كم أم تبكي، وكم ابنة، وكم زوجة، وكم حبيبة وصديقة؟
كم امرأة ترملت وثكلت وتيتمت؟ وكم من البنات والأولاد سيزيدون عدد المشردين في الشوارع، وربما السجون وطرقات الليل؟
شكرا لرايات الإسلام التي يرفعها خلفاء الله في الأرض، وشكرا لأشاوس الإسلام في الدفاع عن الله ودينه و"تعليماته". شكرا لكل من حمل قنبلة ومسدسا ومطواة ليقتل سائقي سيارات الأجرة "الكفرة"، والعمال البسطاء "الملحدين"، ومرشدي السياحة "الفاسقين"، والسياح الأجانب "الذين يحتلون فنادقنا". شكرا لأبطال الإسلام الذين يقتلون أمهاتنا كمدا علينا، وزوجاتنا وبناتنا وحبيباتنا، وأصدقاءنا.
هذه ليست كلمات انفعالية إطلاقا، فما يجري الآن في مصر، جرى في أمريكا وروسيا وبريطانيا وأسبانيا، جرى في السعودية ولبنان، ويجري الآن في العراق.
شكرا "للإخوة المؤمنين" الذين حولوا الأعياد إلى مآتم. قتلوا أنور السادات في 6 تشرين أول (أكتوبر)، وصنعوا مجزرة حقيقية في 23 تموز (يوليو). ومهما اختلفنا في قيمة الأعياد أو مرجعياتها السياسية والتاريخية، فقد أصبحت أعيادا وطنية، فهل بقى شك في أن "القَتَلَة" يريدون تدمير تاريخنا، وذاكرتنا، وتحويل دماء أبناء البلاد إلى دماء نجسة باسم الله والدين؟ هل بقى شك في أن أبناء يوليو وأبناء أكتوبر يتعرضون لمجزرة من أجل إعادة الكون إلى الوراء؟
حادثة الأقصر كانت أيضا على طريق محو الهوية والتاريخ والحضارة. والآن ينتظركم أطفال مصر ونساؤها في عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد رأس السنة، وعيد الميلاد في 7 كانون ثاني (يناير)، وعيد شم النسيم. أطفالنا ينتظرونكم بباقات الورود لأنكم تقتلون أباءهم وأمهاتهم، ونساء مصر ينتظرن غزواتكم المجيدة لحرق أكبادهم وقلوبهم.
هل هذه هي الرجولة والشهامة والنخوة؟ لو كان على ابن أبي طالب حيا لبصق على لحاكم، وفي وجوهم، أتعرفون لماذا؟ طبعا تعرفون؟ لو كان عمر ابن الخطاب أو خالد ابن الوليد أو أبو ذر الغفاري، أو حتى محمد ابن عبد الله، أحياء لواروا وجوههم خجلا ليس فقط من أجل الثكلى واليتامى والدماء المجانية، وإنما أيضا من رايات الجبن والخسة والنذالة.
ما ذنب كل هؤلاء البشر الذين يستيقظون فجرا لإطعام أولادهم وتعليمهم وتربيتهم؟ هل ذنبهم أنهم لا ينضمون إلى جيوش الجبناء الذين يرتكبون جرائمهم الوحشية في الخفاء؟ هل هناك خلافات سياسية بينكم وبينهم؟ أم أن الخلافات على الخلافة؟ إذا كانت الخلافات على الخلافة، فمعركتكم الأولى يجب أن تكون مع الله ليتنازل لكم عن سلطاته وسلطانه، وإذا كانت خلافاتكم مع الأنظمة السياسية، فاذهبوا وتصرفوا معهم. أما أن نظل نحن وأولادنا وأمهاتنا وزوجاتنا وحبيباتنا ضحية الجبن والخسة والنذالة والفساد، فهو الأمر غير المنطقي الذي لم يحدث وتكرر في التاريخ؟!!
