بعد إجراء قرعة الانتخابات العراقية، وفرز قوائم التشكيلات الانتخابية بالأرقام، أشاع البعض حكاية عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد المطابق رقمها (555) للآية 55 من سورة المائدة خامس سور القرآن الكريم؛ "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون"..

كتابتي هذه ليست بصدد نشر رأي بالضد من اختيار أي قائمة لشعارها وفق منهجها المعرفي أو اجتهادها الديني، أو احتفائها الاحتفالي بمصادفة تقرّبها انتخابياً من الشارع، فقائمة الائتلاف العراقي الموحد لها الحق -ولمن يروّج لها-باختيار أية دلالة دينية ومساند تاريخية تدعم مشروعها السياسي، هي وقوائم انتخابية عراقية أخرى شرط أن لا تكون من باب المزايدات، المزايدات بأي أسلوب ووسيلة أو حجّة؛وطنية أو دينية، ومعروفة الجرائم التي ارتكبت تحت هذه المسميات، و لربما ما كان (الدين إلا آلة يشهرونها إلى غرض يقضونه وأداة)..فكل صفحات التاريخ تعلن عن فعل هذه الآلة في الصراع البشري منذ أن تـُقبّل القربان من أحدهم ولم يتقبل من الآخر، وحتى آخر حروب العالم العالمية حيث استخدم هتلر صليبا معقوفاً يحمل دلالات مبطنة عن السعد وحسن الطالع الديني-المسيحي-رغم إن الصليب المعقوف كان مرسوما على مفاتن الآلهة عشتار قبل آلاف السنوات..كلّ هذا مروراً بحروب وصراعات ستبقى حتى لحظة الزوال، فلا نكاد نحصي حرباً إلا وكان الدين سبباً أو محركاً في حدوثها أو في نتائجها..
أيضاً سأحمِل قائمة الائتلاف على ما تبقى من السبعين محملاً من محامل حسن الظن، مع رغبة هائلة؛أن تؤخذ الأمور على سعة روح رياضية انتخابية عالية، ففي حمى الانتخابات يكثر النقد ولا يبقى مقدس إلا ووجد طريقاً للشك والجدل، وللحق فالعراق لا يحتاج إلى مقدسات جديدة لأن لديه مقدسات لا يتسع المجال لذكر فضائلها، وما يحتاجه الوطن اليوم أناس يتطوعون للخدمة والعطاء وبذل النفس لتعويض ما فات، فالقرآن مقدس عراقي لا مجال الآن لدخول أسماء فيه، والأمر بطبيعة الحال لا يتوقف على العراق وحده فذات يوم سمعتها من رجل سعودي بسيط أراد أن يثبت لي واقعة ما بوجود ذِكر لها في القرآن، وكانت الواقعة -المهمة بطبيعة الحال- إطلاق المكوك ديسكفري في الفضاء لإطلاق أقمار صناعية في عام 1985 وقد حمل هذا المكوك سبعة أشخاص من بينهم أول رائد فضاء عربي مسلم وهو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز..
قال لي الرجل البسيط: إلا تقرأ القرآن؟ قلت بلى، قال هل مررت بتلك الآية في سورة الرحمن:
"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ"؟...وكان يعني وجود الاسم في هذه الآية طبعا..

وليس القرآن ليكون كقراطيس تؤول ويراد من بعضها ما يراد لتدخل في الحكايا والمزايدات فالتأريخ العربي يحفل بالجدل الكبير على النصوص القرآنية لهذا السبب، بل إن مشكلتنا في كلّ تفاصيلها تعود إلى هذا الجدل ليصبح جدلاً بيزنطياً أشدّ من كونه عن ذكورة الملائكة من أنوثتهم!..
جدل وثغرات هائلة واختلافات في التفسير والإسناد بالحكايا جعل رجلاً مثل صدام حسين يجمع بعض رجالات دينه ليبحثوا عن أثر شخصي له في القرآن، وليس هذا بمستغرب عليه بعد أن سمع إن للحجاج بن يوسف الثقفي آية في القرآن، حيث كان يدّعي أن أحد أجداده وهو عروة بن مسعود الثقفي ذُكر في الآية: "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم"..

