ماذا بعد الأزمة السياسية التي تفاقمت أخيرا بين الكتلتين الرئيسيتين في الحكومة العراقية «الائتلاف العراقي الموحد» ( الشيعية) و «التحالف الكردستاني» ..؟ لقد
شهدت بغداد يوم أمس وأمس الأول تطوراً جديداً بإجراء أطراف كردية اتصالات مع شخصيات داخل «الائتلاف» لإسقاط حكومة إبراهيم الجعفري واختيار رئيس وزراء جديد، في وقت التزمت الكتلة الشيعية ومجلس الوزراء العراقي الصمت إزاء الاتهامات الكردية بخرق الاتفاق المبرم بين الطرفين.
كانت المذكرة الرسمية التفصيلية ذات الـ 16 نقطة عن مخالفات حكومة الجعفري للاتفاقات الثنائية الموقعة بين التحالفين الكردستاني وقادة قائمة التحالف الوطني ( الحكيم + الجعفري + + الجلبي ) التي كان الزعيمان الكرديان الطالباني والبارزاني قد قدماها إلى الدكتور الجعفري في شهر أيلول الماضي والتي كنت أول من نشرها نصا في مواقع الانترنت .
إزاء تصعيد الموقف في تصريحات وإشارات من قبل الرئيس الطالباني فقد حدثت أزمة سياسية ــ وزارية حاول الدكتور الجعفري تجاهلها في مؤتمره الصحفي صباح اليوم من دون أن يكون صريحا في تطويق هذه الأزمة وحلها . ربما ولهذا السبب بالذات فأن الأزمة مرشحة للتصاعد إذا لم يتراجع الجعفري عن تجاهله وإذا لم يأخذ النقاط الواردة في المذكرة الكردية بعين الاعتبار ودراستها ومراجعتها ، كما يصر الموقف
الكردي.
مصادر صحفية هنا في الغرب أشارت إلى احتمالات سقوط حكومة الجعفري التي لم تحقق شيئا من برامجها التي أعلنها الجعفري بعد تشكيل حكومته في نيسان الماضي . وقد بدأت بعض المصادر تلمح إلى صعود الجلبي كمرشح بديل وأنا أستبعد ذلك لما يحيط بالدكتور أحمد الجلبي من مشاكل خاصة ومن تداعيات الموقف الأردني من قضيته المالية.
بعض المصادر تشير إلى احتمال اختيار الدكتور عادل عبد المهدي كمرشح بديل يحظى بموافقة القادة الأكراد (كان عبد المهدي وزيرا للمالية حين تمت صفقات وزارة الدفاع – الشعلان بمليار دولار بشأن استيراد معدات عسكرية يجري تداولها في صحافة القوى السياسية العراقية المتصارعة الآن كأكبر ظاهرة فساد مالي في التاريخ). غير أن هذا الأمر لن يتحقق عمليا إلا في حالة حدوث انشقاق في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية . وهو أمر قابل للحدوث إذا ما تعمقت الأزمة الوزارية.
واعتبرت أطراف سياسية تلويح الأكراد بتغيير رئيس الوزراء ورقة ضغط سياسية على الأخير للاستجابة لمطالبهم، فيما اجتمعت أمس الأول قيادات «حزب الدعوة الإسلامية» الذي يتزعمه الجعفري للنظر في التصريحات الكردية واتخاذ المواقف المناسبة إزاءها.
وقال علي الدباغ القيادي في «الائتلاف» لـ جريدة «الحياة» اللندنية انه «من غير المفيد تصعيد الخلاف بين رئيسي الجمهورية والوزراء في هذه المرحلة»، وأكد أن «الخلافات خرجت إلى وسائل الإعلام قبل أن يطلع عليها أعضاء الجمعية الوطنية لاقتراح حلول لها». وأضاف: «نحن نتفهم مواقف الإخوة الأكراد فيما يخص تطبيع الأوضاع في كركوك. فقد حصل تأخير بالفعل في تشكيل هيئة تطبيع الأوضاع في كركوك لكن الهيئة شكلت وتقوم بأعمالها الآن على أكمل وجه».
انتقد الدباغ ما سماها «الطريقة العنيفة « التي خرجت بها الخلافات الحكومية إلى العلن. وقال إن الخلافات الشخصية قد تقف خلف الموضوع ولا بد من عرض القضية بشفافية لتجاوز هذه الأزمة. واستبعد اللجوء إلى خيار عزل رئيس الوزراء «لأنه أمر غير منطقي و لا يمكن تطبيقه عملياً في هذه المرحلة» لافتاً إلى أن ذلك «يندرج في أطار الضغط السياسي».
وقال انتفاض قنبر الناطق باسم الجلبي ان الخلاف بين الجعفري وطالباني يعود إلى أشهر ماضية وطرح مراراً وتمت مناقشته، ولم ينف قنبر أو يؤكد الأنباء عن عرض الأكراد منصب رئيس الوزراء على الجلبي.
