لا ينفك مصطلح المجتمع المدني من الحضور في صلب التداولات الخطابية المعاصرة ، حيث الرؤى والتصورات التي تتلبسها الكثير من حالات الاسترابة حينا والاحتفاء المفرط في أحيان كثيرة. وما بين المسعى نحو التمسك بالنموذج الجاهز، الذي تتماثل فيه مقومات الأمل المعقود بالتغيير والتحول، والخيبات المريرة التي ينتجها الواقع، يكون المصطلح عرضة لاستتباع المزيد من علامات الاستفهام ، تلك التي تفرضها طبيعة الطرح لأصل الفكرة في بيئة بذاتها.حيث الوعي بالعلاقات السائدة ومكنون التصورات والأهداف والرهانات والتحديات التي يعيشها مجتمع بعينه، وما تفرزه علاقات مجتمعية في بيئة أخرى.
ما هو الممكن والمتاح الذي يتعلق بموضوعة المجتمع تلك التي تعقبها مفردة المدني وفي أحايين الأهلي، هل يكمن الأمر في طبيعة التوصيف المستند إلى توجيه أسهم النظر نحو ترسيخ مجال الاستقلالية، والسعي نحو توثيق عرى العلاقة الصادرة عن المجتمع ، بعيدا عن الهيمنة والنفوذ والقوة ، تلك التي تتبدى بها المؤسسة الرسمية، أم أن التطلع يتوسع ليكون منشدا نحو التحرر من قيود الكثير من الهيئات والتجمعات التي تتعلق بالارتباط بجهات يكون القوام فيها مستندا إلى ترسيخ مضمون الالتزام العقائدي والفكري. حيث التخندق في المنظومة الحزبية وما تكرسه من التزامات أيديولوجية ، وارتباطات قوامها الربط الصارم بنظام الطاعة والامتثال والتنفيذ.
تأمين التواصل
هل يمكن الوقوف على ثمة انجراح في المفهوم الذي يتعلق بالمجتمع المدني تحديدا ، هذا بحساب السعي نحو تحديد المضامين المتداولة، من أجل الوقوف على المعنى وبالتالي إمكانية الوقوف على الفهم والاندراج في مشغلات التفسير والشرح ، من دون الوقوع في وهم الدهشة من كثافة الكتلة التي يتبدى عليها المفهوم، ذلك الذي لا يفتأ من التسلل في صلب الواقع التداولي، فارضا بحضوره على المجمل من المقولات التي يتم استهلاكها بإفراط ، والذي لا ينجم عنه سوى السعي نحو الإمساك بطرف الخيط من المفهوم ، لتبدأ سلسلة التداخلات والخلط ،تلك التي أسهمت في ترسيخ ملامح التقاطع مع الوعي الأصيل الذي يقوم عليه المصطلح. ومن هذه الإشكالية الثابتة والراسخة يكون منطلق التوجه نحو فك إسار العلاقة المرتهنة للإدعاء بالفهم، ذلك المرض العضال الذي لطالما أضر كثيرا بوعينا ومدركاتنا، أو تفشي ملامح الانسحاق والدهشة والاكتفاء بفغر الأفواه، باعتبار ما ينجم عن صدمة التلقي، تلك التي تحضر وبقوة ملفتة في الواقع العربي.
في إطار السعي نحو فك إشكال العجمة على المصطلح وتفشي الضبابية، الذي يعتري المفهوم، تبرز أهمية البحث في المكافئ الموضوعي الذي تفرضه دالة العلاقة ضمن التراتبيات التي تستلزمها مواضعات التعقيد التي تنال من المجتمع ، حتى لتبرز أهمية البحث في الفاصل بين مجتمع سياسي وآخر مدني.حيث البروز الاستثنائي لأهمية أنساق الضبط ، بين توجهات الدولة صاحبة الحق في تمييز قسمات السيطرة على الفعاليات الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الاجتماعية ضمن الحيز المكاني المستند إلى شرعية المحتوى السياسي، في الضبط والسيطرة وموجهات التعبير ، وطبيعة النسق الاجتماعي وما يمكن أن يفرزه من قوى اجتماعية، تكون لها القدرة على فرز العلاقات بوعي ونضج يستوعب طبيعة التحديات المستحدثة.
توحيد المصالح
تبقى مسألة القدرة على التخطي، تلك التي تستند إلى أهمية التطلع نحو استيعاب المدركات، والذهنية القادرة على إنتاج المعنى الاجتماعي الجديد، الذي يتوافق مع طبيعة الروابط اللاحقة ، من دون الانسياق خلف سراب الموضة السياسة ومصطلحاتها ، التي تتم ترجمتها والعمل على إقحامها في سياق آخر وحاضن مختلف، لا ينجم عنه سوى المزيد من العمه والخطل والصعوبات والقسر والإكراه. ومابين الوعي المسؤول بالنظام القادر على إنتاج العلاقات الصميمة، تلك التي تتم وفقا لمعطى التوافق الذي ينشده المرجع الأصل، ذلك الذي يتولى فعالية تنظيم وتوزيع لأدوار، وأهمية الوعي الصادر عن الفهم العميق للواقع، يكون الانشداد نحو إبراز الفواصل العميقة، من دون السقوط تحت براثن الحدية والاستغراق في مفصلة الحقل، والسعي نحو قصره بتلك المرجعية أو ذلك المصدر، عندها تتبدى طريقة الفعل الاجتماعي الواعي من خلال تجسيد مفهوم المسؤولية، ذلك الذي يمنح المتسع من مجال التمثيل والسعي نحو أداء الدور الفاعل والعميق، بما يتوافق والمصالح الجمعية، حيث الاتجاه نحو فسح المجال أمام القوى الاجتماعية من المشاركة في صلب التفاصيل التي ينتجها الواقع الاجتماعي، ذلك الذي تتبلور فيه معطيات السياسي والثقافي والاقتصادي في تماه صميم ، من دون التوجه نحو القطع والفصل ، الذي تستند إليه بعض القوى الساعية نحو تثبيت نفوذها ومصالحها.
المقترب النسقي، الذي يسعى نحو تفكيك المعنى المرتبط بالمجتمع المدني، ذلك الذي نشأ وترعرع في الحاضن الغربي، انطلاقا من خصوصية التجربة وطبيعة المخاضات التي عاشتها أوربا في تاريخها الحديث، يبقى بمثابة الفيصل المعرفي العميق الذي يمكن من خلاله تشخيص معالم وسمات وتفاصيل هجرة المعاني من الحاضن الأصل وطبيعة تفاعلها في مجال وسياق مختلف، ومن هنا تبرز أهمية الوعي بالتفاصيل، تلك التي تكون بمثابة الكاشف والفاضح للتداخلات، التي يقع في شراكها أدعياء التمثيل للقطاعات الاجتماعية، عبر السعي نحو التمسك بالفرصة السانحة، على حساب المضمون العميق والأصيل الذي يكتنز به المصطلح،بل أن الإشكال العميق يبقى مفصحا عن طبيعة الهوة السحيقة، التي يقع تحت طائلتها البعض من المتصدرين لأداء ممارسة التواصل والربط بين التطلعات الاجتماعية بكل تفاصيلها ومستوى الموجهات السياسية التي تقوم عليها منظومة الدولة.
[email protected]
التعليقات