اذا ما القينا نظرة متفحصة للبيئة التي نعيش فيها. سنجد بالتاكيد ، عددا كبيرا من الحالات، التي تكون قاب قوسين او ادنى من الطلاق. أو تعيش الطلاق. وفي عدد اخر، تكون الحالة قد تحققت.
الزواج، هو علاقة عمرية شاملة بين الرجل والمرأة. اضفت عليها المجتمعات والشرائع والاديان السماوية قدسية واحتراما كبيرين. واخضعتها لاعتبارات متعددة: أجتماعية، دينية، أقتصادية، سياسية، لغرض تنظيمها، حيث تعد الاسرة، التنظيم الاجتماعي الاول في المجتمع. لقد عرف الانسان ومارس العديد من العلاقات العاطفية، والجنسية خارج نطاق مؤسسة الاسرة. الا ان علاقة الزواج - بتعدد مستوياتها- اثبتت نجاحها عبر الاف السنين، في حين كان الفشل نصيب الاشكال الاخرى. لكن بالرغم من هذا الاستقرار التاريخي، الذي تتوفر عليه علاقة الزواج، الا انها تتعرض احيانا الى التأزم والاختلال، وعدم التوافق بين طرفيها، وقد يصل الامر احيانا، الى انفصام عرى العلاقة بالطلاق. وعادة مايحدث الطلاق، لتوفر جملة اسباب، تنفرد تارة وتجتمع حينا، ومن هذه الاسباب ماهي : نفسية ، اجتماعية، اقتصادية، دينية.....الخ.
وقدر اهمية الاسباب التي يؤدي الى الطلاق، فاننا نعنى هنا، بالاسباب النفسية، الجانب النفسي احد العوامل الحاسمة التي تهدم الزواج وتقض مضجع الاسرة. ونحن اذ ننظر للموضوع من زاوية علم النفس، فسنتناوله على النحو الاتي:

* الشخصية
* السلوك الجنسي
* الصحة النفسية


الشخصية

تعد( الشخصية) احدى موضوعات علم النفس، التي نالت اهتماما متزايدا، بالقياس الى غيرها من موضوعات هذا العلم، بسبب طبيعة مفرداتها الميول، الاتجاهات، الدوافع، الانفعالات..... التي تغطي مساحة اوسع، من غالبية ميادين علم النفس الاخرى. "وعادة مايقصد علماء النفس المعاصرون بالشخصية تلك الانماط المستمرة والمتسعة نسبيا من الادراك والتفكير والاحساس والسلوك التي تبدو لتعطي الناس ذاتيتهم المميزة، ان الشخصية تكوين اختزالي يتضمن الافكار الدوافع، الانفعالات، الميول، الاتجاهات، والقدرات المتشابهة".
ذلك أنالشخصية، هي ناتتج تفاعل الاطراف الثلاثة، لمثلث العقل والوجدان والجسد، حيث يحقق كل طرف نسبة معينة من التاثير في الاطراف الاخرى. يتبين مما تقدم، ان طبيعة الشخصية، ومايترتب عليها، من انماط سلوكية متعددة، ومتنوعة على جانب كبير من الاهمية، في تحقيق الانسجام بين الشريكين، وبما يمنح الاسرة ومنظومة علائقها ، التوازن والاستمرارية. بيد ان النفس شانها شان الجسد، قد تصاب بالاعتلال (قبل او بعد الزواج) مما ينسحب من امر الاعتلال، على جسد العلاقة، فيدفعها للاختلال ثم الانفصال.
ان وعي احد الشريكين( او كلاهما) بأمر هذه الاعتلالات ( البسيطة منها تحديدا)، سيمكنهما من تفويت الفرصة، التي تنال ، من درجة التوافق النفسي القائم بينهما، وما تحدثه من تصدع ، يصيب العلاقة الزوجية، وذلك بالاستعانة بخبرة الطبيب المختص او الباحث النفساني، ومن انماط الشخصية المعتلة : الشخصية السايكوباثية، الشخصية الفصامية، الشخصية العصابية. ونتيجة لهذه الاعتلالات، يفشل الازواج في اشباع حاجات، وتوقعات كل منهم من الاخر. كما يجد الافراد صعوبة في تقبل الاختلاف، في عادات واراء وقيم كل منهم الاخر. كذلك فان الغيرة والتملك، تمنع كل فرد من اعطاء الاخر حرية الاستقلال . كما ان توزيع المسؤلية، يبدو غير عادل لاحدهما او كليهما. وفي حالات، يفترق الافراد وراء اهداف واهتمامات مختلفة ومتعارضة.

السلوك الجنسي

يعد الدافع الجنسي عند الانسان، من الدوافع الاساسية المهمة. فعلاوة على كونه حاجة بايولوجية، يضمن للجنس البشري بقاءه، الا انه يمثل حاجة نفسية، تقدم للانسان المتعة، وتخفف عنه التوتر والمعاناة. ان ممارسة السلوك الجنسي بشكل سوي، يعبر عن النضوج الجنسي(محصلة العلاقة التفاعلية بين العوامل البايولوجية والنفسية والاجتماعية)، كما يعد مؤشرا طيبا لصحة الانسان النفسية.

