ليست كل الأخبار الخاصة بالمرأة السعودية سيئة تماما.، فليل الأربعاء الماضي كانت هيفاء المنصور تنمح شعورا رائعا وانتعاشا كبيرا وثقة بأن هناك ما هوا أجمل المخرجة السعودية الأولى والوحيدة حيث لا أحد يفك الخط سينمائيا في الداخل السعودي، المشهد لا يخلو من غبار لا يزال يحمل ملامح العجوز أبو مسامح الذي تكاد تتلخص كل مسلسلاته في جملة : ديرتنا بخير يا وليدي ). الآن لم تعد" الديرة" لتقوم وفق حدودها التقليدية، لأن المتحول أشد دورانا إلى درجة أن الذين يصابون بالدوار سريعا لا يمكن لهم أن يصمدوا لمشوار واحد.

إنني سعيد بما يكفي لأجادل كما جادلت كثيرا عن المرأة السعودية هيفاء المنصور في لقائها لم تكن مخرجة سينمائية فقط، وهي التي تدرك قيمة الصورة أدركت أنها أيضا يجب أن تكون صورة وقد نجحت كما لم يحدث من قبل.
ولأن هيفاء تدرك أن الثقافة المحلية تقف في حدود امتداحها للمرأة عند تلك التي تعد أطباقا جيدة ولا تتحدث كثيرا فلم تحسن الركض في المأهول والعادي والمكرور فاتجهت إلى صناعة الصورة الرهان الأكثر قوة وتأثيرا والنص الذي لا يحتاج إلى تأويل. كانت هيفاء تبتسم بكل ثقة وتعيد طرحتها كلما زحفت إلى خلف لكي يظل الزي التقليدي مؤثرا فنيا يدعم صورة هيفاء المنصور ويحيل على حجاب وعمل، وتقليدية وحداثة، وثقة وأنوثة، وتميز وهدوء، وكلها من الثنائيات التي لا تعيش طويلا في أوساط بدائية، فليست هيفاء فاتنة كنجمة سينمائية إنما هي فاتنة كأداء سعودي رائع وأنيق يخفف من حدة التضور الذي تعيشه الساحة من صور جديدة تربك الحجج التقليدية النائمة لكنها توقظ براهين أكثر منطقا.

هيفاء فاتنة لأنها تتحدث عن جرح وآمال طويلة، إنه جرح في الثقافة كلها، ولن يحتاج علاجه إلى كثيرات كنوال السعداوي أو فاطمة المرنيسي إنه يحتاج إلى وجوه كهيفاء المنصور..، فالرهان في الداخل السعودي ليس على نظرية ثقافية إنما هو على صورة وعلى أداء يمثل خلفيتها وسياقها. حينما تقول : أن "غطاء الوجه" يمحي هوية المرأة وشخصيتها ويجعلها كائنا غامضا بلا ملامح، وأنه ينبغي على المرأة أن تفخر بوجودها وكينونتها وتثبت وجودها، لكن نفس الوقت أحترم خيارات النساء اللواتي اخترن أن يغطين وجوههن".
هي لا تصطنع موقفا بل تتحدث انطلاقا من وعيها بالصورة خاصة مع سقوط المبرر التقليدي السابق للحجاب الذي لا مكان معه الآن للحديث عن أنه ستر وعفاف وحشمة، والذي لا يزال يتحدث عن ذلك مثل الذي يكتب افتتاحية في الواشنطن بوست ليؤكد فيها أن الجملإن المبصر لا يرى في الظلام !!
لكن هيفاء بالحجاب ملتزمة بنص الصورة، أيضا فاللون الأسود كان مؤثرا فنيا جعل هيفاء عبارة عن منتج ومؤدي ورسول أنيق في ذات الوقت، لأن الحجاب في هيئة هيفاء المنصور كان مجرد لغة ودلالات طويلة، من أبرزها ما تعطيه من تناص مع التقاليد التي يمثل نجاح المرأة وهم اختراق لها
بعض المشكلة أن النساء السعوديات اللواتي حضرن بوجهه أنيقة وتنويرية إلى العالم بقين في دائرة العلمي والثقافي والبحثي، لكن الدوائر المأهولة بالجماهير لا زالت تعيش فراغا سوف يكون الترويج فيه مشروعا ناجحا فالذين يعرفون أن المطربة وعد السعودية أكثر من الذين يعرفون أية كاتبة أو مثقفة أو باحثة أخرى لأن الجماهيري لا يمكن إغفاله بحثا عن الرسمي والوقور
حينما خرجت الممثلة السعودية ناجية الربيّع قديما إلى الساحة الفنية ومثلت في أكثر من مسلسل كان الدهشة تملأ الجميع، أحد التنويريين يتحدث عنها آنذاك قائلا : كنا نتمنى لو أنها طبية أو مهندسة لفرحنا بها أكثر.
