في quot;وصية فتاةquot; لـquot;جاكلين بيتيquot;
quot;المفؤودون الذين يتمشون على الكورنيش ذهابا و إيابا لا يلتفتون كثيرا lt;...gt; يطيلون شيخوختهم و أمراضهم مرتين lt;...gt; و القدر الذي يركلونه يتحقق في يوم آخرquot; (عباس بيضون).
جاءت جاكلين إلى الشعر من حساسية مفرطة لم تجعلها تصل مع ذلك إلى أمان مرفإ، بل أفضت بها عكس ذلك إلى تيه يتجاوز تمارين كل شعرية. جسورة وخائفة في آن واحد؛ الخوف لأنها تتصل بالعالم من خلال استيهام يمنح لها إحساسا حادا بأن كينونتها تتأتى من استدارة مائية ترتطم في خطر دائم بكل واقعة فيزيائية مخالفة. حالتها الشعورية الثانية أتت بعد ذلك لما بدأت الشعر بوصية. فهل نبدأ ولادتنا بالموت هكـذا إن لم نكن مفتوحي الأعين في استعداد دائم على الانخراط في كل الاحتمالات. قصيدتها المتشـذرة أم وصيتها التي استبقت كل إمكانية تعويض الخسارات السالفة؟
انخراطها المبكر في تأويل العالم و احتراقها بنار الفقدان و تفشي الحياة السابق لأوانه في كل أوردتها، كانت كلها أسبابا أخرى و إضافية لكونها مختلفة و غير قادرة على البقاء على وعود الكلاسيكية في الرؤية أو على الإجراء الأخلاقي المرتبط بالسن و الجنس.
كانت تجربتها عبورا خاصا في أماكن يسكنها الألم و التعب، لقد كان أقسى ما قاسته مناوشات الموت، تربصه الكبير بها و اختطافاته من حواليها، كـذلك وهو الأهم احتياله عليها وسعيه لغوايتها حتى كادت تنتحر ذات صباح قديم.
لقد سطرت وصيتها ؛ وصية فتاة صغيرة، وإن كانت تتحدث عن امرأة فارعة ذاهبة في ثقل السنوات وفي عناء المعرفة المرتبطة بها، لأنها تظل في أعماقها مجرد طفلة نزقة، مندفعة، عارضة حتى في غيبة الجميع وفي حضور الريح سر أنوثتها و خفاء ما يشكل ذهابها السيئ في فهم تمارين البيولوجيا.
كان أكبر ما يمكن أن نستشف من طرائقها في سبك المعنى،إيمانها بأن حقائق الحياة والكون تزداد نسبية و ذاتية في كل لحظة، و بأن قدرتها الهائلة على اختراق عالم quot;الكبارquot; quot;الصغيرquot; في تفحصها المجنون له، أكثر على منحها إمكانية تفنيد وجود معايير ثابتة للاستمرار في الحياة و الإبقاء عليها.
الوصية إذن سلسلة من الاعترافات و سرد خاص لمعاناة قد انطلت في السابق على ليونة حياتها، و تأسس لديها بعد ذلك إحساس فادح باندفاع طولي للخسارة في اتجاه أيامها الخارجة من الطمي، و تحولها بالقوة إلى عباد شمس مشئوم لم تعد الطبيعة من تدفعه في اتجاه الضوء و إنما بعض الثقافة ما يعيد تصنيع الألم و تناول أقراص أخرى منه علها تمكن ـ استئناسا بشعر قديم ـ بالتداوي بالتي كانت هي الداء. لم تصل بالفعل إلى تشظي بيسوا، لأنها لزمت سفوح الدلالات، إذ قادتها سلطة البوح الذاتي، الضارب في فجوات روحها و خذلها بذلك الإيماء إلى تفاصيل لا يعرفها إلا هي أو بعض المحيطين بها. كادت بذلك تخسر إيقاع الشعر أو خسرته و مضت في غابة فيها كثير من بقع الضوء. لربما نستشف بعض تمردها على قول الشعر، وخروجها قليلا من عالَم اللغة الذي يسم أغلب الشعر الفرنسي المعاصر، إذ نلمح ثقل شذراتها بأفكار.
ثمة إهداء ما على رأس كتابها يقسم أنه لم يك قط بإمكان هـذا الجسد الورقي الملثم بالحبر أن ينوجد لولا ذلك الاسم، لكأنه ليس من الجنون أو الغفلة البلهاء أن نكتب وصية لميت عوض بعض رثاء.
