دولة الولايات المتحدة الامريكية المتربعة على قمة العالم بمفردها دون منافس بسبب قوة اقتصادها وقوة مجتمعها وقدرتها على فرض نظريتها فى العولمة السياسية والاقتصادية وذراعها العسكرية التى تطول اى مكان فى العالم، لم تتمكن عندما دهم اعصار كاترينا بعض ولاياتها الجنوبية من ان تكون افضل فى آدائها لواجباتها من دولة بنجلاديش التى تعرضت لاعصار مدمر عام 1991 اودى بحياة 130 الف من ابنائها ولا نقول اليابان التى قصف زلزال كوبى الذى شهدته عام 1995 عمر اكثر من ستة آلف شخص من مواطنيها..
لم تساعد امريكا قوتها الاقتصادية وبنيتها التحتية واسطولها الجوى وطرقها السريعه ومخزون ولاياتها من السلع الاستهلاكية، على تقديم العون للمتضررين من اهالى الولايات الثلاث لويزيانا ومسيسيبى وألاباما فى الوقت المناسب.. ولم تفرج زيارت الرئيس جورج دبليو بوش الابن الثلاث (تدنت شعبيته الى اقل مستوياتها كما قالت مجلة تايمز فى عددها الاخير) الى اجزاء من هذه المناطق المنكوبه، الازمة بل زادت من فاقة الامريكيون الواقعون تحت سطوة الفاقة وجبروت الفقر.. وكشفت الستار عن معاناتهم بعد ان تمكن اغنياء تلك الولايات من النفاذ بجلدهم ليزدادوا غنا ويبقى الفقراء وحدهم يواجهون المصير الأكثر سوءا كما لو كانوا من أبناء إحدى دول جنوب شرق آسيا التى تعرضت لاعصار تسونامى..
شمخت الادارة الامريكية بأنفها عاليا وكرهت ان تقبل المساعدات التى أبدت الدول الصديقه والحليفه والخائفة (من أن يصبح عدà40 يصبح عدà'c7لعون فى مثل هذه الظروف مثله مثل عدم محاربة الارهاب) الاستعداد المبدئى لتقديمها، وبعد أن شعر مسئوليها بضخامة المأساة فى اليوم الثالث قبلوا ما كانوا يتأففون عنه من قبل.. وفتحوا ابوابهم للمساعدات المادية المتمثلة فى الادوية والاغذية والاغطية والخيام والمولدات الكهربائية ووحدات تنقية المياه من بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا والسويد، والنقدية التى تدفقت عليها من بعض دول الخليج النفطية وخصوصا من الكويت التى تبرعت حكومتها بـ 500 مليون دولار اعترافا منها بجميل تحرير ارضها وشعبها من قبضة الاحتلال العراقى الغاشم الذى يطوق عنق شعبها، حتى اليونان ارسلت سفينتين لاستخدامهما كأماكن للايواء.. ناهيك عن كميات النفط التى تدفقت على الموانى الامركية من كل صوب بعضها مجانى وبعضها الآخر مؤجل الدفع..
وياليت هذا الرفض قابلته حركة سريعة نشطة لاحتواء الموقف ومعالجة اثاره فور الابلاغ عنه ومتابعة وقائعه منقولا " على الهواء مباشرة " دون مونتاج، لكن استجابة السلطات الفيدرالية والولاياتيه اتسمت بالبطئ والتصرفات غير الفعاله او الايجابية.. ولم تكتف الكاميرات التى لا تكذب ولا تتجمل بنقل الكارثه المروعة وحجم الدمار الذى خلفته ورائها وانما نقلت علميات النهب والسطو بل والشجار، الى جانب بكاء الاطفال والامهات خصوصا تلك السيدة التى كانت تحمل رضيعها وتبكى بحرقة امام الكاميرات بلا إصطناع وتقول " لا اريد ان افقد طفلى هذا بعد ان فقدت طفلى الاول العام الماضى "..
