إذا تمعنّا في الكلمات والعبارات الواردة في مقال الكاتب الإسلامي السلفي أحمد الكوس (إقصاء الدين.. هو الحل!! شعار مرشحة الضاحية) في صحيفة الوطن الكويتية (عدد 25 ديسمبر) ردا على لقاء المرشحة لانتخابات مجلس الأمة الأديبة الكويتية طيبة الابراهيم مع جريدة الشاهد، الذي طالبت فيه بفصل الدين عن الدولة وإلغاء المادة الثانية من الدستور، لاستطعنا الجزم بأنها كلمات وعبارات لا تعادي فحسب مفاهيم الحداثة، بل تعادي أيضا الحس النابض للديموقراطية في الدستور الكويتي.
فقد بات جليا بأن الخطاب الديني الذي ينتمي إليه الكوس هو خطاب يهيء للدولة الدينية التاريخية، بدلا من الدولة الديموقراطية ودولة المجتمع المدني أو الدولة الحديثة، والتي يحث الدستور الكويتي الخطى على تشكيلها وتفعيلها وتعميق أسسها في المجتمع، فيما الدولة الدينية الي يدعو إليها الكوس لا يوجد لها أي منطلق في الدستور، اللهم إلا الإشارة إلى المادة الثانية التي تعتبر الاسلام مصدر أساسي للتشريع، والتي لا تنتمي لا من قريب أو من بعيد إلى الدولة الدينية.

فرغم تباين تفسير المادة الثانية مع تفسير مواد أخرى كثيرة، ورغم استنادها ndash; حسب الخطاب الديني - للتفسير الداعي إلى إلزامية تنفيذ المسلمات الدينية المتمثلة بالتشريعات بغية أسلمة المجتمع، لكن ذلك لا يمكن أن يتعايش مع الديموقراطية التي تستند أساسا إلى النسبية وإلى طرد المسلمات.

وفي رفضه لما ورد في لقاء المرشحة، يعترض الكوس على نشر كلامها في quot;دولة الكويت الإسلاميةquot;. لاحظوا عبارة quot;الإسلاميةquot; وعلاقة ذلك بنيّة الكاتب تحويل الكويت إلى دولة دينية، إذ الكويت ليست دولة إسلامية بل مجتمعها مجتمع مسلم، وهناك فارق كبير في أن يقول شخص بأن دولة ما مسيحية أو أن مجتمع تلك الدولة مسيحي.
فلا يوجد في الدستور الكويتي ما يشير إلى أن الكويت دولة إسلامية بل هنالك إشارة إلى أن المجتمع هو مجتمع مسلم، وذلك لا يتعارض مع الدعوة إلى دمقرطة المجتمع وتحديث مفاهيمه، بل يتعارض مع ما يدعو إليه الخطاب الديني من أسلمة المجتمع وتحويل الكويت إلى دولة دينية، وهو ما يعني أن دستورية مفاهيم الحداثة لا يمكن لها أن تعادي إسلامية المجتمع (أي مجتمع)، بل من شأنها أن تعارض أسلمة وشرعنة قوانين الدولة وفق ما يريده أصحاب التفسير التاريخي القائم على الثوابت والمسلمات والذي لا يمت للحاضر وطبيعته ومفاهيمه بصلة.

كما أن وصف الكوس لكلام الابراهيم بأنه quot;فيه جرأة على الشريعة الإسلامية وتحد سافر لهاquot;، هو قبل ذلك يعبر عن جرأة وتحد لدستور البلاد ولنظامه الديموقراطي باعتبار أن ما ورد في كلامها يقع تحت خانة الأفكار، وبالتالي لا يمكن لنقاش الأفكار في النظام الديموقراطي أن يقبل باستخدام وصف quot;تحد سافرquot;، أو بعبارة أخرى لا يوجد في جدال الديموقراطية ما يمكن أن نسميه quot;خطوط حمراءquot; فكرية، إذ الأفكار هي منجز بشري نسبي وليست مسلمات أو ثوابت، وهي بالتالي قابلة للنقاش والتداول وللقبول والرفض، وأي استخدام لثقافة المنع والإقصاء والجبر تجاهها هو نسف لأسس الديموقراطية وتحد لدستور البلاد.

وإذا كان يحق للكوس أن يتمنى بأن تكون الشريعة الإسلامية (حسب فهمه وتفسيره) هي المهيمنة والمحكمة الكاملة في الكويت، ألا يحق لغيره ndash; وفق النظام الديموقراطي ndash; أن يطالب بفصل الدين عن الدولة؟ وألا يحق لغيره المطالبة بألاّ تكون الشريعة الاسلامية وفق فهم خطاب الكوس هي المهيمنة وإنما وفق فهم جماعات دينية أخرى؟ فإذا كان الكوس يعتقد بأن نظام الديموقراطية الوارد في دستور البلاد قد فتح الباب أمامه للدعوة لتغيير ماورد فيه نحو مزيد من الأسلمة وليس نحو مزيد من الحريات.. ألا يعتبر ذلك قفزا على الدستور لنزعه من ثوب الحرية والديموقراطية والتعددية ما يجعله غير قادر حتى عن الدفاع عن أفكاره إذا ما أصبحت الهيمنة للأقوى المستبد وليس للأصلح التعددي؟ فالديموقراطية تستند إلى الأفكار النسبية ما تفرز الأصلح وفق نظام انتخابي تعددي، فيما الاستبداد المستند إلى الثوابت فإنه يفرز الأقوى الذي يرفض النقاش باعتبار أن ما يتضمنه خطابه هو مسلمات، وهو ما يعني أن إقصاء المختلف بالنسبة لأنصار الخطاب الديني الذي ينتمي إليه الكوس هو الرهان لتثبيت أفكارهم في المجتمع، وهو السلاح لطرد غيرهم.

كاتب كويتي
[email protected]