طيور عائمة في المطلق

كان الجبل رهيفاً بجسده الكثيف وقامته الشاهقة.
كانوا أربعة طيور يتسلقون قبته الخضراء ويشاكسون الجروف
في عمق الأفق المطلق.

كان الورد المتوحش ينبثق من الضلع الصخري..
يلاعب في الأسفل إوزات البحيرة
ويقيم مأدبة للأمل في نشيد الأعماق.

كان النبيذ سيد النقاء
يترنح في جوف الطيور بحمرته الدموية،
ناسجاً من خيوط الغمام سراويل عارية للمطر.

كانت نظرات الطيور في حدتها ترنو إلى السماء
وتهوى معانقة الندى الذي يتهادى في قميصه الأزرق على جذوع الأشجار
وأوراقها الملتفة كقلوب العشاق.

كانت الطيور تعوم في المطلق وتؤرجح فتنتها على صهوة قوس قزح
مستلقية في مصعد السماء
تتأمل بلذة أنامل الغابة الطويلة جداً.

نزلت الطيور إلى أوكارها وفي رؤوسها تدور البحيرة وترحل السفن إلى البعيد.
أما في الأعالي بقي قلب الجبل الرهيف
يزأر بالرهبة والعواصف
وجنون الاحتمالات.

زيوريخ 22/5/2006


حطَّاب

الحطَّاب يتأمل حرائق الغابة وحرائقه
يتكور كشجرة يابسة على فم الفأس
يقطع أجزاءه حطباً حطباً
ويهيئها لألسنة النار.

زيوريخ 21/5/2006


لو نرفع السياج لو نعبد الأخطاء

لماذا كلما اقتربتِ مني تأتأت يدك في المصافحة
واحمرَّ قلبك كمدفأة؟

لماذا كلما ناديتك تلعثم صوتك في الجواب
وتجشمت قدميك عناء الارتباك؟

لماذا كلما قلت أحبك
تصبب العرق من تحت أذنيك وانهمرت من رموشك
قطرات الخجل؟

لماذا كلما عانقتك تصدين شفتي
وتهمسين ليس الآن يا حبيبي!؟

لماذا كلما أهديتك باقة ورد، توردت خديك
وفردتِ جناحيك للطيران؟

لماذا لا تناديني باسمك كما أناديك باسمي
لماذا لا نلغي اسمينا في لهفة الحب؟
أقول يا حبيبتي وتقولين يا حبيبي
ونتوه في رهافة الأخطاء.

زيوريخ 20/ 5/2006

بنت أورشليم

يا بنت أورشليم
كنتِ تصنعين أعجوبة من ضحكتك الأقرب إلى قيثارة
تلاعب أوتارها في فتنة الحب وعذوبته.
كنت تناغين رعشة الأحرف والكلمات.

يا بنت أورشليم
كلما هممتِ بأعجوبة تلتها أعجوبات تغور كالنصل في خيال الجرح.
وكلما همست احمرت من الحب شفتاك
كنت شفيفة في الإشارات والكلام
عفوية أكثر مما ينبغي
منتشية كالمطر في رهافته الأولى.

يا بنت أورشليم
موسيقى صوتك كانت تبعد مسافة الموت عن قلبي
ما بال صوتك إذا أتى كاملاً في احتفاله الرخيم!
ينتهي الموت وتنتعش خلايا الحياة في قلب الحياة
ما بالك إذا غنيت
تنهمر الآلهة من ضلوع العشاق.

يا بنت أورشليم
ما أجمل غزلان الصدفة في سفر اللقاء وما أرهب لحظات الفراق.

يا بنت أورشليم
ما لي كلما لمحت قطاراً أراك أمامي
وكلما مرَّ قطار فقدت أثرك وفقدت صواب خطواتي.

يا بنت أورشليم
لماذا الحب لذيذ هكذا في ثوب المحطات؟

يا
بنت
أور
شليم.
ما أحلاك وأنت تهدين غيابي شهوة العناق.