لكنني الآن أفرح بهيفاء المنصور أكثر رغم أنها ليست طبيبة ولا مهندسة وإنما مخرجة سينمائية، هذه المهنة التي لا يعترف لها المجتمع التقليدي بأي سلطة ولا يرى فيها شيئا من الوقار فهو الذي لا زال يقترح وظائف لفتياته لا تخرج عن المدارس ورياض الأطفال، لكن الذي يجعل هذا أكثر نكاية أن هذه المجتمعات تنظر إلى الفن بمختلف أنشطته أنه نوع من قلة الأدب، وهذا ما كان يحدث مع بدايات الفنانين السعوديين من الرجال. لكن هذا لم يكن هو السائد في كل الأرض السعودية فالحجاز ومناطق أخرى لم يكن لديهن بأس في ذلك على الأقل التزموا الصمت واستمتعوا بما يتم تقديمه من فن
توحه، وابتسام لطفي وسارة العثمان ونوال بدر وماري سعيد مغنيات سعوديات لكن الوقت الذي خرجن فيه لم يكن سائغا لانتشار واسع، ولم تكن التجاذبات ساخنة إلى هذا الحد، ربما ، فمرت أصواتهن بسلام فيما أن الانتشار الكبير الآن جعل المواجهة أقوى لكنها ليست خاسرة بأي حال من الأحوال. فوعد وهيفاء المنصور وسارة وغيرهن ليست الأسئلة الأولى التي تطالعهن هي تلك التي تطالع كل فنان أو مغنٍ أو وخرج، ولكنها أسئلة أخرى لا علاقة لها بكل ذلك فلا يدور حولها أكثر من أنها سعودية وتغني أو تمثل وهذا خروج من الشرط الفعلي للفن إلى شرط غير فعلي للفنان وهو شأن يجعل ملاحقته دائمة كما حدث في فترة مع هيفاء الربيع حيث كنت أسمع شيخا يجيب عن سؤال حول تحركاتها فقال : إنها خارج المملكة ونسأل الله ألا تعود عليها من الله ما تستحق )، أما الجمهور فكان ينشغل بما قيل عنها لا بما أنجزت
هذه فترة كانت قبل أن تكون المساحات الفارغة في أسطح المنازل لا يملأها شيء أما الآن وأنت لا تجد موضع قدم إلا ومكانه صحن لاقط فالصورة مختلفة تماما خاصة لدى الجيل الذي تشكل حيز كبير من وعيه عبر الفضاء المفتوح، والبكاءون يعلمون جيدا أن كل مواعظ العودة إلى منابرهم التقليدية لن تجدي نفعا فالمسجد أو المدرسة لا يمكن لها وهي الهزيلة بما يكفي أن تشكل وعيا يذكر سوى ما تشيعه الآن من تجريم لهذا الوعي الجديد، وهذا مفيد أكثر، فهيفاء المنصور لن تربك أحد بمقالة أو كتاب أو نظرية وإنما هي تشتغل في ما لم يؤمنوا به إلى الآن.. في الصورة،ولو كانت هيفاء كنوال السعداوي لكان سهلا أن توصف بما وصف به الكثيرات أو ترمى به لكنها تصنع الصورة والصورة لا تنتظر حكما لتمر عبر أعيننا
غدا سينفرط عقد الأحادية والخصوصية ولا يمكن أن ينحني أحد من أبناء هذا الجيل لالتقاط أي حبة منه مهما كانت قريبة من قدمه، لسبب أنهم لن يعودوا أبناء تقليدين لتلك المنابر التي أربكت علاقتهم مع أنفسهم قبل أن تربك علاقتهم مع غيرهم. ليست هيفاء فقط من يعلم أن الأبواب الكثيرة لدينا لا بفتحها الطرق مهما كان مؤدبا لكنك حين تمتلك بابك تستطيع فتحه متى شئت خاصة وأن حراس الأبواب التقليدين لا يجيدون التعامل مع أبواب الديجتيل الجديدة ذات الأرقام والأزرار الكثيرة، لكن هيفاء المنصور تجدي ذلك جيدا.