر المحدق بـ"دكتاتوريات" الكتاب، ولهذا لا يكفّ الكتبة العرب عن اختلاق مشاكل عويصة يضعونها حواجز أمان تقيهم الأنوار العراقية القادمة، وليس يخفى أن الدوافع السياسية والحسابات الضيقة ليست لتخطئ "استراتيجيات" الواقفين في وجه العراق كما يؤكد كتاب وأدباء الاتحاد العراقي في بيانهم، ولكننا في هذا المقام كذلك، وضعنا ما وصفوه بـ" السياسي" في نصابه، ولم نسمح له بأن يأخذ حجما أكبر قد يظن معه القراء أن للعروبة مثقفين في المستوى يعرفون كيف يخوضون معامع السياسة، ولقد رأينا في مقالنا أن الخلفيات السياسية التي تقف حجر عثرة في وجه الأدباء العراقيين، ليست غير "الشوق إلى موائد صدام حسين العامرة" لأن كثيرا ممن يعدّون أنفسهم شعراء كانوا لا يتركون فرصة تمرّ إلا لينتهزوها في التقرب من دكتاتور العراق لـ"يقتاتوا" من "الدم العراقي"، ولسنا نفشي سرّا إذا قلنا بصريح العبارة أن كثيرا من أبناء الخريطة العربية الذين يعتبرون أنفسهم من "الصفوة" و"النخبة"، ولغوا في الدم العراقي الطاهر، وغنموا من "شيكات صدام حسين" آلاف الدولارات، حين كان العراق يمرّ بأسوإ فترات الحصار الأمريكي، فهل يمكن لـ"ميهوبي" أن يوضح لقراء "إيلاف" هذه الخلفيات السياسية التي تقف في وجه العراقيين، عوضا عن تضييع الوقت في توضيح موقع محمد كاديك من القراء، فقد ضيع ميهوبي ثلاثة أرباع مقاله كي يبرهن على أن محمد كاديك ليس شاعرا، ولم يحسّ بأنه يقول كلاما غير مسؤول البتة، فقد كان أولى به أن يوضح للقراء موقف اتحاده، لأن كاديك لن يفيد الاتحاد العراقي شيئا حين يكون شاعرا، ولن يضره حين لا يكون شاعرا، ولعل القراء يلاحظون أن رئيس اتحاد الكتبة العرب بشحمه ولحمه، لم يعرف كيف يبدأ موضوعا بسيطا في الدفاع عن رأيه، ليصدّق ما قلناه من قبل عن المثقفين الذين نتعامل معهم بأنهم "ليسوا مثقفين عاديين، وإنما هم مثقفون من نوعية خاصة لم يسبق للتاريخ أن عرف أرذل منها"، ولعل ما قدمناه يكون الدليل الحيّ على الفراغ الرهيب الذي يعاني منه ميهوبي في دواخل رأسه، ولقد قدّم ميهوبي في مقاله صورة واضحة عن " العقل الثالث" المتخلف الذي يسميه المفكر مالك بن نبي "العقل الذري" الذي لا ينفك يفتت مشاكله، حتى يجعل أصغر ذرة منها مشكلته الأصلية، ويتعلق بالفرع لينسى الأصل، ثم يتعلق بالورقة لينسى الفرع، ثم تطير به الورقة مع نسائم المقالات إلى "رحمتنا" فنتولاه بالعناية، ونعيد إليه وعيه المختل..
ولأن ميهوبي من ذوي العقل الذري، لم ينتبه إلى "الكلام غير المسؤول" الذي راح يردده على أسماع العالم أجمع من خلال أنترنيت التي يراها رئيس الكتبة العرب مفزعا لمن لم يجدوا لهم مكانا في "الواقع"، والله يعلم قصد ميهوبي من وراء كلمة "الواقع" إن كان يشير بها إلى كتبه المتراكمة في قبو مقر اتحاد الكتاب الجزائريين المظلم، أم هذا الاختراع الرهيب الذي يدعى أنترنيت، ويطالعه الناس من كل أنحاء المعمورة.. وفرّ إليه محمد كاديك ليملأ مواقعه؟..
ويأتي ميهوبي بعد هذا كله ليدعي علينا بالفشل، ويقول بأننا أخطأنا سواء السبيل، وأننا عجزنا على أن نكون "الانسان السويّ"، لأن ميهوبي من الناس الأسوياء الذين لا يتغيّرون، ولا يبيعون مبادئهم، ولا يعتريهم التبديل، رغم أن محمد كاديك لم يأكل من صحون جبهة التحرير الوطني مثلما فعل عز الدين ميهوبي وهو يرفع لواء جبهة الإنقاذ، حتى إذا حصحص الحق، قال ميهوبي أمام القاضي "لقد طلقت السياسة بالثلاث" أمام زميله مختار سعيدي الذي أعلن أمام القاضي أنه جبهوي وسيظل جبهويا ومازال جبهويا ليوم الناس هذا، ولكن السياسة المطلقة عادت وتزوّجت ميهوبي مرة أخرى، ونقلته بقدرة رحمن رحيم إلى التجمع الوطني الديمقراطي، لـ"ينجب" لها منصبا بالمجلس الشعبي الوطني بصفة "نائب شعب" لم يهشّ ولم ينشّ ولم يبشّ طوال خمس سنوات، ولم يقل ولو "أفّ" صغير طوال عهدته، رغم أن أبسط النواب ثقافة لم يكفّوا عن إصدار البيانات وطرح الأفكار والدفاع عن المواطنين، فهل لاحظ ميهوبي خطه السويّ كيف ينقلب به من الوطنية إلى الانتصار للدولة الإسلامية، كي يرتمي ـ مرغما ـ في أحضان دولة الحسّ المدني، ليتحول في الأخير إلى محلل نفسي، ويحكم علينا بأننا لم نحقق الانسان السويّ الذي نطمح إليه رغم أننا ظللنا على مواقفنا ننشر قصائدنا التي جعلناها وقفا لحرب الإرهاب ونشرناها مرفقة بالصورة حين لم يتجرأ ميهوبي على مجرد الظهور بين الناس.. وإن عاد ميهوبي إلى الموضوع وقدّم لنا قفاه مرة أخرى، فلدينا المزيد في هذا الباب بالذات..