وأكدت مصادر في قائمة «الائتلاف» أن اتصالات حثيثة تجري حاليا لتطويق الأزمة وتسوية الخلافات بين الطرفين، مشيرة إلى أن جوهر المشكلة يتعلق بمدينة كركوك وإجراءات التطبيع فيها بالإضافة إلى «تقاطعات» سياسية عديدة في المواقف الرسمية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء.
هل حقا أن الخلافات شخصية .. هل هي سياسية ..!
أم هي شكل من أشكال الصراع القومي – الطائفي ..؟
كان طالباني اتهم في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس الجعفري بـ «خرق القوانين والتجاوز على صــــــلاحيات رئاسة الجمهورية». وأكد ان «مجلس الوزراء لا يمثل سوى ربع السلطة التنفيذية المكونة من رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان والقضاء ورئاسة الوزراء».
فهل هذا يعني أن الخلاف يتعلق بجوهر " الأداء " الحكومي ..؟
في الشارع العراقي يمكن أن يجد المرء الحقائق التالية :
( 1 )
الإرهاب يتصاعد يوما بعد آخر من دون أن يعرف المواطن تفاصيل الخطة الأمنية الحكومية ولماذا تعجز عن ردع الإرهاب الذي تتكرر أساليبه، وتنهال على مراكز الشرطة والحرس الوطني في كل مرة بأساليب متشابهة.
( 2 ) تصاعد الأزمات المعيشية يوما بعد يوم وخاصة أزمات الخدمات الاجتماعية كافة.
( 3 ) انتشار مظاهر الفساد الإداري والمالي والسياسي مع مرور الأيام.
( 4 ) تصدع جبهات التحالفات الصغيرة بين القوى الإسلامية الصغيرة
الشيعية خصوصا .
( 5 ) محاولة قائمة وقوى الائتلاف الشيعي الاستئثار بالأغلبية البرلمانية للابتعاد عن ممارسة النهج الديمقراطي وفرض مواقف دينية متعصبة لا تنسجم مع روح العصر الديمقراطي ولا تنسجم مع المطالب الديمقراطية الشعبية ، خاصة في ما يتعلق بحقوق المرأة.
( 6 ) استئثار قائمة التحالف في فرض عناصرها على وظائف الدولة المختلفة وخاصة داخل الوزارات.
( 7 ) تزايد حالات الاغتيالات غير معروفة الجهات التي تقوم بها.
( 8 ) زيادة المسافة بين الأحزاب والقيادات السنية والقوى الشيعية واحتمال أن تقوم الأولى برفض التصويت على مسودة الدستور.
( 9 ) أعنقاد القوى الديمقراطية الحزبية والمستقلة بعدم إصغاء الحكومة الانتقالية وخاصة رئيسها الدكتور الجعفري لآرائها ومطالبيها .
( 10 ) التوجه الإعلامي الرسمي ( قناة العراقية + الخلافات حول قيادة جريدة الصباح ) نحو المصالح الخاصة لقائمة الائتلاف "الخاصة" بعيدا عن المصلحة الوطنية "العامة".
( 11 ) لم تنشر حتى الآن نتائج التحقيق في قضية جسر الأئمة ولا في قضية الجنديين البريطانيين في البصرة.
( 12 ) كما لم تنشر أرقام التبرعات الجماهيرية لشهداء جسر الأئمة ولم تعلن الجهة المسئولة عن التبرعات والموكول إليها أمر حساباتها ولم تعلن مبررات تمييزهم عن شهداء الشعب الذين يتساقطون يوميا في شوارع العراق كافة.
هذه وغيرها من الأمور اليومية تتناقلها الجماهير والصحافة البغدادية اليومية من دون ان تسمع ردودا منطقية من الحكومة الانتقالية الجعفرية . ولا شك أن الأيام القليلة القادمة ستشهد واحدا من احتمالين:

* إما استقالة الجعفري وتشكيل حكومة إنقاذ سريعة تعمل أكثر مما تدّعي وتقول كما كان حال حكومة الجعفري.

* وإما أن الأزمة تتعمق أكثر وتتحول إلى أزمة تفتيت القوى الوطنية وهو الأمر الأخطر في هذه المرحلة تساعد حتما في تنامي القوى الإرهابية والتخريبية المتحالفة مع قوى النظام البائد.
السؤال الكبير : هل يتفادى الدكتور الجعفري هذه الأزمة.. وكيف..؟ هل يتراجع عن نهجه الفردي المتهم بالطائفية.. هل يستطيع اغتنام الفرصة التاريخية المتاحة أمامه بالتحول نحو الديمقراطية بالأفعال وليس بالأقوال..؟


بصرة لاهاي