ظلت القيادات الامريكية المسئولة تتجادل على مدى يومين ونصف اليوم حول ما يمكن ان تقوم به من جهد.. اما ممثلوا الولايات الثلاث من الحزبيين على مستوى مجلسى النواب والشيوخ فكانوا يظهرون امام الكاميرات باذلين الوعود دون القدرة على تنفيذها، مما جعل احد الصحفيين يقول على صفحات صحيفة نيويورك تايمز " ان الامه تشعر بالخجل لان القاعدة الاولى للحفاظ على نسيجها الاجتماعى، وهى حماية الفقراء فى اوقات المحنه، لم تلفت نظر المسئولين او الحزبيين حيث بدى واضحا امام اعين الجميع انهم تركوا الجرحى فى ميدان المعركة وجلسوا فى خيمة القيادة يتجادلون فيما حول شكل خطوتهم التالية "..
بل ان بعضهم عمد عن قصد الى الربط بين فشل الادارة الامريكية الحالية فى مواجهة إعصار كاترينا وفشلها فى توقع هجمات الحادى عشر من سبتمبر منذ ثلاث سنوات وفشلها فى العثور على اسلحة الدمار الشامل التى شنت بسببها حربا لاسقاط نظام الحكم العراقى السابق وفشلها فى حماية شركة انرون للتقنيات من الانهيار.. الخ..
اول متابعه لتداعيات الاعصار من وجهة نظر الاعلام البريطانى المقروء جاءت فى الاول من سبتمبر الحالى وذلك حين وصف جوليان بورجر فى صحيفة الجارديان الوضع فى مدينة نيو اورليانز قائلا " حالة الفوضى تسود المدينة حيث انتشرت عمال السلب والنهب وتردد صوت طلقات الرصاص فى جنباتها فيما بدا وكأن قوات الشرطة قد تبخرت حتى الحطام الذى خلفه الاعصار لم يجد من حميه من ايدى اللصوص ".. وتوالت المتابعات اليومية.. حيث نشرت صحيفة الاندبندنت فى السابع من نفس الشهر وبعد يومين من الزيارة الثانية التى قام بها الرئيس الامريكى الى المنطقة المنكوبه، على صفحتها الاولى تقريرا عن حجم الكارثة البيئية والصحية التى قد تسببها المياه الملوثة فى ولايتى لويزيانا وميسيسيبى أكدت فيه ان خبراء الصحه العامه حذورا من ان " ضخ المياه الملوثه من شوارع نيو اورليانز وإعادة صبها فى خليج المسكيك – وهو الخيار الوحيد المتوافر أمام سبل اعادة الحياة الى المدينة – قد يكون له تأثيرات خطيرة جدا على صحة البشر والحيوانات والحياة البحرية فى المنطقة بأكملها "..
وارجعت الصحيفه هذه الخطورة البالغه الى " جثث الاشخاص والحيوانات الذين ماتوا ولم تنتشل بعد والتى بدأ بعضها فى التحلل بعد البقاء فترة طويله فى المياه، والى ترسيبات فضلات الصرف الصحى والوقود والسيارات، والى والسموم الكيميائية والمواد البتروكيميائية التى تخلفت عن مصافى تكرير النفط المنتشرة على ساحل خليج المكسيك بسبب ما تعرضت له من دمار "..
فى نفس اليوم إعتبر الكاتب جيرار بايكر محرر الشئون الامريكية فى صحيفة التايمز ان الحالة التى ترك عليها سكان الولايات الثلاث من الامريكان السود ليواجهوا مصيرهم بمفردهم " اظهرت سلوكا فى المجتمع الامريكى لم يكن معروفا من قبل، الا وهو فردية الفرار من مواجهة المحنه حيث يدافع كل شخص عن نفسه وحيث تعيش فئة فى رخاء فيما تترك فئة اخرى من المنتمين الى أقليات عرقية لكى تغرق وتموت ".. واعتبر الكاتب ان اللوم الاساسى يجب ان يلقى على بيروقراطية مختلف الادارات الحكومية " التى اثبتت فشلها فى تنسيق الجهود المحلية والمركزية "..