شيء آخر يقع على الغلاف الأخيرهو جملة صغيرة عن حياتها، كونها تعيش الآن في اسبانيا، الآن هي زمن ظهور الكتاب، إذ لم تعد جاكلين في اسبانيا ولا عاد ما يربطها بها. لذلك تنقص أشياء كثيرة خارج السياق كي ندرك كل التمفصلات وعلائقها عن قولها عن المتروك والمنسي والباعث على المضي في الأرض دون وجهة خاصة.قد لا يكون انتحارية أن أمر على نص جاكلين كله وأقف منه فقط على بعض الصفحات (ص.ص. 45 إلى 49 ). مثلما قد لا يكون شيئا من حكم قيمة أن أرابط في تلك الصفحات دون غيرها من الكتاب.
جاكلين أيضا رابطت في مكان آخر خارج الشعر إذ مضت إلى عتمة عيادة الطب النفسي (وإن لم تهجر الشعر تماما) كأنها ذلك اليوناني أنتيفون ثمة قبل سنوات كثيرة لمولد السيد المسيح، إذ بُني له بيت وعلق على بابه لافتة تقول: quot;إني قادر على تخفيف الألم بالكلماتquot;. مضت إلى ذلك مثلما مضى رامبو إلى خبث التجارة في هجيرات إفريقيا.
لكنها قبل أن تمضي كتبت وصيتها في لحظة وعي تامة بأن أية لحظة مفقودة تكون كذلك إلى الأبد. لذلك كانت كل جملة من نصها تُدنيها إلى نهاية ما. فاكتمال الوصية و دخولها حيز التطبيق القانوني يعني بالضرورة اختفاء الموصي و سقوط وصايته على الموصى به، لذلك سقط في يدي بعض و صايتها على أشياء هي مجرد رموز ليس بوسعي حيازة أصلها المادي، فقط لأن ذلك ممكن حد الاستحالة.
هذه الصفحات إذن هي ما سقط في يدي إذا ذهبنا عميقا في تناسي وتجاهل يسر وعمومية التداول المعاصر للكتاب، وفكرنا في ما يمكن أن يشير إلى الذائقة الخاصة في قراءة الشعروكتابته وتصنيفه، وكل ما يمكن أن يبعث على خلافات مزمنة وشكوك وعداوات وقذف مألوف على مر عصور تطور الذهن البشري. لم تنس جاكلين بيتي شيئا في وصيتها مثلما لم ينس القبطان طومبيت (العاصفة) أحدا في وصيته في quot;المسيح يصلب ثانيةquot; لكازانتزاكي. حتى أنها وقفت مثلما يلزمها ذلك ووفت حق وعود شهوتها و حرمة مشروعيتها لجسدها المشتعل أو فقط لما بين فخذيها. قالت أنها تفتحت أكثر مما يفعل أي ربيع فتي بالبرعم، ذات حفل أول و مضت في استعراضية شرسة، تكبر إقامتها القصيرة على ممكنات الغواية و الإغواء، خفيفة و ذاهبة في وعودها، مستعدة منذ البدء على التحلل التام في قسوة العالم. كانت الفتاة التي عمّدت مشاكستها للعالم إلى فن الوصية، وأرادت أن تعيد ترتيب نسائها اللواتي رأتهن هكذا في تخاريم وعيها بعز مركزية الكائن الذي يزعج هدوءها، أسفل جذعها. قالت أن نساء يرتمين ويسبحن في أكواريوم quot; مة عليق من لحم ومجسات، تنبت من بين أفخاذهن، وكلما كان ذلك النمو سريعا وكثيفا طالت المجسات واكتست لحما، كلما كبرت متعة الفتاة، التي ترقب هذا المهرجان الحميمي. كلما تكاثرت كذلك نساء الأكواريومquot;.
أي وعي غير حذر يهجس في بواطن جاكلين بهذا الجنون وهذه المنازعة الخاصة في الخلق و محاولة اللعب بالأشياء أيْ المساس بجوهر نظام المواضعات في الشيفرات وفي لزوميات حقائق العلم التي لن تحيد عنها حياة وإلا مرت إلى نقيضها.
