محمد الحمامصي من القاهرة: أقام نادي القلم الدولي فرع القاهرة بالتعاون مع مركز البحوث العربية والأفريقية ندوة حول الحرية الفكرية بين الواقع والتقليد تعرضت لوضع الحريات والإعلام في أفريقيا ووضع كتابها، شارك فيها وحضرها نخبة من الكتاب والمثقفين المصريين والعرب وأدارتها الكاتبة الروائية هالة البدري. بدأت الندوة بحديث أمير سالم المحامي الذي أبدى اعتراضه علي كلمة الحرية الفكرية أو حرية الفكر حيث رأي أنه لا يصلح القول بحرية الفكر في ظل حياة نمطية علي كافة المستويات السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية.. إلخ. وتساءل: هل نحن متاح لنا حرية الفكر ؟ وقال: المتاح لنا أن نفكر ونحلم بما نشاء ولكن داخل دوائرنا الصغيرة، حيث يمكن لنا كمثقفين الدخول في نقاشات تمتد إلي المحرمات والتابوهات، لكن لا يمكننا الخروج بهذه النقاشات إلي العلن بسبب الفكر السلفي الذي يفرض هيمنته علي المجتمع.
نحن بحاجة إلي تحرير الفكر، نحن محاصرون في قوالب وأنماط وضعت كمعيار، محاصرون بفكر سلفي يحاكم بقية الأفكار المختلفة، من هنا أرفض حرية الفكر لأني أينما وجهت رأسي وجدت حدودا تحول بيني وبين هذه الحرية سواء مع اليساريين أو الشيوعيين أو الناصريين أو السلفيين. إن هناك إشكالية تتمثل فيس قبول الفكر المختلف، فللأسف نحن أسرى ثقافتنا ومجتمعنا ونظريتنا التي وضعها الآخرون، هناك أناس أسرى مهنهم وجهلهم، حيث نعيش في جزر معزولة.
وأضاف سالم: تحكمنا منظومة تشريعية وثقافية ودينية حكومية وغير حكومية وإعلامية تحاصر حرية الفكر وتقيدها، كما تحكمنا سيكولوجية الخوف (المواطن المخبر)
وتوقف سالم عند دستور 1923 ودستور 1971 وقارن بينهما ومتعارضا لقانون العقوبات وما يشكله من قمع لحرية الفكر، فالمادة 102 تقول أن من يمارس حرية التعبير في مكان عام يسجن لمدة عام.
وأكد سالم أن إشكالية العقل العربي تبدأ من هيمنة وسيطرة منظومة الدين بشكل واضح، فإذا ناقشت أحدا واجهك بقول القرآن والسنة، ومن هنا لعب الدين دورا خطيرا جدا في وضع سقف (مسلح) حال دون حرية الفكر.
وأشار سالم إلي إشكالية أخرى وهي عدم قبول الآخر الذي نستمتع بمنتوجه سواء كان منطق عدم القبول من الدين أو العروبة أو القومية.
وقال سالم أن التعديل الأخير في الدستور والخاص بالمادة 179 يقنن لمصر الدولة الأمنية ويطلق قوى الأمن لتفعل ما تشاء دون رادع.

أما د. عواطف عبد الرحمن أن الإعلام يلعب دورا قويا في الوعي المشترك بين الأفارقة والعرب، مؤكدة أن الرأي العام المصري بأفريقيا ضئيل جدا ومرتبط بالجانب الرسمي أي توقيع الاتفاقيات وما شابه.
وقالت د. عواطف: هناك الكثير من الجوانب التي لا يعرف عنها أحد شيئا في أفريقيا هذه القارة شديدة الثراء، مثل قضايا التحرر الوطني وقضايا التنمية وحركة المنظمات الأهلية غير الرسمية، إنها قارة عجيبة في تناقضاتها، ودخول العولمة أجبر الدولة في أفريقيا لتتخلي عن الكثير من وظائفها الاقتصادية والسيادية الوطنية لكن الإعلام ظل في قبضتها حيث لا تزال تحكم قبضتها عليه.
وأضافت د. عواطف: إن سكان القارة يبلغ 700 مليون، 80% منهم يعيشون في الريف تحت وطأة الجهل والفقر، و20 % في المدن التي تتمتع بقدر من الإعلام حيث تتركز كل الخدمات الإعلامية في المدن، عدد الصحف في أفريقيا 200 صحيفة و350 دورية أسبوعية، أي أن نصيب الفرد من الإعلام المقروء 3% مع التحفظ، ونصيبه من الراديو 8 %، ومن التلفزيون 5%، ومن الانترنت 1%.
