سيرطا
كوني ليَ المَاءَ الذِّي أجمع منهُ صَدَفَ الأحلامِ
جرساً يدقُّ في دَمِي كُلَّما صاحتْ عُرُوقُ القبائلِ
كوني لي شعلةً تحومُ كلَّما على أحداقنا مدَّدت يدَها الدَّهاليز وشرَّعت أبوابها لحلكَةٍ تعانقنا بالرُّموز والإشارات،
سيرطا، يا وطناً تسكُنُني فيه خيمةُ الأسلاف ووردة الأعرافِ
على سفحٍ كنتِ تستقبلين أمماً من الكائنات، ومناطق لغاتْ
كنتِ تغازلين أيلاً في أقصى المشاهد يمجِّدُ سلسلة الأحفادِ فيكِ و كنتِ و الحجاراتُ الخرساءُ أسفلكِ تنكشفينَ عن سنبلةٍ مليئةٍ بالنضجِ لكأنما ليس منك سوى ما يبهرُ الدَّاخلين إليك حين تفاجؤهم خصوبة الإناثِ،
و مدِّي إليَّ بشَعركِ كي أعبره كالجسور وأعلِّق على مدخل الهاويات فيه عاج أحلامي
ذلك القائمُ عَلى رأسِ الشِّمال لا يزال
يجُرُّ شَغَفَ المِياهِ إلى رِيحٍ ستَهُبُّ مِنْ عُزْلَتهَا حَامِلَةً هُتَافَ الجِبالِ و كثيراً من نَشيدِ الكَائناتِ
سيرطَا
دَفينَةَ العنَاصِرِ كُلِّها
ليسَ لنا فِيكِ أَن ننبشَ وَاحَةَ الأسرارِ كَيْ نَبْحَثَ عَنْ كَوْكَبٍ فَقدنَاهُ من سماء أحلامنا، وليسَ لنا فيكِ أنْ نستحِمَّ في آبارنا السَّاخنة حيث المتوسِّطُ يحملُ إلينا صَوتاً شبيهاً بمن يتخيَّلُهُ على سفُنِ الفراعنةِ يُغَنِّي للمُلوكِ القادمين إلينا.. و ليسَ لنا فيكِ أنْ ندقَّ في محاجن الأقمار مسامير الخراب، فليس من عادة الأمازيغ أن ينزلوا من صوامع الحلمِ ليذبحوا الأحلامَ.. و ليسَ لنا فيكِ أن ندجِّجَ كُلَّما سَاورنا الشَّكُ طريقَ الوُصول إلى كَرَمةِ الحَياةِ فقد غسلتنا نَشوَةٌ كنَّا احتفينا بغاباتها على خيولٍ تصهلُ فوقَ غريزتنا، و ليسَ لنا فيكِ أن نُمعن في الهضاب حريقاً و نكتُبَ على السَّماءِ لهيباً و نسلُ الخليقةِ يشهدُ أنَّنا لم نكن سوى فراشات تخْرجُ من خيامِ الوجُودِ تحلِّقُ، تعود ثمَّ تنأى لتقودَ فطرةَ الإنسان فينا.. ليسَ لنا فيكِ أن نمجِّدَ هدوءَ المكان ثمَّ نغسِلُ بالرُّعْبِ لَيلَهُ الذي يمتدُّ فينا، و ليسَ لنا فيكِ أن نهيِّءَ روحاً كي تغرقَ في خرائط الذُّنوبِ و تفتَحَ نوافذَ كي تطلَّ على نبات البحْرِ بينما خنجرُ الخديعَةِ على عنقٍ يَشِفُّ عن رَعْشَةٍ أخيرَةٍ.. ليسَ لنا فيكِ أن نقتسمَ الأشياءَ فوحدَنا كُنَّا نعرفُ كَيفَ سيأتينا الرَّومان يقودوننا إلى مذابحنا و ينزعون من أجسادنا فرحاً كنَّا نُرَبِّيهِ كالحَمامِ كلَّ صباحٍ..حينما تدهَشُ الأغنام من بطشة الغزاة وحينما الفراشاتُ تضربُ موعداً لأميرٍ قادمٍ من هناكْ لن تعود إلا عندما يستلُّ سيفَهُ الأميرُ...