جاكلين تلقي بنساء في عمق الماء بزاد منعدم وبجهاز تنفسي غير قابل للتكيف مع تجاهل الميوعة وسلطة قهرها ومطالبها من جهة فتحات الجسد، ما لا تملك تلك النساء. شيء جدير بتذكيره هو أن ما يهم لدى نساء الأكواريوم هو لا معقولية أعضائهن الجنسية و توافقها مع سلطة الماء لربما لمصادفة إمكان صدورها من ذلك النبع واحتفاظها بسر الأصل و مقدرتها الفائقة مع ذلك على مسايرة اكراهاته. لقد شكلت مماشاتها لدى الفتاة نوعا من المتعة الخاصة إذ سجنتها وراكمتها بأعداد هائلة بعضها جنب بعض وأدخلت في الأكواريوم نوعا من قفص فولاذي صغير كنوع من السجن المدمج. كانت هذه النساء كما تقول quot;مكدسة بغرابة في الأكواريوم الموصود، مثل الأسماك، لكن، لا يبدو أنها تعاني أو تختنق تحت الماء، إنهن يملكن جهازا تنفسيا مكيفا بشكل جيدquot; ص46 .
الخيال يستطيع مع ذلك أن يخلق توازنات كثيرة ولو بلمسة خارقة، إذ يمنع تسلط قوانين العلم من الذهاب في اتجاه تحققها. فتاة جاكلين تركت نساءها في الأكواريوم بعد أن أكدت لنا أنهن خلف تلك الأسوار المائية محروسات و ليس يمكنهن مغادرتها. ماذا يهم جاكلين من كل هذا سوى ما تمثل أعضاء ما تحت سرّة تلك النساء من امتداد وتحرك جميل ومفترس. أو ما يحدث لحجمها من استيلاء على أقساط أخرى من لدونة وماء وألياف.
قبل أن تنام الفتاة ـأو المرأة التي ظلت في خلدها صغيرةـ تحاول مراودة مناطق من جسدها، تقتفي بذلك سيولة متعتها، الليل و السرير و هدوء الخلوة، شروط تستبيح لها معالجة نداءات الذات و صراخ الشبق الكامن في مواضعه الأكثر اطرادا. فتتخيل عضوها يتحول إلى كائن بحري خاص، أو تحاول أن تبعث من بين فخذيها ما رأت لدى نساء الأكواريوم quot; لفائف من عليق لحمي ناتئة أو مجسات متفتحة. هي أيضا تغمض عينيها و تغطس في الأكواريوم دون أن ينقصها ما يكفيها من هواء، تسبح عميقا وتداعب خيوطُ الماء المتسللة عبر فخذيها أهدابَ عضوها المحاري، الذي يبدأ في الخفقان مثل قلب، و تحيا الفتاة على إيقاع الارتجاجات التي تصدع جسدهاquot;. quot;تسبح بعيدا بعيدا، أعمق فأعمق و تهتزّ المناطق المشكّلة لحقولها المكهربة، وتنتفض عنيفا، حتى تشلها اللذة في آخر الأمرquot;. وتنظر إلى عضوها يعرف تبدلات لونه، و يفرد بين فخذيها قوس قزح، ثم ينسدُّ على ألفة اندفاعات تمنح له دوارا جديدا. ص 47 .
لا تنام الفتاة إذن حتى تحقق في انتفاضة أخيرة خفة جسدها، وتداوم في توغلها في عمق الأكواريوم اتصالها بالماء والعمق و لزوجة ما، إن نومها يأتي بعد عناء، وتبرم إذن صفقة كمال أكثر تلزمها لعضوها كل ليلة. كيف تتوحد هذه الأشلاء كي تؤدي إلى صلابة كائن منفطر في آخر الأمر ومؤد إلى تحقق توازن بيولوجي ونفسي في آن، دون أن تحضر سوى وعود الذات بالتسري والتسرب نحو سيولة الماء ومساربه.
إن حديثها عن جنسها مجرد حديث عن أعضاء لها استقلاليتها وملكوتها الخاص، ولها أيضا قدرتها التامة على التزحلق والتمسح بألياف أخرى أو بعناصر محتوية في أكواريوم ما، إن السباحة والغوص المنفرد داخل فضاء مائي سائل قادر على منح متعة و لذة مرتبطتين بارتخاء ليبيدي قاض بالتفكير في الانزعاج السيكولوجي للفرد المحروم من عطايا quot;النكاحquot;. أمر جدير بالمساءلة إذن ، كيف تنام الفتاة بعد تلك التمارين المدهشة ويستريح عضوها، بعد أن استقى بعض احتياجاته من اللذاذة والانتشاء الموكول التكفل بهما لتوحد الرجل بها. ليس ثمة إيماء لوصف جنسي أو مداعبة خاصة أو بعض اقتباس لتطبيق من النفزاوي أو سَادْ أو الكاماسوترا وغيرها. فقط مجرد رغبات وتفكير خاص في متطلبات الجنس وأكواريوم هائل بكل منجزات الغرق الجميل في كل أبعاد مياهه.
