صدر للباحث العراقي الدكتور ابراهيم الحيدري كتاب جديد quot;علي الوردي- شخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية quot; عن دار الجمل ndash; كولون، في 319 صفحة. والكتاب تخليد لذكرى العلامة علي الوردي والتعريف بكل ما يتعلق بحياته وشخصيته ومنهجه وافكاره الاجتماعية والفلسفية . فالوردي معلم من معالم الفكر الاجتماعي النقدي ورائد من رواد الفكر التنويري في العراق، الذي ترك فراغاً واسعاً في الحركة الفكرية والثقافية والاجتماعية، وخلف وراءه ثروة فكرية قيمة، كانت حصيلتها ستة عشر مجلداً ومئات الدراسات والبحوث والمقالات في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. وبوفاته خسر العراق رائداً من رواد الفكر الاجتماعي في العصر الحديث.
لقد كان الوردي شاهداً على أحداث قرن بكامله تقريباً. فقد فتح عينيه مع بدايات الحرب العالمية الأولى، وأسدلها وما زالت حرب الخليج الثانية لم تنته بعد. وكان في كل ذلك حاضراً، يستقرء الأحداث ويحللها وينقدها بأمانة نابعة من استقلاليته الفكرية وموضوعيته العلمية، كما كان حاضراً وما يزال في وجدان قرائه ومريديه وأصدقائه وحتى نقاده لأنهم وجدوا في آرائه وأفكاره النقدية كثيراً من الأجوبة على تساؤلاتهم وتشخيصاً للكثير من مشاكلهم، وبخاصة ما يرتبط بازدواجية القيم، التي نتجت عن الصراع بين البادية ـ الريف ـ المدينة، ومحاولته رسم ملامح شخصية الفرد العراقي وازدواجيتها، وكذلك ما أفرزته الحداثة والتحديث من تغير وتحول وصراع وتناشز اجتماعي. وهي مؤشرات على ما يحمله عراق اليوم من معاناة، والتي تنعكس على حالة الشكوى والتذمر التي تلفه والضياع الذي يحيط به، وذلك بسبب ما أصابه من مآسي ومحن ومظالم خلفتها سلسلة الحروب والانقلابات وتغير الأنظمة والحكومات واستبدادها.
يقول المؤلف : كان الوردي أشار منذ أكثر من نصف قرن، وبجرأة متميزة وفكر ثاقب، إلى الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والعادات والتقاليد البالية التي ما زالت تؤثر فينا وتنخر في مجتمعنا وتسيطر على تفكيرنا وسلوكنا، فكشف عنها وحذر العراقيين من مغبة استفحالها أو إعادة إنتاجها وترسيخها من جديد. وبذلك يمكننا اعتباره أول عالم اجتماع درس المجتمع العراقي وشخصية الفرد فيه دراسة اجتماعية- تحليلية رصينة، وأول من استخدم منهجاً أنثرو- سوسيولوجيا في دراساته وبحوثه، وأول من غاص في جذوره الخفية منقباً عن الظواهر الشاذة والغريبة وغير السوية، التي ليس من السهل التعرض لها ونقدها، لشدة حساسيتها الاجتماعية والدينية والسياسية. ولذلك نستطيع القول، أن الوردي هو أول من شخص تلك الظواهر الاجتماعية المرضية التي رزح تحت ثقلها المجتمع العراقي سنيناً طويلة، وبذلك استطاع أن يضع يده على الجرح العراقي العميق وقال: هذا هو الداء.
ساهم الوردي مساهمات جادة فيما طرحه من أفكار وفرضيات في دراسة المجتمع العراقي وكرس حياته لها، محاولاً تحليل أنماط الثقافة والشخصية من خلال تتبعه للتحولات الاجتماعية والتبدلات البنيوية التي حدثت في العراق والعالم العربي والإسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر، وما أفرزته من صراعات وتناشز اجتماعي بين القديم والحديث وبين البادية والريف والحضر، التي شرحها في مؤلفاته.
وتعتبر مؤلفاته العديدة، وبخاصة quot;دراسة في طبيعة المجتمع العراقيquot;، وكذلك موسوعته الاجتماعية quot;لمحات من تاريخ العراق الحديثquot;، بمثابة مراجعة جديدة وشاملة لتاريخ العراق الاجتماعي وفتح فيه باباً واسعاً للوعي به وإعادة إنتاجه من جديد، ولكن بشكل جديد ونقدي، مثلما وضع تصوراً واضحاً للتركيبة المجتمعية التي هي تشكيل لظروف وشروط تاريخية واجتماعية واقتصادية- سياسية، ما زالت تعيد نفسها اليوم. تلك المقدمات السوسيولوجية التي بينت بوضوح عمق ما يحمله العراق اليوم من تناقضات وصراعات واختلاف لا نعرف بعد نتائجها الوخيمة.
فهل قدم الوردي أجوبة كافية وشافية في تشخيصه لعوامل الخلل والتشوه الذي اصاب المجتمع العراقي وشخصية الفرد وتمزق هويته الوطنية وعجزه عن استعادة وعيه والوقوف على رجليه واستعادة حريته؟!
وللاجابة على هذا السؤال يحيل المؤلف القارىء الى مؤلفات الوردي التي تقدم مؤشرات على مصداقية افكاره الاجتماعية وما يحمله عراق اليوم من كوارث ومحن. فالوردي كان شاهدا على قرن بكامله تقريبا.
يشتمل الكتاب على مقدمة وستة فصول تتضمن افكاره وفلسفته ومنهجه وفرضياته الاجتماعية وكذلك محاولته لفهم الطبيعة البشرية. كما يتناول آراءه في الثقافة والديمقراطية والمرأة وثورة 14 تموز وغيرها.
وأخيرا يخضع المؤلف أفكار واطروحات علي الوردي لمحكمة الفكر ليقدم نقدا وتقييما، مستعرضا أراء نقاده ومريديه وكذلك دفاع الوردي عن افكاره.
إن كتابات الوردي ومحاولاته ومناقشاته العلمية كانت إسهاماً ثرياً ومثيراً أغنى الحركة الثقافية والاجتماعية في العراق وتركت قراء وتلاميذ ومريدين ما زالوا يستنيرون بأفكاره الاجتماعية الثاقبة وآراءه الجريئة ومنهجيته الفريدة التي حصلت على اهتمامات فئات اجتماعية عديدة ومختلفة. ومهما وجهت الى الوردي من انتقادات، فقد بقيت كتب الراحل وافكاره الاجتماعية حية، وموضع اهتمام متزايد حتى من الاجيال الجديدة.