إذا استندنا إلى قرار حل وزارة الإعلام الأردني في العام 2003، فإن الكثير من المثقفين والصحفيين والكتاب يرون أن وزارة الإعلام لم تحل عمليا، وإنما تفرعت إلى عدة دوائر، ومن اكثر تلك الدوائر بشاعة وإجرام هي (دائرة المطبوعات والنشر). وكباقي المؤسسات الرقابية المعروفة في بلداننا العربية، لا تختلف دائرة المطبوعات والنشر الأردنية كثيرا في ممارسة دور متخلف وهمجي، في ما يتعلق بالمنتوج الفكري والإبداعي ، بممارسة تلك المؤسسات وعملها على محاربة الفكر والتقدم والحداثة، ومحاربة الداعين إليها ، ومن قبل القائمين على تلك المؤسسات الرقابية التي تزيد من التخلف الثقافي والمعرفي والفكري في ساحاتنا العربية، كونهم أشخاص غير مؤهلين معرفيا و ثقافيا على الحكم وعلى تقييم العمل الفكري و الفني ، والذين يقومون أيضا بدور الوصاية على ذوق القارئ العربي وعلى عقله الذي لم يتعدى في رأيهم النضج الكافي، مما يبرر لهم ولأنظمتهم مشروعية quot; السطوة والمصادرة quot;.
تلك المؤسسات التي تهدف إلى وضع العراقيل أمام وجه الكاتب والناشر والقارئ، وكلنا يعلم عن ضعف القارئ العربي وعن محدودية تأثير الكتاب والصحافة في الحياة الاجتماعية لديه، بسبب سياسات تلك المؤسسات والأنظمة، التي (سطلت رؤوسنا) وهي تتحدث عن الديمقراطية وحرية الرأي، وهي لا تزال تعيش في ظل الأحكام العرفية والتقاليد القبلية.
وكما حصل منذ فترة وفي فعل مضحك ومبكي في نفس الوقت، أن تم مصادرة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر إبراهيم نصرالله، علما بان تلك الأعمال كانت قد صدرت سابقا في العام 1998 وتم تداولها بشكل طبيعي، وهذا هو الشيء المضحك في الأمر، وان دل هذا فانه يدل على المزاجية الجهلية والتخلفية المهنية، التي تمارس من قبل المؤسسات الرقابية على الإنتاج الفكري والإبداعي في الأردن.
( اله المتاهة) هي واحدة من الضحايا الكثر للرقابة الأردنية، حيث تم منع تداولها وسحبها من الأسواق، لأنها quot; تخدش الحياء العام وتعارض الأخلاق والقيم quot; !!!!، تلك الرقابة المتمثلة في إحدى جوانبها بدائرة المطبوعات والنشر ، تلك الدائرة التي تستحق وبكل جدارة لقب (المحرقة الثقافية).
إله المتاهة هي رواية من تأليف الأديب والمفكر كولن ولسون، وهي من ترجمة عبد الإله ناصر، صادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع، وتقع الرواية في 363 صفحة، تناقش وتتخذ موضوع الجنس أرضية للانطلاق برؤى تغريبية نحو آفاق و فضاءات رحبة وواسعة، يكون فيها الجنس هو نقطة بداية وتأمل في معنى الوجود الإنساني ، والذي يشكل وبذات الوقت نقطة بداية حقيقية للفلسفة الوجودية.
جاءت الرواية على شكل مذكرات اعترافيه ، وهي عمل أدبي مليء بالأفكار ولا تأخذ الجنس إلا باعتباره أرضية عامة لرواية تتمتع بشيء من الصراحة، وهي أيضا بمثابة دعوة صريحة للتفكير في التجربة الجنسية، كالتفكير في أي شكل آخر من أشكال التجارب في الفن والعلم والرياضة والمغامرة. وهي ليست من نوعية الكتب التي تستغل موضوع الجنس لتثير القارئ ، ولا هي من الكتب التي تمتاز بفقرها الفني والفكري.
ويبدو أن تلك الأمور كلها خارجة عن استيعاب المنظومة الرقابية وما يتلوها من ثلل من المتخلفين ثقافيا نصبوا أوصياء على ما يتم نشره أو منعه، ليس باستطاعتهم فهم عمل ما أو تقييمه فنيا وفكريا، وكل ما يرون فيه هو ذاك الشيء الخطير الذي يدعى (الجنس)، الشيء الذي بقع خارج كل أنواع التجارب باعتباره أمر لا يجب الإفصاح عنه ولا التحدث فيه، كما لو كان طقسا سريا قبليا، في الإفصاح عنه فناء للبشرية جمعاء.
ويبدو أن الهدف الحقيقي التي تسعى اليه مؤسساتنا الرقابية، هو منع الناس من القراءة ليبقى المواطن العربي هو المواطن الذي يسمع ولا يناقش، كي لا يوسع من اهتماماته المحصورة بفعل تلك السياسات، بالعيش فقط ضمن أضيق سبل العيش quot; عيش الحياة بشكلها الحيواني البسيط quot;، وتحت ظل أبوية quot; بطريركية quot; تريد منه أن يظل يلهو في دائرة المجتمعات البدائية ، دون التفكير بنفسه وبمناحي حياته ومجتمعه بشكل جاد.
من الأردن
[email protected]
التعليقات