إذا كان الله أعطاكم صكا بالخلافة، فأظهروه لنا لكي تطمئن قلوبنا. لسنا في حاجة إلى تصديقه من الشهر العقاري أو وزارة العدل أو أية وزارة خارجية أو سفارة. نريد أن نرى صك الله لكم بقتلنا وتشريد أبنائنا وقطع أرزاقنا، حتى وإن كان بدون توقيع، لأنه من الصعب مقارنة توقيع الله الذي لم يره أحد على وثيقة بما لديكم من وثائق ممهورة بتوقيعه.
أعطونا إشارة أو معجزة حتى ندرك أن الله يرى صالحنا في ذبحنا وتقطيع جثثنا. لحظتها سيكون كل منا على بينة، ومن أراد أن يؤمن، فليؤمن، ومن أراد أن يهاجر، فليهاجر، أو يهجر.
الجبن والخسة والنذالة-ثلاثة وجوه لعملة واحدة تدفع من أجل إرسال رسالة بريد إلكتروني لتهديد باحث أو مفكر، وتدفع من أجل قنبلة تزرع في الظلام لإزهاق أرواح بشر لا يملكون إلا سواعدهم لإطعام أولادهم، وتدفع من أجل شراء مطواة أو سكين لذبح كاتب أو شاعر.
الجبن والخسة والنذالة-عملة واحدة تدفع لشراء المخدرات والعقاقير التي تمسح أدمغة القتلة وحاملي القنابل والمطاوي، وتدفع ثمنا لأرواحهم إلى أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم. فعلى دمائنا ودماء أبنائنا يعيش أبناؤهم وزوجاتهم. فهل فكرت أم لجبان وخسيس ونذل، أو أخته، أو زوجته، أو ابنته على أي أموال تعيش؟ وعلى حساب من تعيش؟ ودماء من تشرب؟
من سيطعم الأولاد غدا، ومن سيدخل عليهم برغيف خبز أو برتقالة، ومن سيسعد قلوب الأطفال بابتسامته ويطبع على جباههم قبلة؟ من سيحتضن أمهاتهم، ويهمس لهن بأن يعتنين بالأولاد لحين عودته من العمل؟ ومن سيودع أمهاتهم بابتسامة بعد أن يوصلهن إلى أعمالهن؟
البسطاء، وقودكم ووقود الفساد، يعرفون وجه الله الجميل المتسامح، ويجهلون فعلا وجه القبح والخسة. يدركون الفرق بين القبح والجمال، بين الخسة والمروءة. ولعل ذلك تحديدا هو ما سيجعل الأنذال يتخفون دوما في الظلام، ويقتلون على حين غرة، ويغرسون سكاكينهم في الظهر.
سنصنع أعيادا أخرى، أكثر تألقا وجمالا. سنزرع أعيادنا الوطنية والدينية في ذاكرة بناتنا وأبنائنا. سنشعل شموع ثقافتنا في أرواح صغارنا، وسنبني كنائسنا وجوامعنا ومعابدنا ومسارحنا ومكتباتنا بأبواب كثيرة ونوافذ أكثر لتدخل منها الشمس ويتجدد هواءها في كل لحظة. سنصنع لأبنائنا أجنحة من ثقافات الشرق والغرب وفنونهما ودياناتهما لكي يحلقوا إلى أعلى، ويروا الله في أبهي صوره بعيدا القبح والخسة، وسواد الأرواح.
هل فكر الأنذال ولو للحظة واحدة في من سينحني، في الصباح قبل خروجه إلى العمل، على وجه الطفلة النائمة ليطبع على وجنتها قبلة؟ وفي من سيبتسم في وجه الأم أو الزوجة مساء عند عودته من العمل؟
هل فكر أي خسيس في أمه وزوجته وابنته، وهل تأكد ولو للحظة واحدة من أنه لا يسقيهم من دماء أطفال آخرين؟!!!