كان لي فيك مسيرةً مليئةً بسلالات الثَّورةِ، و كنتِ لي غمداً أغرزُ في عينهِ سَيفَ الحياةِ، و لكنَّ لنا فيك أن نقول تحت أقدامنا تربَةٌ تحجبُ دمَ أجدادنا و تُعَلِّمنا قَسوةَ الذين جاءوا كَي يسرقوا مِنْ لَحمِنا صُلْبَ الحَياة و يُشْعِلُوا في بهاءٍ شُمُوعاً ينثرونها كالنجومِ في معابدهم و يستقبلون في شهوةِ الوحْشِ نحيب الفريسةِ، يشهَدُ نحتُكُمْ كيف تفضحُ ضحكتكم عن أنياب تخبِّؤونها خلف أناشيدكم و كبف تنحجبُ أيديكُم عن مخالب كنتم تدارون بها حين تضعونها كالحكماء على رؤوس المريدين..
نوميديا القادمة
نوميديا الرَّاجعة
أَيِلْمَاسُ الباسلُ في حُلمِي ينعي يا ولدي

روما لن تأتيَ بأكثر ما جاءتْ به قرطاجُ، فامتحن اختلاج اللغات فيك و اتبع دربَ آبائكَ الذين حينَ غَفَوْا أيقَظَتهمْ أصوات آبائهم، و اترك لقلبك بوصلة الغموضِ فليس هناك أقل من كائنات تعلَّمت طيشها من فيلسوف السَّلطة و أقبلت تبطشُ بالورد و بالشَّوكِ و باليقينِ وبالشَّكِ تفتح عند سفح البحار فوهةً لموت قادمٍ من براكين لهيبُها حضارات كاذبة وأخرى لحياةٍ ترمي في فضاء ظلامها قناديلَ زيتُها من عصير الأجْسادِ المشنوقةِ عساها تستدلُّ على وحشتها تلك المخلوقات الضعيفة..

يوغرطا..

تظلَّلْ بشمسكَ فليس لَنا أن نشرب نخبَ الحيَاةِ و المراكبُ علَى أجسادنا المتعبة تستعِدُّ لفتنةٍ ضاريةٍ، ليس لنا في الغربِ صَديقٌ يُعينُنا على أيَّامنا حين تخدعنا الأيَّامُ ولا في الشَّرقِ أيَّامٌ تشرقُ منها الحيَاةُ ..

يا ولدي ليس هناك سوى من يطُوفُ بِعَتْمَةِ الكَلامِ وَ شَهْوَة الظَّنِ
وَ يَسْرِقُ مِنْ خَلِيطِ الغُبَارِ رَوَائِحَ العِفَّةِ
يُخْفِيهَا كَيْ لا نَفْتَحَ زُجَاجَةَ اليَقْظَةِ
وَ نَبْقَى فِي كَفَنِ الشَّظِيَّةِ نَنْظُرُ لِشُبْهَةِ الأخْلاقِ فِينَا
وَ نَسْقُطُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ بِكُل أقَاصِينَا التِّي أَرْضَعَتْهَا الصَّحْرَاءُ
وَ نَذْعَرُ حِينَ يَتْرُكُ فِي نَوْمِنَا هَذَيَانَ العُقْدَةِ وَ كَوابِيسَ الذُّلِ
مُنْذُ مَتَى قَالُوا الوَقْتُ الذِي سَيَأْتِي
عَاصِفَةً سَتَنَالُ مِنْ خَيْمَةِ الأَمازيغ
وَ سَتَكْسِرُ سَيْفَ القَبَائلِ كلٌّ لَهَا حِصَّةُ التَّواطؤِ من وطأة التآمرِ أَوْ مُكَافَأَةُ الضُّعْفِ
آهٍ يا ولدي
مُنْذُ مَتَى مَالُوا
وَ القَلْبُ لَمْ يَعْرِفْ سِوَى مَشَاعِرَ الأجْسَادِ الحَيَّةِ
أَصْبِغُهُ بالتَّظَاهُرِ فَيَرْتَدُ يُكَابِرُ كَالخَيْلِ وَ يَسْتَوْحِدُ بخَالِصِ المَعْدَنِ
يَطِيبُ لِلْرُّومان أَنْ نَخْرُجَ كالأَبْقَارِ
مذعورين ممَّا تأتي به الحَربُ و ليس لنا على أمرنا شيءٌ

قد نترُكُ العرَّافَ في قلوبنا لامتحان التُّخوم التِّي بين الضَّوءِ والظَّلامِ، بين الماء و الكلامِ، و بين صحراءَ تتركنا خلفها أو بحرٍ يرمينا كالعبيد على سفن التُّجارِ..لا تأمنْ يا ولدي وردة الأميراتِ، بدِّدْ دهشَةَ الأطفال فيكَ وافتح في مجالك الكونيِّ سماءً تطلُّ منها على أقدارك الآتية، اترك لمهارة الرِّيحِ فيكَ طريقا يعبر إليك منها مراسُ المكيدة، و برد الفجيعة ورائحة الفخاخ..كلٌّ على تخومهِ يستنطقُ ثروة القراصنة فكنْ وحدك من يستنطقُ أرض آبائهِ ينشدُ للآبار فيها أغنية البحار، يتأمَّلُ ألوانها من قوس قزح إلى الماء، ويمعن في خلاص الأرض من الغزاة الذين ليس لهم سوى منحدراتٍ شاحبةٍ تعلَّموا فيها كيفَ يرمون في هاوياتها ظبية السلالات و غزال امتدادنا في روضة القبيلة و باحات البيوت البربريةِ..

بوردو/ وهران