العوامل المؤثرة في السلوك الجنسي

1- نقص المعرفة الجنسية
2- اضطرابات الجنسية عند الرجل / المرأة
3- الانحرافات الجنسية

نقص المعرفة الجنسية
ان نقص المعرفة الجنسية، لدى احد الشريكين او كليهما، يدفع الى تكريس انماط غير سليمة من السلوك الجنسي، وذلك بالسعي لارضاء الدافع الجنسي، دون ايلاء الاهتمام المناسب لفعاليته، في تطمين حاجات الشريك، ودون مراعاة الصعوبات، والمشكلات الصحية. كل هذه الممارسات معوقة للحصول على اللذة، والمتعة ومولدة لمشاعر النفور من الجنس، وقد تمهد لسوء التوافق، بين طرفي العلاقة، وخاصة، ان استمرت هذه الحالة لفترة طويلة.

الاضطرابات الجنسية عند الرجل / المرأة
تلعب الاضطرابات الجنسية، عند الرجل او المرأة، دورا هاما، في القضاء على العلاقة الزوجية. او قد يصاب احد الطرفين بحالة احباط كبيرة، نتيجة الاعاقة المستمرة، لحالة الوصول، الى النشوة الجنسية المطلوبة، كما في حالات القذف السريع، او القذف دون تحقيق الانتصاب الكامل، او الانتصاب لفترة قصيرة، اذ لايتيح للمرأة، الاشتراك في العملية، او حالات عدم الانتصاب(العنة) ، كذلك فان القياس غير الطبيعي لعضو الذكر، يسبب مشكلات في هذا المجال. كما ان آلام الجماع، التي تشعر بها المرأة، بسبب ضيق فتحة المهبل، او بسبب بعض الالتهابات المزمنة، في الرحم، او الروائح الكريهة، التي تنبعث من المرأة، او حالات البرودة الجنسية، كلها تؤدي الى نفور الزوج، واحداث حالة الاحباط. ومادمنا في مجال عدم امكانية تحقيق الوصول الى النشوة الجنسية، فمن نافلة القول، ان هناك عددا كبيرا من الازواج والزوجات، الذين حرموا بهجة التقبيل، بسبب الرائحة الكريهة، التي تنبعث من فم احد الطرفين، او من جسده بشكل عام. يتبين مما تقدم، ان حدوث اي من الحالات المشار اليها اعلاه، يسبب في احداث الاحباط، الذي يشعر الانسان بالحرمان، والذي بسب طول مدته، يوقض المشاعر العدوانية، تجاه الاخر، مما يشعل فتيل المشكلات، الذي يبقي، حالة الصد والنفور قائمة لحين انتهاء علاقة الزواج.

الانحرافات الجنسية
تلعب جميع الانحرافات والشذوذ الجنسي، بصرف النظر عن الطرف الذي يمارسها، دورا في ارباك العلاقة الزوجية، والى حالة من الصد والنفور، بحيث يؤدي الى هدم العلاقة الزوجية، ومن اشكال هذه الانحرافات:
الخيانة الزوجية
الجنسية المثلية (ذكور – اناث)
السادية
المازوخية
الشبق
واشكال متعددة اخرى.

***

الصحة النفسة

( هي الكفاءة العقلية والانسجام النفسي الداخلي الذي يعرقل الانتاج الفردي او حركة الجهاز الاجتماعي والثقافي العام ويكو مصحوبا عادة بشعور من الارتياح ةالسعادة).
فالصحة النفسية السوية، من شانها، ان تهيء لكلا الطرفين، بيئة تتسم بالتوافق، والحنان والفهم وانشاء علاقات دافئة مع الاخرين، للحصول على الاشباع، وتحقيق الذات. وعلى النقيض من ذلك حالة اللاسواء، او الاعتلال الذي يصيب الصحة النفسية، ليفرز انماطا من السلوك، مما يدفع العلاقة الى طريقها المسدود.
ومن جملة الاعتلالات النفسية (الامراض) التي تصيب الفرد هي:
القلق – الاكتأب – الهستيريا – المخاوف المرضية – الافكار التسلطية – الوساوس المرضية – الزهو – الفصام وغيرها. كما ان من نتائج الادمان على الكحول والمخدرات ما يدفع بعلاقة الزواج نحو الهاوية. كذلك فان الاضطرابات النفسية- الجسمية السايكوسوباتية ( كما في اضطرابات الجهاز العصبي والجهاز التناسلي) ، تلعب دورا في اشاعة جو من السوداوية والقنوط، ليحيل اجواء العلاقة الزوجية، الى ساحة من فقدان الرجاء ، والانهزامية، وتواتر انماط من السلوك السلبي، الذي يستنزف العلاقة الزوجية حيويته، ا ويلحق بها ضررا بليغا.

