اعتدال سلامه من برلين: ما يدل على اهتمام ألمانيا الكبير بالعالم العربي والإسلامي هو الرحلات التي قام بها علماؤها ومستشرقوها عبر القرون ومازلوا في عمق البلدان العربية للتعرف على حضارتها وعلمها وثقافاتها. ولقد انكب العشرات منهم على دراسة العلوم الإسلامية والشرقية لتوثيق أواصر الصداقة وتعميقها، وبناء عليه نجح العديد في بناء جسور حضارية نشهد معالمها في معاهد الاستشراق والعلوم الإسلامية التابعة للجامعات الألمانية.
ولأن النهل من العلم يحتاج إلى مراجع ووثائق موثقة، انصب اهتمام بعض العلماء الألمان في الماضي ، خاصة اللذين جمعتهم بالعالم العربي والإسلامي أواصر صداقة متينة نتيجة رحلاتهم الاستطلاعية والعلمية أو المهنية، انصب على جمع وثائق قديمة ذات قيمة علمية مهمة منها أصلية ومنها منسوخة وجدت لها بعد ذلك مكانا أمينا في مكتبة بلدية العاصمة برلين ( شتاد ببليوتيك).
ويضم القسم الشرقي من هذه المكتبة أكثر من 15 ألف وثيقة ومخطوطات أصلية أو منسوخة ورسومات نادرة تعود إلى حقبات زمينة مختلفة نقلت معلومات مهمة علمية وثقافية وحضارية وطبية وقانونية عن الحكم الإسلامي والخلفاء كتبها علامة أو نسخها عنهم تلاميذهم. وبسبب عامل الزمن وتفاديا لتعرضها للتلف وضعت في غرف خاصة توفرت فيها كل شروط الحماية، لذا ليس من السهل على طلاب العلوم الإسلامية أو المهتمهين بها الاطلاع في أي وقت يريدون على أي مستند إلا بطلب خاص من إدارة المكتبة.
ومجموعة مكتبة برلين هي أكبر المجموعات المتواجدة في أوروبا لكنها ليست الأقدم، فأقدم المخطوطات يملكها مركز دراسات علم النحو واللغة العربية وفقها وآدابها في مدينة ليدن الهولندية.
ويعود تاريخ القسم الشرقي في المكتبة البرلينية إلى زمن أمير منطقة براندنبورغ عام 1670 وكان له اهتمام كبير بالمخطوطات الشرقية، وعن طريق هولندا التي كانت له علاقة وثيقة بأمرائها جاءته مطلع القرن السابع أول دفعة من المخطوطات الأصل لكن ليس هناك معلومات مفصلة عن ما وصل إلى المكتبة البريلينية في القرن الثامن عشر. ومن بين الكتب ما كتبه علامة مسلمون بيدهم أو منسوخة على يد أساتذة وتلاميذ كانت لهم يومها علاقة بمدينة ليدن. كما عرف أن الفضل في وصول أكبر دفعة من الرسوم والمخطوطات في القرن التاسع عشر يعود إلى الدبلوماسي الألماني هانيريش فريدريش فون ديتس وكان قنصلا بروسيا ( أسم جزء من ألمانيا سابقا) في القسطنطينية، ووجدت مكانا لها في المكتبة البرلينية وسميت سابقا المكتبة الأميرية.
وطوال القرن التاسع عشر كانت تزود المكتبة بالوثائق بخط اليد ومخطوطات مختلفة بعضها كهدية من الملك البروسي والبعض الآخر من مستشرقين مثل بيترمان وشبرغر والقنصل الروسي فيتشتاين. كما أضيفت إليها في نفس القرن مجموعتي المستشرق الألماني غلازر وجمعها خلال رحلته إلى اليمن والغراف لندمبيرغ وهو أستاذ في علم اللغات والشعوب البدائية وعمل بشكل أساسي في سوريا مما رفع حجم الثروة الثقافية في المكتبة البرلينية إلى 6500 مخطوطة.
ومع مطلع القرن العشرين تواصل تزويد المكتبة بالمخطوطات العربية والإسلامية والرسومات النادرة ، لكن ليس بنفس الكم كما في السابق، فأضيفت إليها وثائق ومخطوطات كتبت على يد شيوخ علامة وتلاميذ لهم أصبحوا فيما بعد أساتذة أيضا مجموعة المستشرق الفرنسي كلمنس أويان والأستاذ العربي روجيه دحداح والمستشرق الألماني الذي استقر في تركيا أوسكار رشر.
ووجود مثل هذه الوثائق التاريخية المهمة جعل المكتبة البرلينية مركز دراسات يقصده العديد من المهتمين بالعلوم الإسلامية والحضارة العربية والإسلامية من كل أنحاء العالم أيضا من العالم العربي لما فيها من مخطوطات ووثائق تلقي الضوء على الحياة السياسية في حقبات تاريخية مهمة من القرن الثامن ميلادي مرورا بحكم المماليك في مصر.
ونوع المخطوطات مختلف منها ما له توجهات تخصصية أو علاقة باهتمامات اللذين أحضروها إلى ألمانيا أو مكملة لمجموعات كان جزء منها متواجد سابقا كلتي أحضرها المستشرق الألماني غلازر وكان مصدرها اليمن وقصده في عدة رحلات.كما جلب القنصل البروسي فيتشايد عام 1860 من دمشق المجموعة الكاملة من القصص الشعبية مثل سيرتي بن هلال وعنترة نسخ بعضها عن الأصلية ويبلغ عمرها أكثر من 200 عام.
وزود أليوس شبرنغر الذي عاش عشرات السنين في الهند المكتبة بالقصص والنوادر والأحاديث النبوية الشريفة وأحضر معه مخطوطات كتبت باليد قديمة جدا في الحديث النبوي الشريف.
وتضم المكتب أكبر عدد من المخطوطات في علم البلاغة واللغة العربية ونصوص قانونية بالغة الأهمية خاصة للباحثين في العلوم الإسلامية. وهناك جزء كبير من الأشعار لمجموعة من الشعراء المعروفين مثل المتنبي وتحليل للمعلقات المشهورة لابن خاروف وأعمال شعراء لم يسلط الضوء عليها فظل كتابها في الظل.
وإضافة الى عدد لا بأس به من نسخ نادرة من القرآن الكريم يوجد في المكتبة صناديق يوضع فيها تحمل رسومات جميلة ونادرة أودعت صناديق زجاجية ليست فقط بهدف تفادي تلفها بل لحمايتها من السطو.
وبهدف حصر ما يتوفر في المكتبة ولتسهيل عمل العلماء وطلاب معاهد الاستشراق وضعت المكتبة البرلينية عام 1899 أول كاتالوج ضم فقط مخطوطات إسلامية وشرقية تعود إلى فترة ما قبل القرن التاسع عشر، لكن الحاجة العلمية المتزايدة دفعت بالأستاذ الألماني فيلهالم البارت لوضع كاتالوج كبير من عشرة أجزاء لكن ظلت الفترة ما بين عامي 1910 و1970 من دون مراجع موثقة لأسباب غير معروفة، وفي التسعينات وضع البروفسور زلهايم فاغنر والأستاذ ك. شوليه مع أساتذة آخرين بناء على برنامج لمدير القسمين الشرقي والإسلامي الدكتور هارس كوريو خمسة كاتالوجات بعدها تم فيها توثيق ما تبقى إضافة إلى ما وصل المكتبة من مخطوطات جديدة.
- آخر تحديث :
التعليقات