وهكذا فإن القارة أقل القارات إنتاجا واستهلاكا للإعلام، وأكثر عرضة للاختراق الإعلامي والثقافي، لكن هذه الإحصاءات تفقد قيمتها إذا نظرنا إلي عادة القراءة والمشاهدة الجماعية التي تتمتع بها الشعوب الأفريقية.
أحد أبرز المميزات في أفريقيا إعلاميا القنوات الفضائية التي تتركز في الشمال بفضل القمر الصناعي المصري نايل سات (يبث لـ 35 دولة أفريقية) وفي الجنوب قنوات مالتي شويس (تبث لـ 39).
وذكرت د. عواطف بفترات ما قبل الاستقلال وما شهدته الدول الأفريقية من حركات نضال وطني وظهور صحف مستقلة، لكن هذه الحركة الإعلامية التي واكبت الاستقلال اختفت بعد الاستقلال (الاستقلال دخل من الباب وحرية الصحافة خرجت من الشباك) حيث لم تعد هناك فرصة للتعددية .
وأشارت د. عواطف إلي ضآلة التعاون الإعلامي (2%) بين الدول الأفريقية التي تعتمد علي الوكالات الأجنبية في نقل الأخبار والأحداث بين الدول المتجاورة. وأن المؤتمر الدولي لوزراء الإعلام الأفارقة منذ بدء وهو يعيد إنتاج قراراته وتوصياته دون أن يفعل أو ينفذ منها أي قرار أو توصية.
وانتهت د. عواطف إلي أن التحديات التي تواجه الإعلام الأفريقي تتخلص في تحديات تكنولوجية حيث تغيب البنية التحتية لإقامة شبكات تكنولوجيات، وتحديات مهنية حيث ضعف تأهيل الكوادر الإعلامية وغياب التدريب وضعف الإمكانيات المالية وعدم وجود وعي بالعمل التكاملي داخل القارة، وغياب دور رجال الأعمال والمستثمرين.

أما الكاتب والمترجم طلعت الشايب فقد تعرض لكتابه الذي ترجمه (محنة الكاتب الأفريقي) وعرف بكاتبة تشارلز ر. لارسون وألقي أيضا شهادة لتشارلز بعنوان (كتاب أفريقيا في خطر) جاء فيها: يحدث كثيرا في الولايات المتحدة (وفي معظم الدول الغربية في الواقع) أن يقوم من يريدون أن يصبحوا كتابا بإرسال أشعارهم وقصصهم القصيرة إلي الصحف والمجلات، وهي عملية في غاية السهولة، ويساعد عليها وجود عدد كبير من المطبوعات، وعندما يواصلون ذلك ويجودون حرفتهم بإصرار تكون أمامهم الفرصة لكي يجدوا في نهاية المطاف ناشرا لأعمالهم. الشيء نفسه مع قلة الفرصة إلي حد ما ينطبق علي الروايات والمخطوطات الطويلة الأخري، والصحف حافلة بنماذج من هؤلاء الكتاب الذين نجحوا ووجدوا طريقهم إلي الشهرة. صحيح أن من يشتهر هذا العام قد يطويه النسيان في العام التالي... ولكن قافلة النجاح تسير في طريقها.
القليل من جوانب النشر هذه هو الذي ينطبق علي كتاب أفريقيا: إذ عندما انتهي 'تيوتولا' من روايتيه الأوليين لم يكن واثقا من وجود ناشر في نيجيريا يهمه أن ينشر أعماله، فأرسل المخطوطة الأولي إلي 'فوكال َرس' التي كان يعرف كتب التصوير الفوتوغرافي التي يصدرونها، وربما لم يخطر بباله أن تلك الدار كانت معنية بنشر الكتب الفنية. كتابه الثاني 'شرٌِيب نبيذ النخيل' أرسله إلي الجمعية المتحدة للأدب المسيحي بعد أن قرأ إعلانا في 'نيجيريا ماجازين'، وربما يكون السبب الأهم هو أنه كان يدرس في إحدي مدارس الإرساليات ذات يوم.
