عمتم نشيدا أيها الأصدقاء...
عمتم أحلاما أيها الشعراء...
اليوم و أكثر من أي وقت سابق نحن هنا، كي نركض جميعا ضد رغباتنا الخاصة، ضد رغباتنا السرية في أن نتصنم و نتوثن... في أن نتشبه بقادة الشعر التاريخيين و ننتج من جديد سلطتهم التي تمارس غالبا ضدنا، في أن ننجر إلى أفخاخهم و نحول الحرف/ الشعر/ الحلم... إلى ماركات إشهارية مسجلة و مكرسة لا بفعل الإبداع وحده بل أيضا ببطريركية الممارسة و سلطة الإقصاء.
اليوم نرفع عقيرتنا بسؤال مقابر الشعر الجماعية...علب السردين الصدئة... نصوص القادة التي قد تناسبنا و قد لا تناسبنا... متشاركين هنا... متساندين في رحلة نعرف أنها لا تلزم الكثير من الواقفين بيننا، لذا فلنكن واضحين ــ إذن ــ منذ البداية، صارمين بما يكفي لنضمن أسباب المشي لهذا الطريق (طريقنا)، من يبحث عن أتباع و مريدين فليبحث عنهم في الأحزاب و الزوايا، و من يبحث عن النياشين فليبحث عنها في الحروب، و من يبحث عن جمهور فليبحث عنه في الملاعب، و من يبحث عن الرسائل فليطلبها من الأنبياء أو من سعاة البريد، و من يبحث عن بيت و سقف فليس لدينا ــ للأسف ــ هنا سوى العراء، مكتفين باكتفائنا، أغنياء باستغنائنا، لا غاية لما نخلق... لا وظيفة لما نبدع سوى حكمة الضياع، لذا فإن من يرتجي أفقا غير هذا، فليترك لنا فرصة الإنسحاب من زمانه و ليدرك ــ منذ اللحظة ــ أن قدر هذه العربة أن تظل بدون حوذي و أن مصيرها لن يتوقف سوى عند أبواب الجحيم !!
و إذا ما كان اختيارنا هذا اليوم لنبدأ، فإنما نبدأ من حيث تصنم الآخرون، و الخطوة الأولى ــ كما تعرفون ــ تبقى هي الأصعب و الأهم و الأكثر إثارة للأسئلة و الشكوك، لذا وجب التذكير دائما في هذا المقام، أننا هنا لا نقوم بدور العراب و السادن بقدر ما نقوم فقط بواجب البداية لإيماننا أن كوكب الشعر متاح للجميع، و طموحنا الأساس ضمان حقنا في الغناء : أن نغني خارج الحظيرة... خارج المناهج الشعرية المعممة... خارج ذائقة البعد الواحد و ذهنية السلف الشعري الذي تفصلنا عنه سنوات ضوئية من سوء الفهم و التفاهم.
و لكي ننأى بأنفسنا عن مستنقعات السياق العام، و نتجنب أيضا السقوط في ردود الفعل المتشنجة، فلنجعل أيها الأصدقاء من نشيدنا وحده (نشيدنا الذي يشبهنا): ركحا مشتركا للبوح والغناء و الحب، و لنجعل عيوننا مفتوحة كما يجب على متطلبات الوقت، بشكل يجعلنا لا نبدوا فيه معزولين عن الواقع و بشكل يسمح لنا دائما بتجديد آليات اشتغالنا بما يناسب لحظتنا الراهنة.
أصدقائي بين فاتحة الطريق و قمة الأولمب، يكد الشعراء للعثور على قبس نوراني حتما أنه موجود في مكان ما تحت السماء الفارغة، العثور عليه يحتاج إلى البحث عنه في مكان أرحب من عمر البشرية، فلنبحث عنه إذن في قلوبنا و لنا اليقين أن هذا النور مازال يئن هنا أو هناك تحت الخراب، فلنتعاضد لانتشاله و لنلطخ العالم بالشعر و لنشعل الأغاني في كل مكان، فمنا أيها الأصدقاء من يحاور الأنبياء و منا من يوقظ الربيع في نفوس الصبايا بهمس على قارعة الطريق، و منا من يرتب للبحر إيقاعه و منا من يقيس المسافة بين النجمة القطبية و شرفة بيته بالحاسة السادسة...
أصدقائي آن الأوان كي نحرق الشجرة التي تغطي الغابة، أن نبارك الغابة و الأدغال، الأشجار و الزهور، الباسقة و العطرة، فكلها شريكة في تجديد الهواء الفاسد بهذه الغرف المغلقة... !!