جاكلين تحتفي أكثر بنساء الأكواريوم و بالسلالات الغريزية الطافية على جدرانه الشفافة، تفعل بهن ما تشاء وتغذي لديهن لذة مراقبة توجسات ما بين أفخاذهن. وإذ يتعلق الأمر بوصية فإن الإرث لا بد عائد إلى من هن قائمات بذلك، فالموقف حازم وصيرورة الصائر دعوة غير قابلة لتسويف لوضع مستلزمات الجنس موضعها الجدير بهشاشة آنيته الشيقة. quot;هاهي تجعلهن يفرقن أفخاذهن وتعمد إلى التأكد بواسطة مرآة من أن في أسفل بطنها توجد فعلا تلك quot;البهيمةquot; عارية ومضطربة، لكنها عندها مختلفة، فهي أكبر وأكثر طمعاquot; ص 48. كما تؤكد، فعضوها حي و قائم بذاته، مثل فاكهة عضوية بامتياز.
لقد بدأ يحيا لديها، منذ وقت مبكر، إذ يتحول ويكبرquot;.
quot; يحيا لديها مبكرا ويئن أكثر منه عند فتيات أخرياتquot;.
quot;يزحف على بطنه مثل كلب بحر جائعquot;.
quot;عضو جديد أحمر وأسود، مصاص دماء ومنزوف في الآن نفسهquot;.
إن جاكلين أو تداعيات وصية فتاتها حرصت على دقة خاصة في وصف مناطقها المحيطة بنار الجنس وتفرّد تلاوينه الأخرى. لماذا إذن كانت مهووسة إلى هذا الحد بنهوض شهوتها؟ لماذا كانت حيادية في رسم تحقق لذتها دون اقتدار ذكوري ممكن؟
في الأمر إذن إيعاز أولي لتأمل ذاتي قائم على فلسفة جمالية يسندها عشق تام وتحرر مبني ٌّ على قول أسماء الارتعاشات، دون رقابة، يكون مصدرها حيثما شاء. كذلك، لأن للأرق الناجم عن أسئلة جنسها، مضاعفات أخرى حادة على الأصابع التي طافت يوما على الأبجدية وصنعت من وصية بعض صفحات جميلة.
إن اللفتة الجميلة التي ارتكبت بها جاكلين قصيدتها هي ما أكسبها بالتالي ذلك العمق الجميل في كل ذهاب فني متعقّب لمعنى ما. تلك الظلال المتبرعمة حول عضوها، ذلك التلون الخاص المحيط بطلاسم أشفاره، وتلك النكهة غير الممكن الإمساك بماهية لونها في الطرف الباطني من الفخذين المتاخم لحيث يربض جنسها. إن هذه التفاصيل الصغيرة لم تكن أبدا مزروعة في نشاز أو مبتورة من أصل وإنما هي أساس دهشة فلسفة الوصية باعتبارها توريثا لأداة نحت المعرفة ودعوة لأركيولوجيا مقارنة.
فعل شعريٌّ مؤ سّس لاحتراز في تسمية quot;أصل العالمquot; ولقول كثير من عري ضد تلفيقات quot;الأخلاقquot; والتزمت. حتى كوربيّه لم يكد يترك جمال لوحته دون أن يلجمها بعنوان أخاذ. جاكلين بإيعاز من أخيلة، وبتمسك طبيعي برغباتها وإرادتها في إشباع، تمكنت من الوصول إلى فتوحات متخيلة عن تحولات، عندما تتحول و ليست تمسخ أعضاؤها الجنسية إلى حيوانات.