وإذا كان الحجاج قد سبق الطاغية الآخر بإخضاع الجميع لوهمه (القرآني)، فثمة اليوم من راح يقلده قسوةً وفجاجةً وتكفيراً أرعبني سماعه في برنامج تلفزيوني لفضائية عراقية تحدّث فيها أحدهم عن مقال انتقد مبالغات قائمة الائتلاف و(غلوها)في القول بالتنصيص القرآني عليها، ووصف المتحدّث كلّ من يشكك في هذا الأمر بالخروج على الشارع المقدس والعرف والدين.. وهو الأمر الذي دفعني لكتابة هذه الأسطر، لا لتبني فكرة بالضد من أحد، بقدر ما هو دفاع عن حق النقد في زمن ألبسنا الوهم فيه شيعاً وطوائف ليذيق بعضنا بأس بعض حتى عن رأي عابر؛يحق للقائلين به سواء تحدثنا الآن عن أسطورة هرمجديون التي يـُروَّجُ لمعركتها في آخر الزمان بين اليهود والمسلمين على تلّة بهذا الاسم قرب حدود لبنان، أم تحدثنا عن الانتخابات العراقية وتأويلات البعض لنصوص راح بعيداً في استنطاقها، والأمر سيان أيضا في الحديث عن كتاب ينتشر بسرعة هذه الأيام يتحدّث بالأرقام والتأويل عن زوال دولة إسرائيل من الوجود عام 2022!، أيضا الحديث عن مؤتمر ضخم عقد قبل أيام وأشيع عن لقاءات ضمن فعالياته لعدد من كبار المسئولين في المخابرات الأمريكية بكاتب يدعى مايكل دورسن، الذي زعم عن إمكانية العثور على مكان بن لادن عبر رموز موجودة في نسخة عبرية قديمة من التوراة، وهذا الكاتب له شهرة واسعة بعد أن لاقت كتبه عن النبوءات التوراتية رواجا كبيراً وفق طريق نوسترداموس الشهير..

وربما كان للصدفة العجيبة قدرها بفرز رقم قائمة الائتلاف، و لعلّ البعض سيقول عنه لاحقا إنه من علامات الظهور، أو انكشاف تواتر الزمان واتضاح الحدثان، وللجميع حق فيما ذهبوا إليه شرط أن يبقى هذا الحق في حدودهم هم ولا يعبر بحمى الانتخابات ليمعن البعض في التأويل والغلو في الأعداد بحثاً وتنصيصا قرآنياً لازال أكثرهم يؤلف فيه المجلدات تلو المجلدات إثباتاً للإعجاز القرآني في العدد، ومزايدةً بإيجاد مؤطى صلة في النصوص، أو إتخاذه وسيلة للإحتراب..
وإذا كانت قائمة الائتلاف وجدت في المقدس مرتكزاً لهذا الرقم، فها نسمع من مناكدين لهذه القائمة دعابات تربط الرقم بطرائف عراقية يعرفها الجميع عن هذه الأرقام، وليت الأمر يتوقف عند هذا، فَجلّ ما أخشاه أن يذهب الخيال بشخص يعرض جميع أرقام القوائم الانتخابية على القرآن لتبدأ الفتنة التي أستبقها بالإشارة إليها الآن لنعرف على الأقل ما سيحدث حين تـُعرض أرقام القوائم الأساسية على القرآن..ولقد فعلت هذا فاكتشفت نصوصاً تكفيرية وأخرى تشير إلى الطغيان والعدوان، وتأويلها أو وصولها إلى أيدي الجهلة سيكفيها تبريراً لحروب طاحنة.

ربما تكون الكتب المقدسة وكلّ الحكايا والأخبار مجدية كدعايات، ودعايات مضادة، وتنفع في كلّ زمان ومكان، متحصّنة بمنعة وحضور خاص في الجوانب المقدسة لتفرض هالة ضغط نفسي على المتلقي، وهو من ضغوط كثيرة صار محط جذب وشد في الشارع العراقي الآن وسيزداد أوارها مع اقتراب موعد الانتخابات..
والسؤال كيف يعي الناخب العراقي كلّ هذا الآن؟..