وهناك اسباب اخرى منها:

العقم: قد يكون العقم، لدى اي من الطرفين، احد الاسباب التي تسرق الزواج بهجته وسعادته، وتحيل العلاقة بين الرجل والمرأة، الى جو خانق، لاسيما في حالة عقم المرأة. اذ يشعر الرجل، بان امتداده قد توقف، وان صفحته ستطوى عند موته، اذ لاابناء يحملون اسمه من بعده. من جانب اخر، وعلى الرغم من احساس المرأة بالامومة متفوق وظاهر للعيان، فالبنت منذ طفولتها، تميل الى تمثيل دور الام، اذ تقوم برعاية لعبتها، كما لو انها ام، الا انها تتقبل عقم الرجل وتتحمل نتائجه. ربما لان المرأة ليست ميالة بطبيعتها الى ذات الموقف الذي ينطوي عليه تفكير الرجل. خصوصا وان المرأة منذ خسارتها( التاريخية) لموقفها في العائلة، بداء الرجل يسجل الابناء باسمه، ناهيك عن اسباب اخرى لاتتصل بالموضوع بشكل مباشر.
لعب القمار: القمار احدى العادات، التي ما ان يمارسها الانسان، حتى يدمنها ليبتلي بها، فتنعكس اثارها السلبية على حياته كفرد، ثم على طبيعة علاقته داخل اسرته. فالمقامر، شخصية تعيش ازمة داخلية حادة، وقلق لاينقشع الا بممارسة القمار. فهو كمدمن الخمرة، ما ان يستفيق منها ، حتي يطلبها، وما ان يطلبها، حتى يزيدها. وهكذا يبدأ الفرد بالدوران، في حلقة مفرغة، دون ان يصل الى نقطة، يشعر فيها بالراحة والاستقرار. فالمقامر، يعيش توتر دائمي، ويعشق الترقب، الذي ينسيه حالته، والقمار بطبيعته، يوفر مثل هذه الحالة. ولذا يشعر المقامر بالراحة فقط عند ممارسته.

الزواج المبكر – المتأخر: تعد الحالتان، غير سليمتين اذا ما تحققتا. فالتبكير بالزواج، يعني ان الشخص لم يكن قد حقق النضج العقلي والعاطفي والاجتماعي المطلوب، لهكذا تجربة. فبانتهاء مرحلة المراهقة، التي تمتد في بعض الحالات لما بعد سن 21، يصبح الشخص اكثر استقرارا، في فهم دوافعه واتجاهاته في الحياة، واكثر وعيا وسيطرة على رغباته.
وفي المقابل، فان التاخر في الزواج، يعمل على وضع الشخص، رجلا كان ام امرأة، في قوالب واوضاع، يكون من الصعب عليه ان يغيرها، بحسب طبيعة الشخص المقابل في العلاقة، اي ان التاخر في الزواج، يفقد الشخص المرونة اللازمة، للتوافق النفسي مع احدهما الاخر، ناهيك عن الاسباب الاخرى ، لاسيما المتعلقة بالحيوية ، والاستعدادات والقدرات، التي تبدأ بالانحدار مع مرور الوقت.
هاتان الحالتان، تقودنا الى الاشارة الى موضوع مهم، وهو مراعاة عقد الزواج بين اعمار متقاربة، فالاختلافات الكبيرة في العمر بين الطرفين، يقود الى اكتشاف الغبن، الذي يلحق بطرف دون اخر، بعد فترة من هبوط فورة العواطف المتأججة، التي تصاحب مثل هذه الزيجات، التي يكون مصيرها في الغالب، الفشل.
ومادمنا في هذا الاطار، فهناك نقطة اخرى، وهي زواج المطلق او المطلقة، للمرة الثانية. فاي طرف ، سواء الرجل ام المرأة، عندما يعيد تجربة الزواج للمرة الثانية، لابد وان يحمل بعض الاثار السلبية، التي رافقت تجربته الاولى، فيبدأ بسحب وتعميم بعض تلك السلبيات، على التجربة الجديدة، واحيانا، يقوم بذلك بشكل لا واعي، فتكون النتائج، بالضد من النية التي عقدها، لتجاوز صورة وضعه السابق، لتحيله الى نفس النتيجة، ربما اكثر قساوة، مما كان عليه الحال سابقا. لذا، ينبغي التأني تماما، قبل الشروع بالتجربة للمرة الثانية.
ففي الوقت الذي يفترض بالزواج، وبحسب ((وسترماك)): بانه اتحاد طبيعي، لايقوم على القوانين وحدها، وانما يقوم على العواطف المتأصلة، فاذا تلاشت هذه العواطف، فلن تستطيع القوانين حماية الزواج من الاندثار. فبذلك يكون الطلاق، انهاء لحالة عدم التكيف والاتساق بين السمات النفسية لشخصية كلا الشريكين.


المراجع:

لندا دافيدوف، مدخل علم النفس، ص 570 دار ماكجروهيل للنشر.
الدكتور فخري الدباغ، اصول الطب النفساني، ص 22 ط/2 1977