إن التماس الرمزي عند جاكلين بين توصيفات عضوها و حيوانات مائية أو تشبيهها بكلب البحر أو بحيوانات ذات مجسات، لجدير بإعادة خلق توازنات نفسية بين بعض الاستيهامات الذاهبة إلى الربط بين الجنس و اختلاجاته و بين مرأى و طرائق تحرك بعض تلك الحيوانات و اقتيادها لأجسادها نحو حياة. جاكلين ، في صفحاتها التي أشادت بفاكهة العضو، لم تكتب كي تغادر عزلة و لكن ، لأنها مضت في تشابكات رمزية، لتسترسل في عذوبة متعتها بأخيلة جميلة. الذين كتبوا عن الجسد و اهتزازاته الأكثر تطرفا، كانوا يفصلون في الغالب بين الجسد وامتثاله للعين بأن يخبئونه أولا ثم يحدثون بعد ذلك صدمة هتك الستار والدخول في محارم العري، جاكلين خلاف ذلك غطست أصابعها في سيولة الشهوة و أمسكت بنبض العضو دون أن ترتبك في شيء مجساته المعتمدة، ومنحت بذلك للجسد قداسة أرضية، لا تستلزم أبدا امتثالا لسلطة عليا. ثمة صوفي كان يهجس بأشياء جاءت من نفس الحكمة، كان يقول:quot;أحب أكل اللحم و التصاق اللحم باللحم ودخول اللحم في اللحمquot;.
إن النعت الفرنسي charnue الذي رنّ كثيرا في نص جاكلين لشبيه ببذخ المعنى العميق للاهتزاز اللساني لمفردة quot;اللحمquot; في بوح الصوفي. لذلك كان الحس الفيزيقي الهام الذي جعل جاكلين تطوف مراعي الالتذاذ في الجسد أهم من كل تقيّة هلوعة. وقالت بلغة أخرى كم تدرك أين تولد الدهشة و الغبطة لدى فجوات اللحم والزغب.
تلك البثور المبثوثة تحت السرة في تلون ذاهب إلى حمرة غير ذات شين. ذلك الانفتاح الشبقي كله ما يجعلنا نستوعب وصية جاكلين، أو بالأحرى تلك التفاصيل التي طافت بخلدها وهي تهجس بأشياء أخرى أكثر حزازة و أقل جمالا من تحولات الشهوة وسلاطة الجنس.
لربما كانت اللوحة التي لمحتُ منذ مدة في كتيّب صغير صادر بالانجليزية، بمركز بومبيدو، كانت مثقلة بوعود شهوانية باهظة. فالمقدمة التي قرأت سريعا جعلتني أدرك أن الكاتب كان عاشقا للفن وكانت الفكرة التي راودته هي أن يشتري كل شهر لوحة فنية قد تعجبه بالتأكيد لدى فنانين. ما كان يصبو إلى تحقيقه هو أن يحصل في آخر العام على اثنتي عشرة لوحة. كتبَ تعليقا صغيرا حول كل لوحة و ولد الكتيب.
لوحة واحدة جعلتني أتأمل فيها فكرة الجنس و لمشاكسة فنية لسقوط الشهوة في مضاربات الآلة: في اللوحة فخذان و بينهما انفتاح شبيه بالفتحة التي تبتلع القطع النقدية في الآت المشروبات أو في أجهزة الهاتف العمومية، و على مقربة قطع نقدية مرصوفة بعضها فوق بعض على هيئة قضيب، ثمة يد تأخذ القطعة الأولى و تتجه نحو الفتحة.
ما علاقة هذه اللوحة و تهويماتها الخاصة بالمناطق التي تصفها جاكلين؟ لربما ليس من السهل الحديث عن تباعد أو تنافر بين الأمرين. إن الذي رسم اللوحة جاء هو أيضا من قلق خاص نابع من أسئلة حادة عن الجنس و مشاكساته الكبيرة لاندهاش الإنسان؟ ما تفعله جاكلين أيضا هو نفسه هرش لتوعك ما، أو قد يكون رَبتًا على لدونة و نعومة.
رسام اللوحة مضى إلى أفكار أخرى عن تشيء الجنس و سقوطه في تداول سيء للقيم الإنسانية. كل ما في الأمر أن ما فعلْته بوصية فتاة صغيرة بعد أن اجتزأتُ منها بعض اللحظات المنسربة من مفاصل معاناة خاصة، كان إنصاتا لعزف جميل و تمعنا في تشكيل عاجيّ لجسد يتباهى في ابتهال خاص بارتفاع.
الأكواريوم مجرد شكل مناسب لاحتواء استيهام و الأفخاذ التي ترتفع عن سطح الأرض بشارة مدهشة عن نضج أخاذ لفاكهة عضوية لا تضمنها لأحد أية وصية أبدا.
[email protected]
التعليقات