القاريء لمسودة الدستور العراقي الجديد يجد أن من الغرابة بمكان توصيف الدولة العراقية بالشكل الذي جاء عليه في المادة الأولى من الباب الأول، التي لا يتطلب الوضع الحالي بالنظر لاتفاق العراقيين تقريبا على التوجه نحو تطبيق الديمقراطية الحقيقية أن تكون جمهورية اتحادية إسلامية، لذا فمن غير اللازم أن يجري توصيف لاسم الدولة بالشكل الذي جاءت عليه في الدستور المقترح، فهي كما يتوجب أن تكون (الجمهورية العراقية) كاسم معرف فقط، ثم يأتي التوصيف الكامل كشرح لهذا الاسم (هي جمهورية اتحادية فيدرالية) وهو ما يفي بالغرض المنشود من الوصف. ويسبب زج التوصيف الديني لأي دين كان انتقاص من حق الشركاء الآخرين في الوطن الذي اسمه العراق، ويغلب طرفا على آخر في سابقة جديدة لأرض الرافدين التي يتعايش فيها نسيج من مختلف الأطياف الدينية بدون منازع، وهو ما جاء في الباب الأول لمسودة الدستور المقترح وفي المادة الثانية. لذلك فمن غير المعقول أن يجر البعض العراقيين من أي طرف ديني بقية الأطراف لنزاع حول مسمى لا أرضية له بين أطياف عراقية متعددة ، لـ (أن الدين لله والوطن للجميع) وكان زجه في دستور يجب أن يوائم بين كافة أطياف الشعب العراقي المختلفة خطوة لا داع لها إطلاقا، لأن وجود عبارة (وهو مصدر أساسي للتشريع) يخل بالمعادلة السياسية، ويغمط حق عراقيين آخرين ممن لا ينتمون للدين الإسلامي من بقية النسيج العراقي .
ولإحقاق الشراكة الحقيقية في الوطن الواحد كان على المشرع وهم لجنة كتابة الدستور تجنب أي منزلق يثير ريبة أي قومية مهما كانت نسبتها بالنسبة للطيف العراقي، واختيار نص توافقي يضع كافة العراقيين في ميزان واحد هو الأحسن لوصف الشعب العراقي، لذا فمن الأصلح أن يأتي نص المادة الثالثة من الباب الأول كما يلي (الوطن العراقي شركة لا تقبل التجزئة بين كافة مكوناته الشعب العراقي الأساسية من العرب والكورد والتركمان والكلدان والأشوريين والسريان والأرمن والشبك والصابئة المندائيين) ويضاف لهم الكورد الفيليين ، كونهم يشكلون شريحة كبيرة من الشعب العراقي يجب عدم تناسيها كمكون حقيقي.
ومما يثير العجب أن المشرع المذكور آنفا يصر على استيراد نفس العقلية التابعة السابقة لمن وضع الدساتير العراقية والتي كانت تجر العراق للارتباط بعالمين لم يقدما جزءا يسيرا من المساعدة للشعب العراقي الذي عانى الكثير من الظلم والحيف طوال تاريخه الدامي المبتلى بالدكتاتورين ومنذ بزوغ الهيمنة عليه عند الفتح الإسلامي. لا بالعكس بل كانت هناك أطراف عديدة من هذين العالمين وفي عصرنا الراهن تقدم العون للأنظمة الدكتاتورية بالضد من الشعب العراقي وهو ما حصل في حروبه العبثية التي كان وقودها أبناء الشعب العراقي وهذا ما جاء في المادة الخامسة من الباب الأول حيث يقول إن (الدولة العراقية جزء من العالمين العربي والإسلامي)، بينما يعرف الجميع إن النسيج العراقي يشكل لوحده امة بحالها، لأن جميع مكونات هذا النسيج قد عانت من حيف وظلم الدكتاتوريات المتعاقبة ولم يمد لها يد العون أي من الطرفين العربي أو الإسلامي حتى نتحدث عن وحدة المصير. وما يحيق بها من إرهاب حالي يفوق التصور مصدره العالمين العربي والإسلامي أيضا، فأي مصير مشترك هذا الذي يربطنا بهذين العالمين ؟!. لذا فبدلا أن تكون المادة الخامسة من الباب الأول (الدولة العراقية جزء من العالمين العربي والإسلامي)، عليها أن تصاغ كالآتي (العراق امة متكاملة يشكلها النسيج العراقي بكافة مكوناته المتعددة، في وطن لا يقبل القسمة على أي عدد)، ويفضل أن تلغى هذه المادة وتضاف للمادة الثالثة من الباب الأول.