أما ما لم نكن نتصوّره ولا نضعه في حسباننا فهو أن يكون ميهوبي كذابا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فقد قرأه رواد "إيلاف" وهو يقول بأن محمد كاديك ينتقم من ميهوبي الذي "لم يوافق على نشر ديوان شعر ضمن منشورات الاتحاد، لأن العمل ـ عمل كاتب السطور ـ رديء وعبارة عن نظم منتحل وهابط وغير جدير بالنشر".. وهذا كذب بالألوان، لأن ميهوبي نفسه هو الذي ظل يتقرب إلينا كي نعطيه مجموعتنا الشعرية، فلما قدمنا له جزء منها تحت عنوان "بالحياة مع وقف التنفيذ" قال بأن العنوان لا يعجبه لأنه يوحي بأجواء "المحكمة"، فرددنا عليه بأن ذلك ما قصدناه بالضبط، ولقد تأكدنا بفضل رئيس اتحاد الكتاب بأننا تمكنّا من تبليغ الرسالة من خلال العنوان، فلم يجد ميهوبي إلا تقليب بعض الصفحات ليقرأ قصيدة بعنوان "اعتراف أخير" ويعبر عن إعجابه بها ويقترح أن تكون عنوانا للمجموعة، فلم نجد حينها إلا التساؤل ببراءة: "هل أنت رئيس اتحاد الكتاب أم رئيس التحرير؟" ومنذ ذلك الحين لم نطلب منه نشر المجموعة، ولقد تبيّن لنا فيما بعد أن كل ما ينشره ميهوبي يخضع لحسابات مالية محض أولا، ولجهوية صغيرة ثانيا، وله فيها مآرب أخرى قد تتاح لنا الفرصة لشرحها، ولكننا سنلتزم الحياد في هذا الشأن ونترك الكلمة للدكتور أحمد حمدي الذي قال يصف منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين: "إذا أردنا إصدار منشورات جديدة فعلينا على الأقل أن نتأكد أولا من قيمتها العلمية والمعنوية، أما أن ننشر ما هبّ ودبّ وأن نساهم فقط بكومة من الأوراق فهذا يسيء حتى للاتحاد نفسه، زيادة على هذا فالنشر ليس من اختصاص الاتحاد"، وكلام الدكتور حمدي منشور بالجرائد الوطنية، وهو يعني أن كاتب السطور يحمد الله الذي أنجاه من النشر باسم اتحاد الكتاب الجزائريين، وفسح له دور النشر يتنسم منها حيث يشاء، وفسح له أنترنيت التي أعجزت اتحاد الكتاب كاملا، ليجعل من محمد كاديك أول جزائري يؤسس موقعا إلكترونيا بإمكاناته البسيطة، ويعجز ميهوبي عن مجرد فتح علبة "إيمايل"، ويتخرّص مع ذلك بأسلوب فجّ وهو يربط الواقع بالمواقع..
ولا نرى حاجة في مواصلة الحديث عن مهازل النشر الذي يتعزز به ميهوبي، لأن الحكاية مخزية للغاية، فإن كنا اخترنا تصريح الدكتور أحمد حمدي واكتفينا به، فذلك لأنه التصريح الأخفّ، والكلام الأكثر رحمة..
واسمع أيها القارئ الكريم إلى ميهوبي "السياسي" وهو يتلاعب بعقول الناس في مقاله ويقول: "بأنه لا يهتم بأمر السياسيين في العراق" وكأنه يريد أن يستغفل الناس جميعا ويلبس وحده لبوس الذكي الحاذق... قال إنه لا يهتم بالسياسيين وهو في عقر السياسة.. سبحان الله..
أما المصيبة والكارثة والطامة فهي وراء تساؤل بسيط أرجأناه إلى هذه الفقرة بالذات حتى يكون حسن ختام، فالظاهر أن كاتب السطور كتب مقاله دفاعا عن العراقيين فقط، وميهوبي نفسه من المدافعين عن العراقيين كما أوضح في ردّه، وهو ما يعني أن غاية كاتب السطور وغاية ميهوبي واحدة في الأخير، فلماذا يتجنى علينا هذا الميهوبي... تصوّروا.. لدينا رئيس اتحاد كتاب يعرف "الكلام المسؤول"
التعليقات