وفى الختام استنتج جيرار ان " شيئا ما تغير فى داخل المواطن الامريكى بسبب الخطأ الذى عايش تداعياته الكبيرة، ربما يمثل نهاية حقبة المحافظين التى شهدت الكثير من المآسى والخسائر والفشل، لانه من الصعب – فى رأيه - ان لا ينعكس كل ذلك على رسم سياسات البلاد المستقبلية.. فى نفس الوقت يعمل المحافظون ما فى وسعهم لنفض أيديهم من المسئولية بتحميلها على آليات العمل وليس لفلسفة الادارة التى تقف ورائه والتى جردت البلاد حتى من قوات الحرس الوطنى التى انشأت خصيصا لمواجهة مثل هذه الاخطار ولحماية ابناء الشعب الواحد.. "..
اما كولون باول وزير الخارجية السابق فقال فى مقابلة تلفزيونية يوم الجمعه 9 الجارى انه لا يتسطيع ان يستوعب عدم الاسراع فى تقديم المساعدات بالشكل اللائق، وفسر عمدة مدينة نيو اورليانز التى لا زال 60 % من مساحتهاتحت سطح المياه هذا التقصير قائلا " ان مستشاروا الرئيس لم يقدموا له الصورة بكل جوانبها واخفوا عنه حقيقتها لفترة من الزمن "..
ربما لهذه الاسباب مجتمعه سارع الرئيس جورج دبليو بوش الابن الى الاعتراف بالانتقادات التى تتعرض لها ادارته حتى اليوم واستخدم حقه الدستورى فى اعلان حالة الطوارئ فى الولايات العشر التى وصل اليها اللاجئون والمشردون من المناطق التى تضررت.. ذلك الاعلان الذى يتيح له نقل المزيد من الاعتمادات المالية الفيدرالية لمساعدة المحتاجين ..
وحرصا منه على الامساك بكافة الخيوط بين يديه تلقف الرئيس الامريكى الاقتراح الذى اعلنه الرئيس السابق بيل كلنتون وزوجته هيلارى عضو مجلس الشيوخ عن مدينة نيويورك بفتح تحقيق حول تداعيات الاعصار تنظر فيه لجنة من الكونجرس على غرار التحقيق الذى جرى حول ملابسات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على ان تتقصى مدى تجاوب الحكومة الفيدراية مع هذه الكارثة القومية، و اعلن عن ترأسه لهذه اللجنة التى ستضمن شخصيات من كلا الحزبين الكبيرين..
السؤال الذى يشغل بال الكثيرين وخصوصا فى الشرق الاوسط.. هل ستتمكن الادارة الامريكية من توفير الاعتمادات اللازمه لاعادة بناء ما دمره الاعصار والتى يقال ان مدينة نيو اورلينانز وحدها تحتاج الى ما يوازى كلفة الحرب لاسقاط نظام حكم صدام حسين فى العراق لاعادتها الى الحياة !! وهل ستكفى المساهمات التى بدأت تتدفق على الصندوق الذى دعا الرئيسان السابقان جورج بوش الاب وبيل كلينتون الى افتتاحه لمد العون الى الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات المتضرره ؟؟ ام ان واشنطون ستلجأ الى اساليب الضغط لاقناع اصدقائها وحلفائها بالعمل على سد العجز المالى الذى قد ينشأ عند وضع هذا المشروع موضع التنفيذ !!..
خصوصا بعد ان اعلن وزير الخزانة الامريكية جون سنو ان الدمار الذى خلفه الاعصار " سيبطئ من معدل نمو الاقتصاد الامريكى بنسبة 5ر0 % خلال الاشهر الباقية من السنة المالية الحالية فى ضوء الخسائر الاولية التى يقال انها بلغت حوالى 100 مليار وفقدان حوالى 400 الف وظيفه "..
استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]












التعليقات