لكن الغريب أن يقف المشرع خائفا أمام حالة يجب التصريح بها علانية وتوصيفها بصورة ثابتة في الدستور، واقصد هنا حظر فكر البعث إجمالا وليس (حزب البعث الصدامي) بالذات. لان من وضع المادة الحادية عشرة وقف مترددا وهو يزحف محاولا إيصال رأيه من دون إقدام على شجاعة، أو تصريح علني عن رأيه عندما قال (يحظر فكرا وممارسة تحت أي مسمى كان كل فكر تبنى العنصرية والتكفير والإرهاب " أو يحرض أو يمجد أو يمهد أو يروج له " وبخاصة البعث الصدامي، ولا يجوز أن يكون ذلك جزءا من التعددية السياسية في الدولة). وكان أن تبدأ هذه الفقرة كما صيغت في بدايتها على أن يزال القوسين ويدمج محتواهما ضمن الفقرة ويضاف لها الآتي (ويدخل فكر البعث الفاشي ضمن الأفكار الممنوعة وفق هذه المادة)، ويتم إكمال بقية المادة كما جاءت في مسودة الدستور.
ومع تواجد نساء ضمن لجنة كتابة الدستور لكن المادة السادسة من الباب الثاني جاءت منقوصة تماما حول حقوق النسوة، فمن غير المعقول أن يختصر المشرع الدستوري حقوق جميع العراقيات بعبارة مطاطية تعتمد على الشريعة الإسلامية لكي تكفل الدولة العراقية حقوق المرأة العراقية متناسين جميع القوانين والتشريعات الدولية التي تكفل حقوق المرأة وتساويها بالرجل. فالقرارات الدولية وإعلان حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية نصوص ثابتة بينما يعتمد الدين الإسلامي على رأي المشرع والاجتهاد الشخصي في التفسير للنصوص الدينية والسنة النبوية، والتي لا تتلائم والتطور الحضاري للجنس البشري، مضافا لذلك التجاهل التام لحقوق النساء العراقيات ممن لا ينتمين للدين الإسلامي.
وجاءت المادة الثانية عشر من الباب الأول منقوصة عندما لم يتم التأكيد على (حيادية الدولة العراقية)، فما عاناه الشعب العراقي من حروب عبثية ونكبات وعرض عضلات لحكام دكتاتوريين يتطلب إعلان الدولة العراقية كـ (دولة حيادية تلتزم السلم والتعاون الدولي)، وبهذا نطمأن أجيالنا القادمة على مستقبل آمن سعيد بعيدا عن ويلات الحروب والدمار الذي حاق بجيلنا التعيس.
كاتب عراقي / النمسا
اقرأ هذه الآراء قبل أن تصوّت:
علي عبدالعال: لا كبيرة لمسودة الدستور العراقي
مصطفى محمد غريب: لتكن حقوق المرأة العراقية في الدستور مسؤولية
غالب حسن الشابندر: الدستور العراقي المقترح والنعمة المنبرية!
د. عبدالخالق حسين: تركة صدام حسين في مسودة الدستور الدائم
ماجد الغرباوي: الدستور العراقي يؤسس لتفكيك وحدة الشعب
سعد صلاح خالص: مسودة الدستور الجديد.. وهل ينضح الاناء بأكثر مما فيه
غالب حسن الشابندر: كي تبقى المرجعية الدينية في ضمائرنا!
رياض الأمير: اهو دستور ام معول تهديم؟
فالح الحُمراني: المشرعون العراقيون وممارسات يلتسين
سيّار الجميل: المعاني الدستورية بين الاهداف والمبادئ
عزيز الحاج: نظرة أولى على مسودة الدستور للعراق الجديد
عزيز الحاج: حذار، حذار من الدستور إسلاميا!
عبدالخالق حسين: ملاحظات حول مسودة الدستور العراقي
كاظم المقدادي: البيئة والصحة في مسودة الدستور المقترحة
علي عبد العال: مسودة الدستور: فشل ذريع لعراقة القانون العراقي
جرجيس كوليزادة: مقترحات لتعديل مسودة الدستور العراقي
حمزة الشمخي: هنا الجمهورية العراقية.. وطن الجميع
نجاح يوسف: دستور العراق.. بناء دولة مدنية أم دينية؟
ومن الكتاب العرب:
د. شاكر النابلسي: الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
التعليقات