من روتردام: في الدورة الخامسة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام هناك حصة معقولة للفيلم العربي الوثائقي. المهرجان الذي بدأ مرتبكا قبل 5 سنوات أصبح اليوم فرصة طيبة للقاء والمشاهدة، فأفلام هذه السنة متنوعة الاشكال والاتجاهات وتختلف في مقاربتها لموضوعاتها، محدودية الانتاج العربي وجاهزيته صّعب اختيار اتجاها معينا او ثيمة واضحة، الافلام التسجيلية المشاركة هي من افلام السنتين الفائتتين، كما كتب الدكتور خالد شوكات مدير المهرجان في كاتالوغ المهرجان.
سنتابع عبرايلاف الافلام الوثائقية في المهرجان. هنا قراءة سريعة لافلام اليوم الاول:

فيلم "رؤية لصلاح الدين" للسوري نجدة انزور
صلاح الدين وزمنه شخصية جدلية وزمن محير. ريلي سكوت المخرج الانكليزي انجز فيلما (مازال يعرض لحد الان) كلف 120 مليون دولارا (لنا عودة لهذا الفيلم لاحقا) حاول ارضاء جميع الاطراف وانتهى بفيلم فاقد للصراع التاريخي الحقيقي، فيلم لم يقترب من الوقائع التاريخية والزمن التاريخي بصدق جدي. نجدت انزور المخرج التلفزيوني السوري احب هو الاخر أن يقارب زمن صلاح الدين ..... وكانت.. الكارثة..!
كان على بعض الموجودين في الصالة ان يفرك عينيه بشدة ليصدق انه في روتردام الهولندية عام 2005 ويشاهد فيلما انتج قبل اقل من سنتين!!
الفيلم هو حوار بين كاتب عربي واميركي عبر الانترنيت عن القضايا المعاصرة، اجد صعوبة في وصف ماشاهدت يوم امس. الفيلم كان نسخة مهترئة للافلام الدعائية العربية الحكومية! ونسخة ضعيفة جدا من افلام الشيوعية الدعائية!
مالذي يمكن ان يقوله المرء عن فيلم تسمع صوت الراوي فيه متحدثا عن بشارة تحول الطفل الى صلاح الدين اذا انجز واجباته المدرسية بنجاح!!!!

فيلم (غير خذوني..) لثامر السعيد
الافلام التي تتناول المعتقلات العربية والمعتقلين السياسيين العرب تضمن عادة تعاطفا ومشاهدة، ليس لانها تصور جزءا من ماض قريب فقط بل لانها لازالت فعالة ومؤثرة، فعل المشاهدة هنا هو فعل تلصص لعالم انقذت الصدفة الكثير منا من مصير مشابه. فيلم ثامر السعيد والذي انتجته قناة الجزيرة الفضائية عام 2004 هو فيلم متوسط ضيع الفرصة للوصول الى مكان اقرب في الاحساس والذاكرة. الفيلم هو قصة مجموعة من الشباب اليساري المغربي الذي اختطف عن طريق قوى الامن ابان السبعينات ليقضي بعضهم مايقارب العقد من الزمان في السجون المغربية.
راوي الفيلم هو أسعد طه احد مقدمي برامج الجزيرة واحد سجناء تلك الفترة نظّم رحلة لزملائه في السجن الى سجن ماكوتا بعد اكثر من عشر سنوات من زمن الافراج عنهم.
قصص السجناء وتعذيبهم قصص مؤثرة بالطبع وكان يمكن ان تكون اكثر تأثيرا لو لم يتحدث السجناء بالعربية الفصحى الميتة احيانا. لاادري لماذا يصر البعض على التحدث بالفصحى على حساب العامية والتي تكون بالغالب لغة الاحساس والالم العارم. الراوي تحدث بالفصحى ايضا على خلفية صور شوارع وناس مغاربة فبدت الاشياء اقل تجانسا. التقطيع غير المدروس وغير الفني للفيلم اضعف منه الى حد كبير. لماذا لم ترك الفيلم مجالا اكبر للناس للتحدث عن تلك السنين.
مقاربة الموضوع باكمله مقاربة غير ناضجة بالكامل، لكن الفيلم بالرغم من ضعفه نجح احيانا في التأثير القوي وابراز بشاعة التجربة، اي تجربة المعتقل السياسي.
التحدث عن مشاكل دورات المياه انذاك هو كابوس لمن دخل او لم يدخل السجن، لم يخجل الفيلم من الحديث عنها. صمت الرجال في السيارة التي اقلتهم الى السجن لغرض تصوير الفيلم كان مشهدا مؤثرا وحزينا. كذلك كانت مشاهد وصور الامهات من المشاهد المعبرة، ووجه اضافي للعذاب الانساني الذي انتجته تجربة السجن.
الفيلم من انتاج (الجزيرة) القناة التلفزيونية المثيرة للجدل، فهل يكون من الظلم- ظلما للفيلم- ان نشاهد صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين معلقة على احد المكتبات في احد مشاهد بداية الفيلم؟ وهل سيكون ظلما آخر للفيلم ان رجال الفيلم (المعتقلون اليساريون السابقون) يشتركون في نهاية الفيلم بمظاهرة تأييد للعراق (جزء من مظاهرات عمت العالم العربي قبل سقوط النظام العراقي السابق) وفيها ترفع صور صدام حسين؟
هل الزمان المدورهو الذي قذف المساجين السابقين من اليسار الى الفكر القومي؟ ولماذا لم يركز الفيلم على سعي المغرب - كحكومة الان- للتصالح والتسامح وطلب العفو من المساجين واسرهم (بعد ان نجحت هذه التجربة في جنوب افريقيا)؟ لاندعو للمغفرة الطائشة لكن أليست مهمة الفيلم استكمال الحكاية...؟

لعروض العربية في مهرجان روتردام