كان من حسن حظه أن يجد ناشرا مثل 'فيبر آند فيبر'، وبالرغم من أن الكتاب تأخر طويلا، فإنه نجشِرَ في النهاية. في تلك السنوات، عندما كان 'تيوتولا' يكتب كان البريد مضمونا ويعتمد عليه وإن كان الأمر لم يكن يخلو أحيانا من سوء حظ. في 1957، بعد أن انتهي 'أشيبي Achebe' من 'الأشياء تتداعي Things Fall Apart' أرسل النسخة الوحيدة من المخطوطة مع إذن بريدي بمبلغ 32 جنيها إلي أحد مكاتب السكرتارية في لندن لكي تجطْبَع علي الآلة الكاتبة. لاحظ المبلغ نفسه: إذ إنه أكبر من إمكانيات مواطن أفريقي في ذلك الوقت إذا عرفنا أن متوسط دخل الفرد في نيجيريا آنذاك كان حوالي 30 جنيها.
من الصعب تأكيد ما إذا كان المكتب الذي أرسل إليه 'أشيبي' مخطوطته كان وكالة قانونية أو لا، ولكن بعد عدة أشهر (وكثير من خطابات الاستفسار) لم تصل النسخة المطبوعة علي الآلة الكاتبة، وحدث أن كان لأشيبي صديق مسافر إلي لندن فذهب لكي يستطلع الأمر. وكما يقول 'إيزنوا أوهايتو Ezenwa-Ohaeto'، كانت المخطوطة ملقاة في ركن من المكتب يعلوها التراب، وبعد أن طبعت أخيرا كانت لدي 'أشيبي' خدمة نادرة من وكيل أدبي استطاع في النهاية أن يبيع روايته ل 'وليم هينمان William Heinmann'، وقد روي 'أشيبي' لمحرر أعماله 'آلان هيل Alan Hill' أن المخطوطة لو كانت قد سرقت أو فقدت 'لكان من الممكن أن يصيبني الإحباط فأترك الأمر برمته، ولو كنت قد أجبرت نفسي علي كتابة العمل مرة أخري لجاء مختلفا تماما، (p.63)، ولعل المرء يتساءل عن عدد المخطوطات التي ضاعت لكتاب أفارقة في البريد أو فجقدت في دور النشر.
بالنسبة لكثير من كتاب أفريقيا اليوم، مازال تسليم المخطوطات عملية محفوفة بالمخاطر، كما أن عدد الناشرين قليل جدا للوفاء باحتياجات كتاب القارة. الصحف والمجلات الأدبية والمطبوعات المستعدة لنشر القصص القصيرة والأشعار مازالت قليلة حتي في البلاد ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا، والقليل منها هو الذي يدفع للكتاب، وبالرغم من ظهور عدد من المطبوعات المتميزة في العقود الأخيرة، فإن معظمها بما فيها تلك المدعومة من الجامعات كان عمرها قصير، كما أن الكتاب الأفارقة لم يكونوا أكثر توفيقا في تسليم قصصهم وأشعارهم للمطبوعات الأمريكية والأوروبية أكثر مما كانوا في الخمسينيات. مرة أخري الأعمال تتأخر طويلا والبريد لا يعتمد عليه ومعظم الكتاب معلوماتهم قليلة أو غير دقيقة بالنسبة للمطبوعات المناسبة لتلقي أعمالهم.
وبالنسبة لدور النشر الأفريقية not;not;فالوضع ليس أفضل بكثير، والحقيقة أن مئات الناشرين في أفريقيا جنوب الصحراء لا يحبذ معظمهم نشر الأعمال الإبداعية، وإنما تركيزهم علي الأعمال الفنية أو الأعمال غير الروائية أو الكتب التعليمية، أما الذين ينشرون الروايات والأشعار، فإلي جانب قلة عددهم، لا يشجعون الكتاب غالبا، وغير قادرين علي رعاية الكتاب المبدعين، وغير أمناء في محاسبتهم، وهامشيون لدرجة أن كثيرا من الكتاب مازالوا ينظرون إلي الخارج بحثا عن ناشر، وبخاصة في المملكة المتحدة وفرنسا. هناك طبعا استثناءات، ولكن عدد الناشرين الأفارقة، الداعمين للمغامرات الإبداعية للكتاب الأفارقة السود قليل جدا، إلا أن الكتاب يحاولون علي مدي سنوات عدة بحث هذه القضايا في محاولة لتحسين الأوضاع